العراق: ثورة على الأبواب

والبقية متوقع لها الانفجار الشعبي اذ العراق كله يعيش حالة الاستعداد لثورة شاملة يراها الكثيرون على الأبواب.

مساحات نقد وتحليل المشهد العراقي تتسع وفقا للواقع المعاش ومخلفات الحمل الثقيل لأحداث تمتاز بنهاياتها السائبة المستعصية على الحسم، ما يفرض حتما الوقفة أمام المطلوب عراقيا ومساحة الإمكانيات المتاحة لاستيعابه في ظل حجم الإرهاق والتشتت والفساد.

لم يكن الكثيرون متفاجئين بمجريات ما يدور في العراق اليوم من احتجاجات وتظاهرات الجنوب والوسط العراقي التي بدأت بالبصرة لتمتد إلى ذي قار والديوانية وواسط والنجف وكربلاء وأجزاء من بغداد والبقية متوقع لها الانفجار الشعبي، إذ العراق كله يعيش حالة الاستعداد لثورة شاملة يراها الكثيرون على الأبواب.

الهدف

نعتقد أن الهدف المعلن لنشوب التظاهرات والاحتجاجات قد يكون من بين أبرز الأهداف والأسباب أهمية، لكنه سيكون حتما ضمن جملة المطالب والأهداف الاستراتيجية على خريطة المطالب المتزاحمة بين المعلن والمسكوت عنه.

خصوصية المشهد العراقي تجتمع عندها كل أسباب ومشروعية أي حراك، أهمها إشكالية الحالة السياسية التي أعجزت المراقبين عن تقدير سوءاتها. بسبب الفساد وضعف الأداء وتنوع الانتماءات الخارجية.

تبدو إدارة الدولة اليوم في حالة من الضعف وهي تمر بفترة تسيير الأعمال ضمن حالة الفراغ الدستوري التي خلفها انقضاء المدة المحددة للحكومة العراقية الجديدة المنتظر تشكيلها على خلفية انتخابات اعتبرت الأسوأ عالميا من حيث آلياتها ونتائجها، التي أفرزت فوزاً لتيارات وكتل سياسية، مشوبا بجملة عيوب تمهد لإنتاج الكثير من الاضطرابات. ووفق ذلك نعتقد أن قراءة المشهد العراقي اليوم تخضع لمجموعة من الاختبارات المحددة لأحداثه وما هو متوقع لمستقبله القريب.

اختبار ما بعد حرب المدن (الحرب على الإرهاب):

قطعا فقد كان رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي متعجلا جدا عندما أعلن نصره النهائي في الحرب على الإرهاب وإعلانه خلو العراق من العناصر الإرهابية بعد أكثر من ثلاث سنوات من حرب المدن التي لم يكن له فيها إلا واجب التنفيذ، حسب كثيرين، وآخرها ما سمي بتحرير الموصل. وهذه الحرب التي بدت هروبا من ملفات الفساد والفشل أو نتيجة لها حينما نتذكر عام 2015 عندما اقتحم المتظاهرون مكاتب الحكومة والبرلمان قبل أيام من إعلان الحرب على الإرهاب لحشد المؤيدين، من دون سؤال عن ملفات الماضي.

أحداث الجنوب والوسط اليوم تندلع من المدن والمحافظات التي استثمرتها حكومة بغداد بالأمس في حربها ضد ما وصفوه بالتمرد والارهاب في مناطق شمال وشمال شرق العراق وغربه، لذلك يتساءل الكثيرون عن إمكانية حكومة تصريف الأعمال اليوم في قيادة حرب ومواجهات أخرى قد تكون البصرة ومحافظات الجنوب مكانا لها.

الأحزاب الطائفية

كثير من المصطلحات الطائفية السابقة ربما لن تجد رواجا بسبب أن مواطن وبيئة الأحزاب الطائفية هي نفسها تقود الانتفاضة على خلفية وقوع الأزمة بين الأحزاب الطائفية نفسها، والتي عجزت عن تجاوز فكرة بنائها الأيديولوجي القائم على التطرف والغلو على حساب الانتماء للوطن. وهذا هو المتغير الأبرز في ردة الفعل الشعبي الذي أدرك القائمون عليه أن الحالة العراقية غير متقبلة للاستمرار أكثر في الحروب المستندة إلى الوهم والتضليل.

ومن المرجح أن حكومة بغداد ستحاول على نهج أخواتها أن تسلك ذات الطريق المتاح لها باستخدام الكيس الأسود لتغطي به رؤوس خصومها تجهيزا لإعدامهم مرة أخرى بسيف الإرهاب الجاهز. والاختبار هنا يمكن تصوره من خلال تساؤل يمكن طرحه! يتمثل في قدرة الحكومة العراقية المنتهية ولايتها على إقناع المجتمع الدولي بأن الاحتجاجات هذه المرة أيضا تمثل شكلا من أشكال الإرهاب واجب سحقه وهدم المدن التي ينطلق منها.

إشكالية تحديد مسار ووصف الحدث:

فيما يصفها البعض اليوم بأنها ثورة، تبدو أحداث العراق قابلة للتأويل أكثر من أي فترة مضت. ففي العام 2003 اختلف العراقيون بين وصف التحرير والاحتلال، الأمر الذي استثمرته الولايات المتحدة الأمريكية بشق الصف المقاوم وتسويق المقاومة على أنها إرهاب، ما حرم العراقيين من حق مواجهة الاحتلال بموجب القوانين الدولية التي تعطي الحق في ذلك. لتنقلب الحالة من حرب تحرير العراق إلى حرب مضادة تقودها أمريكا تحت مسمى الحرب على الإرهاب وقد كان العراقيون حطبها بين مؤيد وداعم لهذه الحرب وبين رافض لها.

يتنازع الحالة العراقية الكثير من المخاوف في تحديد مواقف الدعم والتأييد للحراك على خلفية الانقلابات والتقلبات في المواقف الشعبية ووصفها، فالماضي ليس ببعيد عندما خرجت التظاهرات السلمية في ساحات الاعتصام 2012 – 2013 في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وكركوك للمطالبة بتحسين الخدمات وإيقاف الاعتقالات التعسفية والاضطهاد الطائفي الذي مارسته حكومة المالكي في حينه بإسناد المليشيات الطائفية، للتحول هذه الساحات السلمية إلى مجازر دموية ارتكبتها الحكومة والمليشيات وأعقبها تسليم المحافظات المحتجة إلى العصابات الإرهابية لخلق الحجة لتدميرها بالشكل الذي هي عليه اليوم.

تشويه الحراك

ليبقى التساؤل حول إمكانية حكومة بغداد والأحزاب الحاكمة في تشويه حراك اليوم ونقله من البيئة الشرعية إلى بيئة الإرهاب. والتساؤل الأكثر أهمية هو مدى الخشية من مرجعية هذا الحراك ضمن جو التنافس غير النظيف بين الأحزاب التي أنتجتها بيئة العراق السياسية المشبوهة حسب رأي الكثيرين.

في المقابل مازال أصحاب الحراك الثوري السلمي عام 2012- 2013 ينتظرون الاعتراف بحجم الظلم الذي ألحق بهم وبمدنهم بعد أن استأجرت حكومة بغداد كل عصابات الداخل والخارج لقتل وتشريد الملايين منهم لوأد أي حراك شعبي سلمي مستقبلا.

نعتقد أن أية ثورة وانتفاضة لا تعترف بحق المقاومة ودماء أهلها منذ بداية الاحتلال الأمريكي والتي مهدت للآخرين فهم معالم الطريق، لا تعدو أكثر من مطالب لتحسين شروط الاضطهاد، وفي أحسن أحوالها خلافات على الغنائم والمكاسب السياسية خصوصا وأن أجواء العراق متعلق بها جملة صراعات اقليمية ودولية تزداد يوما بعد آخر وأن بوادر الحسم لا تبدو قريبة.

أيضا، فإنه عندما يتعذر على أبناء الوطن الواحد الاتفاق على وصف ومعرفة العدو يكون العراق أمام أخطر منعطفات تاريخه الحديث إذ المواجهة هذه المرة ستكون بين المرء وظله وهي مرحلة الشعور بأن كل شيء عدوك.

العراق أمام الحاجة الأكثر أولوية وهي البحث في الشرعية الجامعة، الشرعية التي لا يحق لأحد الوقوف ضدها، وهي إعلان المشروع الوطني الذي يعترف للجميع بحق التمثيل والمواطنة المبني على أسس العدالة ونبذ الطائفية بدستور جديد يحمي الجميع من دون تمييز. عندها يتوضح معنى او مفهوم الدفاع الشرعي والمواجهة الصحيحة على قاعدة ((لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي، ولا مقاومة ضد فعل مباح)).  والدفاع الشرعي والمقاومة والتظاهر حق للعراقيين بمواجهة مخلفات حالة الاحتلال وأشكاله وسياساته التي أودعها في الكثير من الأحزاب والمليشيات التي قامت مقام الاحتلال. وما يحدث في البصرة والجنوب هو ما حدث قبلها في الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وهو ((حركة تحرر)) من الاحتلال والاتفاقيات المذلة التي ربطت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بها. ولا يجوز الخلط بين حركات التحرر الوطني والاحتجاجات والمطالبات السلمية، وبين الحركات الإرهابية مهما أطلقت الدول والحكومات على حركات التحرر الوطني مصطلح الإرهاب. لأن المادة الثالثة من مدونة المسؤولية الدولية الصادرة عن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة أفادت بأن القانون الدولي هو الوحيد المختص بإطلاق المصطلحات التي تتفق مع قواعده وأحكامه.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه