الشمس وحل أزمة الطاقة في مصر

صلاح سليمان*

أصبح البحث عن إيجاد حلول عاجلة لأزمة الطاقة في مصر، أمر يستلزم من الحكومة المصرية ضرورة وضع إستراتيجية جديدة وعاجلة لحلول مستديمة آمنة وطويلة الأمد لا تعتمد علي المسكنات والوعود الزائفة وتلقي المعونات والهبات، بل تبحث عن مصادر متاحة في مصر مثل الطاقة الشمسية، خاصة وأن إنتاج الطاقة في مصر أصبح أمرا ضروريا وحيويا لآنه يأتي في المرحلة التالية من الضروريات بعد توفير الماء والغذاء، فبدونه لا يمكن للمجتمع أن يتحرك نحو التنمية أو التطوير.

في أوروبا يتجهون الآن إلى الاعتماد علي مصادر الطاقة البديلة من الشمس والماء والرياح، ولم تعد الأولوية لإنتاج الطاقة من المفاعلات النووية والفحم، وفي ألمانيا والنمسا اتخذوا قرارات حاسمة بشأن إغلاق المفاعلات النووية في غضون 20 عاماً، بسبب الأضرار الناجمة عنها. فالأوروبيون ينظرون إلى الطاقة المتجددة علي أنها طاقة المستقبل خاصة عندما تتوافر مصادرها.

 لكن المدهش في الأمر أن مصر التي بها أحد أهم مصادر الطاقة البديلة وهو الشمس تسير حكومتها عكس المستقبل، ولا تسعى ولا تفكر في حل المشكلة بما أعطاها الله من مصدر يحسدها عليه الأوربيون وبدل من ذلك تريد العودة لاستخدام الفحم وإنشاء مفاعلات نووية .

في ألمانيا يعيش خبير الطاقة العالمي مصري الأصل الدكتور هاني النقراشي وفي حوار لي معه حول أهمية الطاقة الشمسية لمصر قال: إن الاعتماد علي الطاقة النووية والفحم في توليد الكهرباء أصبح لا فائدة منه في الوقت الحالي في حل مشاكل الطاقة في هذا البلد، فإذا كانت سياسة الحكومة المصرية تتجه الآن إلى الاعتماد في جزء كبير منها على إنتاج الكهرباء بالطرق القديمة مثل حرق الوقود الأحفوري والفحم وشـطر اليورانيوم، فإن ذلك لن يحل المشكلة على المدى البعيد بل سيفاقم المشاكل، فمثلا في حالة بناء المحطات النووية التي يتحدثون عنها الآن فهذا يعني أننا سنواجه مشكلة كبيرة في المستقبل عند انتهاء عمرها الافتراضي المقدر بـ40  سنة، فعملية التفكيك ستتكلف 6 أضعاف تكلفة الإنشاء.

فإذا حسبنا عندئذ نسبة التضخم خلال هذه الفترة سنجد أننا أمام تكاليف باهظة للغاية لتفكيك تلك المحطات، وسنجد أنفسنا مرة ثانية بعد هذه الفترة والتكلفة العالية نبحث من جديد عن حلول أخرى للطاقة، كذلك فإن الاعتماد علي الوقود الأحفوري الذي تخطط أيضا له الحكومة سيكون لوقت قصي، وعند قرب نفاذه سيتسبب التزاحم علي شـراء ما تبقى منه علي رفع أسعاره بشكل مبالغ فيه ،وهو الأمر الذي سيقوض مقومات التنمية في المستقبل، لهذا يجب علي الدولة المصرية أن تبدأ فورا في التخطيط لما بعد عصر النفط والعصر النووي كما تفعل أوروبا، وتضع مخططات الاستدامة للاعتماد علي الطاقة المتجددة من الشمس والرياح .

دراسات علماء الطاقة تؤكد أن مستقبل الطاقة الشـمسـية في مصر يمكن أن يشكل في المستقبل أهم مصدر للطاقة المستخرجة في هذا البلد، خاصة في الصعيد، وستكون كافية لتلبية متطلبات المجتمع، ويمكن في مرحلة قادمة تصدير الفائض منها إلي أوروبا التي تحتاجها بشدة.

 كل الشواهد تؤكد تلك الحقيقة لآن الشمس كمصدر للطاقة موجودة في الأجواء المصرية بقوة علي مدار العام ، وهذا يعني من وجهة نظر العلماء أن الطاقة الشمسية الحرارية في مصر ستكون مضمونة المواعيد أي يمكن تخزينها نهاراً دون عوائق لتعمل ليلا.

تعتمد تقنية توليد الطاقة الشمسية علي طريقتين وكلاهما متوفر في مصر، الأولى: تعتمد علي الخلايا الشـمسـية التي تحول ضوء الشـمس إلى كهرباء مباشـرة،وهذه الطريقة لا تتيح تخزين الكهرباء المنتجة نهارا لاسـتخدامها ليلا،فلا كهرباء بعد غروب الشـمس.

أما التقنية الثانية وهي المناسبة جدا لمناخ مصر فهي تعتمد علي تركيز أشـعة الشـمس بالمرايا للحصول على درجة حرارة عالية تسـمح بإنتاج بخار الماء بحيث تلبي نفس الغرض الذي أنشـئت من أجله المراجل التي تعمل بالوقود الحفري في أغلب محطات الكهرباء في العالم. وهنا تظهر فائدة هذه التقنية، فبجانب أنها تحل محل الوقود الأحفوري فهي أيضا تفتح المجال للتخزين الحراري وهذا التخزين متاح بتكلفة أقل مئة مرة من تكلفة تخزين الكهرباء،وفي هذا الإطار يمكن الجزم بأن المحطات الشـمسـية الحرارية ذات التخزين الحراري سوف تغني مصرعن استيراد الوقود لإنتاج الكهرباء أو التفكير في إنشاء محطات نووية.

أكد لي الدكتور النقراشي أن مصر يمكنها أن تجني أرباحا خيالية من وراء تصدير الطاقة الشمسية، بل يمكنها أيضا أن تنتقل إلى مصاف الدول المصدرة للخبرة والمعدات الخاصة ببناء محطات الطاقة الشمسية حيث يتوافر لديها كل مقومات التنمية في هذا المجال إذا ما تمت  طبعا وفق الرؤى العلمية ، وهو يري أيضا أن الطاقة الشمسية طاقة نظيفة يسعى العالم كله إليها في الوقت الحالي، و ليس لها مخاطر تذكر،وأثارها البيئية ضئيلة ،وهي تتطلب استثمارا في المال العام لفترة محدودة جدا،كما أنها تمتاز بضعف احتمال وقوع كوارث،ولا ينتج عنها مخلفات، ويمكن إعادة استعمال مواد الإنشاء الداخلة في تركيبها أو تدويرها ،

الجزائر علي سبيل المثال أيقنت حاجة أوروبا لاستيراد الطاقة النظيفة من الخارج لذلك بدأت بالفعل تخطط لإنشاء محطات شمسية عملاقة في الصحراء الجزائرية، كما أن هناك مشروع لخط كبير للطاقة سيربط بين تونس وإيطاليا وألمانيا وسوف يتبعه توجه تونسي لإنشاء محطات للطاقة الشمسية أيضا.

في الوقت الذي أصبح فيه سد النهضة الأثيوبي يشكل خطراً حقيقياً علي حصة مصر من المياه، فإن التوسع في إنشاء محطات الطاقة الشمسية سيكون له فائدة كبيرة، حيث يمكن توفير طاقة كافية لاستخدامها في تحلية مياه البحرفي ظل وضع يحتم علي مصر الإهتمام بإيجاد بدائل من الآن  للمياه ومنها بالطبع تحلية مياه البحر

________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه