العسكر والفن

محمد صبحي الذي اشتهر بدور الأهبل في مسرحية (انتهى الدرس يا غبي) يتناسب تماماً والدور الذي قام به في دعم بشار الأسد.

يرتبط لفظ “عسكر” في أذهان الناس بالحكم الديكتاتوري للطغاة عبر التّاريخ، كما يرتبط بكاريزما ساحرة لمعظم هؤلاء الطغاة. وينقسم الطغاة إلى طبقات مرتبطة بمراحل تاريخية مهمة في حياة الشعوب في العصر الحديث.

الطبقة الأولى من طغاة العالم كانوا يتميزون بكاريزما خاصة استطاعوا من خلالها التأثير في شعوبهم وبعضهم امتدّ تأثيره إلى شعوب العالم وأشهرهم “هتلر وموسوليني وستالين وجمال عبد الناصر”

الطبقة الثانية من الطغاة هي التي حاولت أن تقلّد الطبقة الأولى فكانت نسخة مشوهة عنها؛ لكنّها ذات حضور وتأثير على نطاق واسع وذلك بابتكارها حلولا لمشاكل دولية لا يجرؤ أحد على التّفكير فيها، ومنهم “أنور السادات، وحافظ الأسد”

أمّا الطبقة الثالثة فهي الطبقة الكرتونية المعاد تكريرها حتّى أصبحت باهتة بلا ملامح لكنّ فعلها على الأرض حاضر ومدمر مثالها “بشّار الأسد والسيسي”.. ويمكننا أن نقول إنّها النسخة الهزلية من الطغاة.

هتلر

لكلّ طاغية كاريزما خدمته ظروفه الشخصية والمحيطة به في تنميتها وتضخيمها، وأكثر الطغاة الذين تمتعوا بتلك الكاريزما الزعيم الألماني هتلر.

لقد كان هتلر خطيباً مفوهاً، وممثلاً بارعاً، وقد اعتمدت كاريزما هتلر على مقدرته الاستثنائية في الخطابة، حركات يديه حين يضرب المنصة أثناء الخطاب، سحر الكلمات التي يقولها.. وقد تدرّب على صقل موهبته في الخطابة حين كان يخطب في الجنود بين عامي 1919، 1920.

كان أيضا يتمتع بالذكاء الذي جعله يدرك أنّ الخطاب لا يكمن سحره في اللغة وطبقات الصوت والحركة، لكن أيضاً في احتوائه على ما يريد الناس أن يسمعوه. وكان يركز على أمور ثلاثة في حديثه “الخيانة التي اغتالت الجيش الألماني في الحرب العالمية الأولى، والخطة اليهودية –الماركسية لغزو العالم، والخيانة التي تعرضت لها ألمانيا في معاهدة فرساي”.

أيضاً كان هتلر يتدرب أمام المرآة على خطاباته وكيفية تأثيرها على الجماهير وعلى حضوره أثناء العروض العسكرية والشعبية، ومن ضمن التدريب الذي حرص عليه هتلر التركيز على الإيماءات بواسطة ذراعه واستخدام يده. من المؤكد أنّ كاريزما هتلر كانت مرضية فهو شخص نرجسي شديد الثقة بنفسه ومقدرته على الإقناع، لكنّه في الوقت نفسه كان ذا شخصية مزدوجة فيها الجانب الطيب الودود الذي يحب الموسيقى ويداعب الأطفال، والجانب الحاقد -خاصة على المثقفين بسبب عدم إكماله لتعليمه- فعندما يثور يحمرّ وجهه وينفجر غاضباً.. وقد جعلته ثقته بنفسه يعتقد أنّه المخلّص الذي سينقذ البشرية؛ تلك الثقة التي دمرت العالم! وقد كانت الكاريزما التي تمتع بها هتلر السبب في انقياد الشعب له والحماس منقطع النظير لإشعال الحرب، وقد وجد هتلر كبش الفداء المناسب الذي يُحمّله النتائج الكارثية التي لحقت بالشعب جراء تصرفاته الحمقاء.

جمال عبد الناصر

تمتع عبد الناصر بشخصية جذابة وحضور طاغٍ ومؤثر سواء في خطاباته أو في حياته الشّخصية أو تعامله مع الناس من حوله، تلك الشخصية السّاحرة التي امتلكها كانت ذات تأثير قوي على الشّعب المصري والشّعوب العربية قاطبة، ولم يتمتع بها زعيم عربي سواه. لقد سار الشعب وراءه معصوب العينين، ولم يفكر أحد أنّ عبد الناصر يمكن أن يأخذ قراراً خاطئاً، فقد وجد ليبقى في أذهان الناس ووجدانهم بسبب تلك الكاريزما التي تحولت إلى نقمة بسبب التصرفات الخاطئة التي وقعت أثناء حكمه سواء بعلمه أو من دون علمه.

أنور السادات

كان على السادات مثلا أن يتخذ خطوة جريئة يكسب فيها الشعب كما يكسب بها العالم تشبه الخطوة التي اتخذها عبد الناصر حين أمم قناة السويس؛ لكن عبد الناصر استعدى العالم الغربي عليه وكانت نتائج جرأته العدوان الثلاثي على مصر.

أما السادات فقد اتبع سياسة تجعل منه نجماً وفي الوقت ذاته يكسب الغرب وهي الخبطة السياسية الإعلامية التي لم يفكر بها عبد الناصر لاختلاف الظرف والعصر والشّخصية وهي زيارته لإسرائيل.

الفن والعسكر

لا شكّ أن أصحاب الكاريزما لا يكتفون بذاتهم فهم يحتاجون إلى أشخاص لتثبيت حكمهم ومساعدتهم في لعبة الإقناع لقد اعتمد هتلر على “غوبلز”، واعتمد عبد الناصر على أم كلثوم وعبد الحليم، ولم يقتصر دورهما على الغناء بل أسهما أيضاً بجمع التبرعات للمجهود الحربي.

كما روّج عبد الحليم للسادات أيضاً مع شلة من المطربين الذين صعدوا في تلك الفترة.

أمّا حافظ الأسد فقد اعتمد – مذ كان وزيراً للدفاع- على حماية فرقته العسكرية الخاصة المتمثلة بالفنان دريد لحام، فقد كان حافظ الأسد يعتبر دريد لحام بمثابة فرقة عسكرية، فحضوره وقت الطلب في احتفاليات السلطة كان له مردود جيد في تعديل المزاج العام لدى الشعب الخائف أصلاً. كذلك اعتمد على كل الملحنين والمطربين السوريين فمن لم يسبّح بحمده كان يعرف مصيره جيداً. وبعد ارتكابه مجازر حماة وحلب وجسر الشغور في الثمانينات، وفي الوقت الذي كانت العلاقات مع مصر الشقيقة ما تزال في حالة قطيعة تامة أرسل الملحن صفوان بهلوان إلى القاهرة كي يسجل له مع الفرقة الأوركسترالية لحن قصيدة الجواهري “جبهة المجد” الذي يمجده بها لتغنيها ميادة الحناوي.

طغاة العصر وأذيالهم من المشخصاتية الهزليين

يبدو أن بشّار الأسد عرف أنّ المطربين الذين يروجون له ليسوا بالمستوى المطلوب وغير معروفين عربيا أو عالمياً حتى الفنان جورج وسوف فقد اهترأ من كثرة الظهور والتمسيح ولم يعد الغسيل ممكناً لهذا المنديل لذا استعان بالمصريين في محاولة للفت الأنظار عربياً إليه.

محمد صبحي الذي اشتهر بدور الأهبل في مسرحية (انتهى الدرس يا غبي) يتناسب تماماً والدور الذي قام به في دعم بشار الأسد، وسيكون ناجحاً في تجسيد شخصيته تماماً كما نجح أحمد زكي في تجسيد شخصية عبد الناصر في فيلمه “ناصر 56” وكما نجح في فيلم (أيام السادات) الذي أهداه فريق العمل إلى الطاغية الظل الذي يكافح من أجل السلام “حسني مبارك”!

كما تتواءم شخصية إلهام شاهين مع التطلعات الصوفية لمفتي الدولة أحمد حسون الذي أهداها نسخة خاصة من القرآن.

وكل ذلك في حملة ترويجية للمجتمع المتجانس الذي أعلن عنه بشار الأسد في خطابه الأخير، فلا يهم الخسارات التي منيت بها البلد من قتل خيرة الشباب والتهجير والدمار. المهم أنّ بشّار الأسد حصل على مجتمع متجانس!

لقد كان بشّار الأسد منبوذاً منذ صغره فكلّ شيء كان لباسل الذي يعدّه حافظ لاستلام مكانه.. لم يأتِ إلى السلطة من باب “الجيش” بل دخله بسرعة ونال الألقاب والأوسمة في زمن قياسي أثناء تحضيره لاستلام الرئاسة، يبدو أنه فوجئ بالوضع الذي وجد نفسه فيه فقرر السباحة بالدم والاغتسال بعد ذلك بوجوه الفنانين المرتزقة.. وهذا ما يجعلنا نعيد النظر في قدسية الفن ونضع الأمور في نصابها.. فهؤلاء ليسوا أكثر من أرجوزات يتقنون التمثيل فقط بغض النظر عن الرسالة الأخلاقية للعمل.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه