الصحفيون.. من حراس للكلمة إلى ضحايا لها

في عام 2013 وبمناسبة انتخابات مجلس نقابة الصحفيين كتبت هذه الكلمات :

“المنطق يا زملاء يقول إن المكون الأساسي فى نقابة الرأي هو «الاختلاف».. والمنطق يازملاء يقول أيضاَ إن الاختلاف له أدواته التي تتعلق باحترام قواعد الحوار، واحترام الرأي الآخر مهما كانت دوافعه، ومهما كانت نتائجه، وأن هذه الأدوات لو انحرفت تجاه العنف والتجاوز لتحولت بالاختلاف إلى العداء.. والعداء يازملاء ليس أحد مكونات نقابة الرأي، وليس أحد مكونات المهنة التي تعرف بـ«ضمير الأمة»..

وضمير الأمة يا زملاء، إن لم يكن ضميراً مستقراً محترماً.. انهارت الأمة وضاعت.

وفى عام 2017 ولنفس المناسبة تأكدت كلماتي التحذيرية، فمع ملامح انهيار الأمة وضياعها يظهر بوضوح عدم استقرار مهنة الصحافة التى تمثل ضمير الأمة، فانحرفت أدوات الحوار داخل نقابة الرأي إلى العنف، واختفت ثقافة الاختلاف أمام ثقافة العداء والاضطهاد بسبب الاعتقاد والعقيدة والرأي، وتحول الصحفيون من حراس للكلمة إلى ضحايا لها ..

فى كواليس انتخابات نقابة الصحفيين هذه الأيام، يظهر السيناريو واضح المعالم، رجال النظام يمارسون التضليل بدعوى كاذبة، وهى فصل النقابة عن السياسة، بينما يفرضون ممثليهم على مقاعد مجلس النقابة لتأديب أى صاحب رأي مخالف لجماعة الرئاسة والنظام، أما الواقع أو الهدف الحقيقي، فالمقصود به ليس فقط استبعاد من يحمل آراءً سياسية مختلفة مع النظام، وإنما استبعاد كل من هو خارج دائرة العلاقات السلطوية والترويج للنظام، إذا المقصود تحويل النقابة إلى مكتب إداري للنظام والرئاسة، ولهذا أصبح من المنطقي أن يضيق النظام العسكري الديكتاتوري بمظلة الحماية النقابية التي تمتد لتشمل كل الصحفيين بمختلف اتجاهاتهم، فالمستهدف هو وضع النقابة تحت سيطرة اتجاه واحد وجماعة واحدة، وهم الموالون للدولة، وبالتالي تصبح بقية الجماعة الصحفية خارج مظلة الحماية النقابية، وفريسة سهلة للنظام الفاشي ويصبح الإعلام كله بوقًا واحدًا للدعاية للنظام.

 

فصل نقابة الصحفيين عن السياسة مطلب دعائي مغرض موجه لمعارضي النظام، فطبيعة النقابة وطبيعة المهنة منذ نشأتها مرتبطة بالسياسة.

 

 فعندما صدر القانون رقم  10 فى 31 مارس/آذار سنة 1941 بإنشاء نقابة الصحفيين، كانت القوانين آنذاك تمنع النقابات من العمل بالسياسة، وأراد مجلس النواب تطبيق هذه المادة على الصحفيين، وهنا اعترض النائب يوسف أحمد الجندي قائلا: “كيف يحظر على نقابة الصحفيين الاشتغال بالسياسة؟ وتنظيم مهنة الصحافة وتكوين نقابة يستلزم الاشتغال بالسياسة، فإذا سنت الحكومة قانونا من شأنه الحد من حرية الصحف مما يستدعي أن تناقشه هيئة النقابة تم منعها بحجة اشتغالها بالأعمال السياسية، مع أن طبيعة تنظيم المهنة تقتضي من النقابة الكلام في السياسة، كما أن العمل على رفع شأن الصحافة وإعلاء كلمتها يستدعي حتما تعرض النقابة للشؤون السياسية”، وانتهى الجدل والنقاش بصدور قانون إنشاء نقابة الصحفيين كأول نقابة لا يحظر فيها الاشتغال بالسياسة.

وظل الصراع بين الجماعة الصحفية والحكومات المتعاقبة على مصر مستمرًا، فقد كانت معظم الأنظمة، إما ضائقة من المظلة النقابية التي توفر الحماية لكل الصحفيين، وخاصة المختلفين مع النظام، أو راغبة في تحويل الجماعة الصحفية كلها إلى بوق دعاية لها، وهو ما يستلزم السيطرة على النقابة، وهدم مظلة الحماية الصحفية مثلما يحدث الآن.

وخلال عشرات السنوات الماضية، عرفت الجماعة الصحفية فرق صحافة السلطة وفرق صحافة المعارضة، وما بينهما من متشابهات، وكانت الدولة دائما تسعى لاستقطاب الصحفيين إلى معسكرها بذهب المعز أو بسيفه، فعرفت فترة حسنى مبارك الاستقطابات للصحفيين بالمغريات المختلفة والسجون لمن لم يستجبوا للمغريات، وأحيانًا محاولات للهيمنة على نقابة الصحفيين، وهي محاولات غالبا ما كانت تنتهي بالفشل والانهيار أمام صمود الجماعة الصحفية، ونجحت الدولة في هذه الفترة في استقطاب عدد من صحفيي المعارضة بمغريات المناصب والمغريات المالية، حتى أن واحدًا من أشهرهم كان يطوف على الفضائيات ليذكر محاسن الرئيس مبارك، ويعدد مزاياه، ويتغزل فى تواضعه وبساطته، وفى أحد اللقاءات مع المذيعة “منى الشاذلي”، وصف الصالون الذى تقابل فيه مع الرئيس بالبسيط قائلا “أمي في البلد عندها واحد أغلى منه”!!!.

ورغم كل هذا ظلت نقابة الصحفيين متوازنة صامدة، وظلت مظلة الحماية تشمل كل أبناء المهنة.

 

اختلف الأمر بعد مؤامرة 30 يونيه على الشعب المصري، وأصبح موقف الحكم العسكري الجديد من الجماعة الصحفية واضحًا

 

 فهو يريد الاستقطاب الكامل للإعلام، ولا يتحمل حالة التوازن في هذه الجماعة، ولا مظلة الحماية النقابية، وهو ما يفسر الهجوم الشرس على نقابة الصحفيين، والذي وصل إلى محاكمة نقيب الصحفيين، وعضوين من مجلس النقابة لمجرد أنهم قاموا بتفعيل مظلة الحماية النقابية على صحفيين معارضين للنظام، وتحولت نقابة الصحفيين من حارس على الكلمة، ومظلة حماية للصحفيين إلى ضحية لبطش الحكم العسكري  الذى لا يعترف إلا بموقف واحد “إما معي أو ضدي”.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه