العبيد

يقول سيد قطب “العبيد هم الذين يهربون من الحرية فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد اَخر”.

 

والعبودية يا سادة قديمة قدم المجتمعات، وفى تعريفها الأول هي “الإنسان المملوك لإنسان آخر، يستخدمه كأداة كما يشاء”.

سلوك العبيد

مع الزمن الطويل تحولت العبودية إلى طباع وسلوك ومنهج، وأصبح العبد ليس الإنسان المملوك لآخر، وليس هو الشخص الذى فرضت عليه الأقدار، السخرة والعبودية بقدر ما يُعرف بسلوكه، وانتشرت سلوكيات العبيد بين البشر على كل المستويات، وتداخلت مع تفاصيل المجتمع بشكل معقد حتى ضربت جذور المنطق البسيط، لدرجة أن أصبح هناك الحاكم العبد الذى يحكم الأسياد.

وسلوكيات العبد هى سلوكيات الشخص الضعيف المقهور الذى لا يعرف  إلا الحيل والمؤامرات لكى يعيش، والجبروت والانتقام عند التملك، والانحناء من أجل الصعود، وتركيز مهاراته فى كل ما يتعلق بتمكينه حتى لو تسبب فى تدمير كل ما هو حوله وكل من هم حوله.

والفرق بين العبد والسيد، تعرفه بوضوح من خلال السلوكيات والمعتقدات والمواقف والمبادئ، وهو الفرق فى العصور الإسلامية الأولى بين عبد استسلم لقدره تحت هيمنة السيد، فرضى بالجوع والمرض والمعاناة، وبين سيد فقير اسمه أبو ذر الغفارى قال “عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرًا سيفه”.. كان أبو ذر سيدًا في زمن كان فيه العبيد، ولم يمتلك أبو ذر عبداً.

استقدام المماليك

فى عام 1250 م تسبب الحكم الأيوبي فى قدوم أكبر هجمة من العبيد على مصر والبلدان العربية من خلال استقدامهم المماليك كعبيد وجنود لهم، وتزوج الملك الصالح أيوب من الجارية شجرة الدر ورفعها على العرش، وأصبحت سلطانة البلاد بعد موته، ولكنها ظلت تحمل نفسية الجارية، ولم تتخل عن سلوك العبيد، فتآمرت وتحايلت بهدف واحد هو التمكين غير مبالية بخطر الغزو الأوربي الذى يحيط بالبلاد (والذى عُرف فيما بعد بالحملات الصليبية)، ولم تلتفت شجرة الدر إلى السادة والعلماء والأحرار من أهل البلاد، ولم تستعن بهم، فقد تحول السادة والأحرار إلى مهمشين، وأصبح المماليك حكامًا، ماتت شجرة الدر مقتولة بفعل دائرة المؤمرات التي كانت عضوا أصيلا فيها، وظل العبيد في دائرة الحكم والأحرار مهمشين فى دائرة النسيان.

والعبد لا تظهر له ملامح جبروت وقوة إلا وهو متمكن فى ظل ضعف المحيطين به، فإذا درات عليه الدوائر أصبح من أصحاب الدموع المتدفقة والسلوكيات الخاضعة المستكينة حتى يتمكن، والثابت عنده أنه طوال الوقت لا يحمل تكوينًا مستقلًا، بل يظل عبدًا لأفراد أو جماعات أو مجتمعات أخرى داخلية أو خارجية تحمى مصالحه مثلما يرى العبيد من أهمية وجود سيد يحميهم، وهو ما يفسر انحياز كثير من الحكام العبيد لدول كبرى خارجية، وتمكينهم من شعوبهم لضمان حمايتهم واستمرارهم في الحكم، ولهذا صدقت مقولة سيد قطب فى أنهم يهربون من الحرية لأن الحرية تعني الحياة بلا سيد، وهذا مخالف لطبيعتهم كعبيد، هم أعداء للحرية، ولا يتعايشون معها ويكرهون الأحرار.

والعبيد غير مأموني الجانب، وسرعان ما ينقلبون على سيدهم لو شعروا منه ضعفاً أو تمكنوا، فبعد انتصار السلطان سليم الأول على المماليك وإخضاعهم، وبدء مرحلة الحكم العثماني، رأى السلطان أن يحتفظ بهم ويستخدمهم فى قمع الشعب، وبقى المماليك، وساعدوا السلطان العثماني، وقمعوا الشعب، ثم طلبوا الثمن، فنهبوا البلاد وسرقوها، وازدادت قوتهم فوق قوة السلطان، وانقلبوا عليه، وفكروا فى الانفصال عنه، فكانت حركة على بك الكبير التى لم تفشل إلا بالخيانة.

محمد علي والعبيد

وحتى محمد علي لم يتطهر بالمساندة الشعبية من سلوك العبيد والمماليك، فما إن تمكن من البلاد حتى تخلص من السادة والأشراف الذين يمثلون القيادة الشعبية ورفعوه للحكم.

والسيد الحر إذا ما حُكّم على أتباع أو ولى عليهم يحافظ عليهم، ويرعاهم حتى يضمن ولاءهم، وهناك عبيد يخضعون لولاية أسيادهم حبًا واقتناعًا، ويضحون بحياتهم من أجلهم.

 فى تحقيق أجرته جريدة الوطن عن عبيد معاصرين يخضعون لعائلة صعيدية فى سوهاج جاء فيه “ويفضل «سعد»، الذى ينتمى لأصول حبشية، أن يموت ولا يُمس سيده سوء؛ فهو يرى أن من الشرف الموت من أجل الدفاع عن السادة وصد العدوان عليهم”، وتقول واحدة من جماعة العبيد فى نفس التحقيق الصحفي: “اتعودنا إننا نخدم أسيادنا، لأنهم أصحاب فضل علينا فى تربيتنا وجوازنا ومصاريفنا، وواجبنا نحميهم”، مشيرة إلى أن معاملة العبد الآن تختلف عن الماضى؛ فالعمل بالسخرة والجلد عند الخطأ إلى غير ذلك لم يعد موجوداً، بحسب قولها. وأضافت: “سيدى (….) تكفل بزواج ابنتى، وكان وكيلها فى عقد الزواج، واتجوزت حرا”.
هل تصدقون أن هذا واقع نعيشه فى مصر الآن.. والأبشع منه الحاكم العبد الذى لا يستطيع أن يرتقى إلى مصاف الأسياد الأحرار، بعد أن أصبح حاكما، فيجّوع شعبه وينكل به ويشرده ويقسو عليه.. وهذا حال كل العبيد الذين يتحكمون فى أمر جماعة، والحل فى يد الشعب الذى يجب أن يتحكم فى اختيار أوليائه وممثليه، ولا يخضع للمفروض عليه، فالحر هو الذى يبحث عن الحرية والعبد كما قال سيد قطب هو من يهرب من الحرية.

أيها المصري، اختياراتك وانحيازتك تحدد من أنت، إن انحزت لعبد واخترت للتعبير عنك عبدًا أصبحت عبدًا، وإن انحزت لحر واخترت للتعبير عنك حراً فأنت حر.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه