السيسي ومعارضوه.. المعادلة المقلوبة

أدرك السيسي ورجاله تبخر الظهير الشعبي، وأصبح النظام أمام معادلة صعبة فإما أن يجري انتخابات حرة فيفوز فيها أي كائن يترشح ضده، أو أنه يزور الانتخابات فيعمق الشروخ.

هي حقا معادلة مقلوبة للمشير عبد الفتاح السيسي الذي يفتقد إلى ظهير شعبي، ومع ذلك يسعى لصناعة صورة زائفة عن هذا الظهير، ومجموعات مناهضة ومعارضة تعبر عن غضب شعبي واسع ومع ذلك لا تستطيع قيادة الشعب للخلاص من الحاكم الغاصب، هذه ظاهرة ليست عصية على الفهم، ففي مصر بلد العجائب عليك ان تتوقع كل شيء.

السيسي المقدم على هزلية انتخابية جديدة في مايو/أيار  2018 يسعى لاستعادة صورة مرشح الضروررة مرة أخرى، بالطريقة ذاتها التي جربها في 2014، وانطلت على معسكر 30 يونيو في حينها، لكنها لم تعد تنطل على أحد اليوم بعد أن ذاق الشعب الويلات خلال 4 سنوات من حكم السيسي، ارتفاعا في الأسعار ونقصا للخدمات، وضياعا للهيبة والكرامة، وانتقاصا من أرض الوطن ومياهه وغازه، إلخ.

أدرك السيسي ورجاله تبخر الظهير الشعبي، وأصبح النظام أمام معادلة صعبة فإما أن يجري انتخابات حرة فيفوز فيها أي كائن يترشح ضده، أو أنه يزور الانتخابات فيعمق الشروخ، ويسرع بانهيار الدولة ذاتها، ولا تفيده النتيجة بشيء ، ولعلنا نتذكر حالة التزوير الواسعة التي أقدم عليها نظام مبارك لانتخابات مجلس الشعب في 2010 والتي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ومهدت لثورة يناير 2011، وإزاء هذه المعضلة تحركت أذرع النظام الأمنية والإعلامية سريعا لاستعادة صورة مرشح الضرورة مجددا عبر حملتها “عشان تبنيها” أي أن هذه الأذرع تحاول تسويق السيسي باعتباره مرشح ضرورة مجددا ليبني مصر ( التي هدمها هو ورجاله على مدى السنوات الخمس الماضية). وفي إطار هذه الدعاية الكاذبة تدعي تلك الأذرع أن المشروعات الكبرى ( عديمة الجدوى) التي بدأها السيسي تحتاج لاستمراره لإكمالها، رغم أن استمراره يعني المزيد من الديون التي تكبل أعناق الأجيال القادمة والتي لامست 80 مليار دولار ديونا خارجية وتجاوزت 3 تريليون جنيه ديونا داخلية.

رعاة الحملة

تدرك الجهات الراعية للحملة أنها تدافع عن نفسها قبل أن تدافع عن السيسي، فوجودها وبقاء امتيازاتها مرتبط باستمرار السيسي، وفي حال غيابه ولو عبر صندوق الانتخابات (وهو فرض نظري غير ممكن) فإن هذه المجموعات تدرك أن مكانها سيكون السجون والمنافي، إن لم يكن المقاصل، ولذلك فهي تتحرك بهمة عالية، وتفرض استمارات حملة “عشان تبنيها” على جميع المؤسسات الحكومية وحتى القطاع الخاص، ويا ويل من يرفض توقيعها، وسيحرج علينا منظمو الحملة بأرقام فلكية للتوقيعات بعشرات الملايين من المصرييين، وربما تطلب الاكتفاء بهذه التوقيعات لتزكية السيسي لفترة جديدة بدون انتخابات!!

يتحدث نظام السيسي كثيرا عن ضعف خصومه السياسيين، بل يتساءل بعض رجاله أين هي المعارضة؟ وأين رموزها؟ ولكنه في الحقيقة لا يحتمل ظهور أصغر معارض حتى لو “كومبارس”، وحتى لو كان واثقا أنه سيفعل معه كما فعل مع حمدين صباحي من قبل، فالانهيار الواسع لشعبية السيسي لم يعد يسمح بهذا الترف السياسي، ولذلك يتعقب النظام أي مرشح محتمل، ويدمره إعلاميا وسياسيا مبكرا في تطبيق صارم لسياسة”تجفيف المنابع الانتخابية” ، ولا يقتصر الأمر على المرشحين المحتملين بل يتجاوز ذلك لأي شخصيات سياسية يمكن أن تعلن رفضها لإعادة انتخاب السيسي، حتى لو كانت هذه الشخصيات ممن دعمت الانقلاب من قبل، ودعمت انتخاب السيسي أو كانت جزءا من حملته الانتخابية.

على الجانب الأخر يبدو موقف مناهضي ومعارضي السيسي مشتتا بين اتجاهات عدة، لكننا يمكن أن نتحدث عن اتجاهين رئيسيين قد ينبثق منها اتجاهات فرعية أخرى، فهناك قطاع رافض تماما للمشاركة في الانتخابات باعتبار ذلك “شرعنة” للانقلاب، أي إسباغ الشرعية على حكم السيسي المفتقد للشرعية منذ وصوله للسلطة عبر انقلاب عسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، وأن هذه “الشرعنة” ستتحقق بمجرد مشاركة أنصار هذا الفريق في الانتخابات التي ستصبح نتيجتها ملزمة لهم حتى لو تم تزويرها لاحقا، وهذا الفريق لا يزال يتمسك بضرورة استمرار مقاومة سلطة الانقلاب العسكري بكل وسائل المقاومة السلمية الممكنة عبر المسارات الميدانية والقانونية والحقوقية والإعلامية والسياسية إلخ. لكننا يمكن أن نميز داخل هذا القطاع بين اتجاهين أيضا أولهما يرى ضرورة مقاومة هذه الانتخابات، وعدم التسامح تجاه أي مشارك فيها بحسبانه جزء من النظام، واتجاه آخر يرى مقاطعة الانتخابات وتشويهها، دون الانجرار إلى معركة مع من يشاركون فيها، وقصر المعركة مع السييسي ونظامه فقط، ويراهن هذا الفريق الأخير على أن الذين سيخوضون الانتخابات سيخرجون منها مهزومين، مجروحين وهو ما يسهل توحيد قوى المعارضة ضد نظام السيسي حول رؤية واحدة للمقاومة السلمية الكاملة وليس مجرد المعارضة السياسية للنظام والاكتفاء ببعض التحسينات.

السبيل الممكن

أما الفريق الذي يرى الانتخابات هي السبيل الوحيد الممكن لمنازلة النظام، فهو ينقسم أيضا لاتجاهات فرعية؛ فالبعض يعتقد بإمكانية الخلاص من السيسي عبر دعم مرشح قويي يمكن أن يكون عسكريا ولا يمانع هذا البعض في دعم الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي السابق باعتباره الأوفر حظا في مواجهة السيسي، والبعض يرى أن المشاركة حتى وإن لم تحقق فوزا للمرشح المنافس إلا أنها توفر فرصة للحراك السياسي الذي اختفى بفعل القمع الأمني، وهذا سيضخ دماء جديدة لعروق المعارضة السياسية، وسيسمح بالمزيد من فضح وتعرية النظام، وإجباره على بعض الإصلاحات حتى لو كانت بسيطة.

الجدل حول جدوى المشاركة في هزلية الانتخابات المقبلة هو أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن فريقا ينسب نفسه للمعارضة، ويدعي أنه يريد الخلاص من السيسي عبر هذه الانتخابات، ويتحرك لتأسيس جبهات وكيانات، وطرح مرشح وفريق مساند ثم هو في الوقت نفسه لا يزال يرفض أي عمل مشترك مع قوى حقيقية قاومت ولا تزال تقاوم نظام السيسي وهي الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عموما، ولا يزال يردد كالببغاء أنه لا فرق بين العسكر والإخوان،  مساويا بين الضحية والجلاد، ومع ذلك يتوهم أن بمقدوره التخلص من حكم السيسي الذي لم يرع فيهم إلا ولا ذمة!!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه