الصليبيون الجدد

غورو وزيدان ركلا صلاح الدين، لكنّ غورو ركل حجارة القبر وأقام الدنيا عليه، وزيدان ركل الفكرة بقوله: “إنّ صلاح الدين من أحقر الشّخصيات التّاريخية” وأقام الدنيا معه وعليه.

“لقد عدنا يا صلاح الدين”…

هذه العبارة التي قالها الجنرال غورو حين دخل دمشق، كانت خلاصة فكر صليبي امتدّ قروناً طويلة منذ حرّر صلاح الدين القدس وحتّى اللحظة التي عبر فيها غورو دمشق ليزور قبر صلاح الدين بعد انتصاره في معركة ميسلون. غني عن الذكر أنّ المعركة كانت غير متكافئة، فقد كان الجيش الفرنسي المؤلف من 9000 آلاف جندي مدعوماً بالطيران والدبابات ولم يكن مع يوسف العظمة سوى ثلاثة آلاف مقاتل بأسلحتهم البسيطة.

عاش صلاح الدين الأيوبي في فترة تاريخية لها ظروفها الخاصة وشروطها الموضوعية المختلفة كلياً – إلى حدٍّ ما- مع ظرفنا التّاريخي، له ما له وعليه ما عليه، ما بقي اليوم من صلاح الدين الأيوبي فكرة، هذه الفكرة هي الّتي جعلته رمزاً قومياً ودينياً عند شعوب المنطقة وهي فكرة تحرير بيت المقدس الّتي تعني ضمناً تحرير فلسطين، ومن يحارب صلاح الدين اليوم هم من يحاربون هذه الفكرة تحديداً وما تفتيت الشّعب السّوري من قِبل قوى المجتمع الدولي والقوى الإقليمية اليوم إلا امتداد لهذه الحرب وتأكيد صارخ على الوجود الأبدي لدولة إسرائيل الّتي ستبقى تعيش القلق من جيرانها إلى أن تتأكد من زوال هذه الفكرة من أذهان هذه الشّعوب المجاورة.

لذا؛ قام الصليبيون الجدد – وهم امتداد طبيعي وتاريخي لهؤلاء الذين حاربهم صلاح الدين-بالتأكيد على عنصريتهم ومساندتهم للمشروع الإسرائيلي بمحاولة تشويه صورة صلاح الدين الأيوبي الرمز في عقول من يتّبعهم من مثقفي “السلطة” الذين تدار رؤوسهم بالمال والذين فطروا على تقبيل الأيدي والجزم.. هؤلاء من يقومون بتدجين العامة وبث السموم في الأفكار التي يطرحونها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل.

الظاهرة المثيرة للاستغراب هي الانقياد العجيب لشرائح كبيرة من المجتمع وراء تلك “الظواهر” الكونية الفاشلة التي تروّج لمشروع هدم القيم والأفكار والأخلاق وتحطيم الرموز، مُساعِدَةً الأنظمة الديكتاتورية في مهمتها الأساسية، وهي إزالة المعالم الحضارية لشعوب المنطقة المتمثلة في الناحية العمرانية “عن طريق تهديمها وقصفها كما يفعل بشار الأسد” وفي الناحية الأخلاقية والفكرية كما يفعل أتباع السيسي، أكثر هؤلاء خطراً من امتهن الكتابة، وأؤكد هنا على كلمة “امتهن” بمعناها اللغوي الدقيق أيّ “اتّخذها خادمة له واستخدمها لخدمة أغراضه” وبمعناها اللغوي الذي يجنح لابتذال الشّيء واحتقاره. وعلى رأس هؤلاء يوسف زيدان.

عودة عزازيل:

لم تكن الضجة التي أثيرت مؤخراً حول موقف يوسف زيدان الأخير من صلاح الدين الأيوبي وليدة اللحظة التاريخية ولا تعبّر عن انقلاب الرجل وتحوله لسبب ما، فالقارئ الجيد لشخصية زيدان منذ شهرته التي لمعت فجأة بسبب نيله البوكر عن رواية عزازيل وما أثير حولها يدرك أنّ الرجل مدجن ومسلّح بالأخلاق المطلوبة من رجال السّلطة، فهو يتقن المداهنة والمراوغة وفنون النصب والكلام.. وبشهادة كثيرين وإشاعات لم يَنْفِها زيدان ولم يؤكدها تقول إنّه كان يستخدم طلابه للبحث ويأخذ نتيجة تلك الأبحاث وينشرها باسمه، وأنّ رواية عزازيل كتبت بتلك الطريقة القائمة على اللصوصية فمن يقارنها مع رواية (هيباتيا) للكاتب الإنجليزي (تشارلز كينجزلي) والتي كتبها سنة 1853 سيجد أن الفكرة والأسلوب واحد وسيجد أنّ بعض الصفحات نسخت ولصقت.

وأنا لست بصدد تأكيد أو نفي الأمر ولا دراسة العمل الروائي الذي قرأته في حينه ولاحظت خللا في بنائه يدل في مواضع بسيطة على وجود يد خبيرة قامت بإلغاء المسافة ما بين الوثائقي والروائي رجّحتُ حينها أنّها يد يوسف زيدان الروائي.. لكن ما أثاره هو حول نفسه فيما بعد، وطروحاته الفكرية المتناقضة ثمّ طروحاته الداعمة لسلطة السيسي وأخيراً قرار اعتزاله الكتابة! كلّ ذلك يدعم الشّائعات التي أثيرت حول رواية “عزازيل” مع أنّي لست من الذين يربطون بين شخصية الكاتب وعمله الروائي، لكنّ الموقف الأخلاقي للكاتب يهمني بالدرجة الأولى وعليه أبني رأيي في تصنيف إبداعه.

لقد سقط يوسف زيدان سقوطاً مدوياً تماماً كما ظهر حين فاز “عزازيل” وليس زيدان بالبوكر.. نعم.. الشيطان هو الذي فاز حين لبس الكاتب ثوبه وحمل فأسه وقرّر أن يدعم العدو الإسرائيلي والتأكيد على أحقيته بدولة فلسطين عن طريق هدم أهم رموز العودة والتّحرير “صلاح الدين الأيوبي”.

السّؤال الذي يطرح نفسه: “إلامَ يطمح يوسف زيدان من وراء ما قام به؟”.

هل سيكون رئيس أبناء الآلهة؟ إن كان السيسي إلهاً فيوسف زيدان سيصبح رئيساً لأبناء الإله..

فقد أكّد زيدان في رواية عزازيل أنّ الإنسان هو الذي خلق الله، ولم يخلق الله الإنسان، فالله في فكر زيدان مثله مثل الشيطان “عزازيل” مجرد وهم في خيال وفكر الإنسان. وقد أوجده الإنسان ليحارب به فكرة الشّر الكامنة داخله والتي يمثلها الشيطان. يقول في الرواية على لسان عزازيل الذي يتحدث إلى الراهب هيبا: “هل خلق الله الإنسان أم العكس؟… يا هيبا، الإنسان في كلّ عصر يخلق إلهاً على هواه، فإلهه دوماً على هواه… إنّ الله محتجب في ذواتنا والإنسان عاجز عن الغوص لإدراكه! ولما ظنّ البعض في الزمن القديم أنّهم رسموا صورة للإله الكامل، ثمّ أدركوا أنّ الشرّ أصيل في العالم وموجود دوماً؛ أوجدوني لتبريره”. وفي حوار بين عزازيل وهيبا يؤكد زيدان على فكره هو وليس على فكر الشّخصية التي اختارها:

“لكنّك يا عزازيل سبب الشّر في العالم”..

“يا هيبا كن عاقلاً، أنا مبرر الشّرور، هي التي تسببّني”

“ألم تزرع الفرقة بين الأساقفة؟ اعترف!”

“أنا أقترف ولا أعترف، هذا ما يريدونه مني”.

“وأنت ألا تريد شيئاً؟”.

“أنا يا هيبا أنت، وأنا هم.. تراني حاضراً حيثما أردت، أو أرادوا، فأنا حاضر دوماً لرفع الوزر، ودفع الأثر، وتبرئة كلّ مدان. أنا الإرادةُ والمريدُ والمرادُ، وأنا خادم العباد ومثير العباد إلى مطاردة خيوط أوهامهم”.

عزازيل كان حاضراً في الحوار التلفزيوني مع عمرو أديب ليطارد خيوط أوهام خالقه يوسف زيدان..

غورو وزيدان ركلا صلاح الدين، لكنّ غورو ركل حجارة القبر وأقام الدنيا عليه، وزيدان ركل الفكرة بقوله: “إنّ صلاح الدين من أحقر الشّخصيات التّاريخية” وأقام الدنيا معه وعليه!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه