الضربة الأمريكية البلاستيكية

نحو مئة صاروخ استخدمت في الهجوم الأميركي البريطاني الفرنسي على النظام السوري

المضحك في الأمر التسمية التي أطلقت على الهجوم الأمريكي من قبل المؤيدين والعرب فقد شبهوا الضربة بالعدوان الثلاثي على مصر.. وأحد هؤلاء عبد الحكيم نجل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

اختلفت ردات الفعل العالمية حول الضربة الأمريكية لسوريا، لكنّ الجميع أخذها على محمل الجد فقد أفرغت روسيا وفي زمن قياسي ميناء طرطوس وسحبت بارجاتها منه حتى قبل أن تنتهي مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية من مهرجان القبل المتبادلة مع مندوب روسيا عقب انتهاء جلسة مجلس الأمن الساخنة.

العدوان الثلاثي

المضحك في الأمر التسمية التي أطلقت على الهجوم الأمريكي من قبل المؤيدين والعرب فقد شبهوا الضربة بالعدوان الثلاثي على مصر.. وأحد هؤلاء عبد الحكيم نجل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وقد أرسل رسالة لبشار الأسد قال فيها: “كما كان قدر مصر في صدّ العدوان الثلاثي الغاشم في معركة السويس عام 1956 حين أعلنت سوريا الشقيقة (هنا القاهرة) من دمشق وكانت معركة السويس مقبرة الحقبة الاستعمارية بوجهها القبيح القديم، فإنّ قدر سوريا (قلب العروبة النابض) – كما أطلق عليها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر- أن تكون مقبرة الاستعمار بوجهه الجديد الذي تصوّر أنّه عن طريق أعوانه من الخونة أن يفرض إرادته علينا، ولكن هيهات، والآن نعلنها من مصر جمال عبد الناصر (هنا دمشق من القاهرة).

اللافت في رسالة عبد الحكيم للأسد أنّ عبد الحكيم ما زال يعيش أحلام مراهقته بأنّ مصر (مصر عبد الناصر) كما هي سوريا (سوريا الأسد) وأنّه يفكّر بالطريقة نفسها التي يفكّر بها بشّار الأسد الذي اعتبر سوريا إرثه الشرعي الذي تركه له حافظ الأسد ليفعل به ما يشاء. وأنّ عبد الحكيم لم يرَ كل الدمار والوحشية التي مورست ضد الشعب السوري من مختلف الدول المحتلة حتّى الهجمات الإسرائيلية، لكن الضربة الأمريكية تعدت على السيادة الوطنية بشكل سافر!

ربّما كان من أحد حسنات عبد الناصر أنّه لم يُعدّ أحد أبنائه ليخلفه في الحكم وإلا لابتليت مصر كما ابتليت سوريا بحكّام أغبياء لا يحسنون القيادة ولا يفهمون في السياسة، ومع هذا يريدون أن يثبتوا أنّهم أصحاب رأي.

لكن هل يرى السيسي وهو الحاكم الفعلي أنّ مصر هي مصر “عبد الناصر”؟ وهل يعطي أهمية لأشخاص مثل عبد الحكيم وإن كان نجل الزعيم الراحل؟

ردّة الفعل العربية كانت على مستويين: شعبي ورسمي، المستوى الرسمي عبّر عنه الحكّام في اجتماع القمة العربية! ذكرونا أنّ هناك قمة، أي نعم، هكذا فجأة اجتمعوا وعبروا عن رأيهم واستنكارهم وشجبهم لعدد من القضايا ومنها الهجوم الحوثي على السعودية، وقد مر السيسي مرور الكرام على ما يجري في سوريا وأطلق عليها “الحرب الأهلية”! لكن الطريف في خطاب السيسي في القمة العربية تأكيده على أنّ مصر لن تقبل قيام عناصر يمنية بقصف الأراضي السعودية بالصواريخ البالستيكية، والتي حوّر المغردون وكاتبو المنشورات على الفيس بوك اللفظ إلى بلاستيكية.. وأطلقوه على صواريخ ترمب هديته إلى بشّار الأسد!

على المستوى الفردي عبّر بعض المثقفين العرب عن استنكارهم للضربة ووجد بعض الكارهين الفرصة للإطناب في تفصيل مساوئ الهجوم وقذارته غاضين الطرف عن الاحتلالات الأخرى التي قسّمت سوريا ونهبت أشلاءها.

ردة الفعل المحلية

انقسمت ردّة فعل السوريين تجاه الضربة الأمريكية كالعادة بين مؤيد ومعارض؛ لكنها عند المعارضة أخذت وجهاً متشدداً ولا مباليا عند البعض، ورافضاً من مبدأ أنّ ذلك ضد مصلحة الوطن. وفات هؤلاء أنّه لم يعد هناك وطن يخافون عليه وترتجف قلوبهم لانهياره؛ فالوطن أصبح مجرد ركام بفعل براميل قائدهم.

البعض كان ضدّ الضربة من أجل المدنيين كالمعتاد.. لكنّ الصواريخ الأمريكية لم تضرب الأبنة السكنية ولم تقتل الأطفال والنساء والشيوخ كما اعتاد الأسد وروسيا وكل من والاه في سوريا بل ضربت مواقع عسكرية يعتقد أنّها تحوي أسلحة كيماوية!

السؤال المهم في هذه الحالة “لماذا أعلنت أمريكا أنّها ستضرب، ولماذا حددت ساعة الصفر؟ الإنسان العادي البسيط في سوريا يعرف أن تلك المهلة المحددة كافية لتسحب روسيا والأسد كل ضباطها وأسلحتها من المواقع التي ستستهدفها الصواريخ الذكية الأمريكية.. والجميع يعرف أن مركز البحوث “أحد المواقع التي استهدفتها أمريكا يحوي معتقلين في أقبيته تحت الأرض” وليس مركز البحوث وحده بل في كل مكان استهدفته أمريكا وقام الأسد بإفراغه هناك معتقلون من المرجح أنّهم قضوا بالقصف الأمريكي.. هؤلاء تخلّص منهم الأسد على يد أمريكا.. وسيبقون في المستقبل ورقة إدانة لها!

أمّا المؤيدون فقد نزلوا إلى الساحات ليرقصوا ويغنوا زاعمين أنّهم انتصروا على العدوان وأسقطوا معظم الصواريخ التي ضربتها أمريكا على سوريا.

لكن أحداً منهم لم يتساءل عن الصواريخ التي تضربها إسرائيل منذ بداية الثورة إلى الآن فإسرائيل ابنة العم المدللة التي لا تحتاج إذناً لتضرب أي موقع سوري أو تأخذ أي قطعة أرض تريدها لأنّها أخذت الضوء الأخضر من الأب منذ كان وزيراً للدفاع في حرب النكسة عام 1967.

معظم السوريين كتبوا على صفحاتهم هازئين من ترمب وضربته الرخوة التي لم توقظهم من النوم، وتداولوا طرفة عن أهالي حمص الذين نزلوا إلى الساحات مطالبين ترمب بإعادة الضربة لأنهم كانوا نائمين ولم يسمعوا شيئاً!

ليس الحماصنة فقط من استهزأ بترمب وضربته.. فالضربة كلّها لا تعدو مسرحية فاشلة لا معنى لها، الضربة التي لا تسقط رئيساً تقويه، وهذا هو الهدف من الضربة الأمريكية البلاستيكية!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه