السيسي تاجر أسمدة

في ديسمبر 2013، قرر الجيش المصري الاستثمار في سبوبة الأسمدة.

للمرة الثالثة منذ تولى الجنرال عبد الفتاح السيسي الحكم رسميًا في يونيو/حزيران 2014، قرر مجلس الوزراء المصري زيادة أسعار الأسمدة الزراعية من 2959 جنيها للطن إلى 3200 جنيه، في الأول من شهر أكتوبر الجاري بزيادة قدرها 241 جنيها.

ورغم مسؤولية وزارة الزراعة عن رعاية مصالح المزارعين، فقد تبرأت من القرار وقال المتحدث باسمها إنه خارج عن إرادتها، ونسبه إلى مجلس الوزراء، واعتبر نقيب الفلاحين قرار الزيادة “ضربة جديدة من ضربات متتالية يتعرض لها الفلاح المصري”.

الزيادة الثالثة

وبالرغم من استهتار المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة بالزيادة الأخيرة بقوله إن “المبلغ مش كبير قوي، ده 10 جنيه على الشيكارة”؛ لكن الواقع أن هذه الزيادة الصغيرة من وجهة نظره سوف تكلف المزارعين الفقراء أكثر من 2.4 مليار جنيه في السنة الواحدة.

هذه الزيادة ليست الأولى التي يصدرها مجلس الوزراء ولكنها الثانية هذا العام والثالثة منذ تولي الجنرال عبد الفتاح السيسي الحكم رسميًا، في يونيو من عام 2014. الزيادة الأولى في أسعار الأسمدة الزراعية كانت في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2014، وبعد أقل من خمسة شهور فقط من تولي السيسي الحكم، ورفعت الحكومة الأسعار من 1400 جنيه للطن قبل انقلاب الثالث من يوليو 2013، إلى 2000 جنيه، بنسبة تقارب 43%، دفعة واحدة.

وكانت المرة الأولى التي تزيد فيها أسعار الأسمدة الزراعية في مصر بهذه النسبة الفاحشة، ما كشف مبكرًا عن سياسة الجنرال السيسي في الجباية ورفع الدعم التي سينتهجها نظامه مستقبلًا والتي كشفها تسريب قناة الجزيرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.

الزيادة الثانية كانت في مطلع هذا العام، 2017، ورفع مجلس الوزراء أيضًا أسعار الأسمدة من 2000 جنيه إلى 3000 جنيه للطن، بنسبة 50% دفعة واحدة ويدفع المزارعون 10 مليارات جنيه إضافية. وبذلك يصل إجمالي الزيادات في الأسمدة الزراعية منذ أكتوبر 2014 إلى مبلغ 20 مليار جنيه، بزيادة قدرها 128% عما كانت عليه في السنة التي حكم فيها الرئيس محمد مرسي!

وأصدرت وزارة الزراعة بيانًا يخص تسعير الأسمدة الآزوتية على أساس تحديد المعادلة السمادية، وقالت في البيان إن كل طن من السماد الآزوتي يستهلك 28 مليون وحدة حرارية بريطانية مضروبة في 4.5 دولار، على أساس متوسط سعر صرف 16.3 جنيه، بالإضافة إلى 595 جنيها تكلفة أساسية، علاوة على 5% قيمة ضريبة مبيعات، بالإضافة إلى المصروفات التسويقية الخاصة بالتعتيق والتخزين والتسليم، وكذلك مصاريف النقل (الناولون والكارتة) ليصل سعر السماد إلى المزارع بإجمالي مبلغ 2959.6 جنيه للطن.

بيان الوزارة كشف عن أن الحكومة تفرض تكلفة أساسية مبالغ فيها وأسعار الغاز ضعف السعر العالمي، وكذلك ضريبة مبيعات لا تدفعها مصانع الجيش و”كارتة” مرور لصالح القوات المسلحة، وكل ذلك من جيوب الفلاحين الفقراء.

عسكرة الأسمدة

في ديسمبر 2013، قرر الجيش المصري الاستثمار في “سبوبة” الأسمدة، وبعد أقل من ستة أشهر من انقلاب يوليو كشف رئيس شركة النصر للأسمدة، إحدى شركات قطاع الأعمال العام، عن أن القوات المسلحة قررت الدخول في شراكة لإقامة مصنع جديد بطاقة 1200 طن أمونيا و1200 طن نترات وبتكلفة 600 مليون دولار.

وفي نوفمبر 2015، اجتمع الجنرال السيسي برؤساء هيئة الشئون المالية بالقوات المسلحة ومجلس إدارة شركة النصر للكيماويات الوسيطة، إحدى شركات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، التابع للقوات المسلحة، وممثلي الشركات الفائزة بمناقصة إنشاء أضخم مجمع للأسمدة الفوسفاتية يشمل 9 مصانع بطاقة إنتاجية تبلغ مليون طن سنوياً من الأسمدة الفوسفاتية بمنطقة العين السخنة.

وفي منتصف 2016، وبعد دخول الجيش قطاع إنتاج الأسمدة الفوسفاتية، تقدم المجلس التصديري للصناعات الكيماوية بطلب لصندوق تنمية الصادرات، التابع لوزارة التجارة والصناعة، للحصول على دعم بنسبة 5% مقابل صادرات الأسمدة الفوسفاتية التي تحتكرها مصانع القوات المسلحة.

أعلى من السعر العالمي

طوال عامي 2015 و2016 ظل السعر العالمي لأسمدة اليوريا يُراوح بين 190 دولار و200 دولار للطن بما يوازي 1700 جنيه مصري و1800 جنيه، حسب سعر الدولار في البنك المركزي الذي تراوح بين 7 و9 جنيهات، وبالرغم منذ لك كانت حكومة عبد الفتاح السيسي تبيع اليوريا للمزارعين بسعر 2000 جنيه للطن، خلال نفس المدة وبزيادة تراوحت بين 200 جنيه إلى 300 جنيه لكل طن، ولاذ النظام بالصمت مقابل الظلم الواقع على الفلاحين من منتجي الأسمدة.

على النقيض من ذلك وفي عهد الرئيس محمد مرسي، وبالرغم من ارتفاع السعر العالمي لليوريا إلى 400 دولار للطن مدفوعة بزيادة أسعار الغاز لأكثر من 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، لكن سعرها لم يزد في السنة التي حكم فيها عن 1400 جنيه للطن، 200 دولار!

نهب الفلاحين

دأبت الحكومات المتعاقبة منذ ثورة 1952 على بيع الفلاحين البسطاء الأسمدة بأسعار فاحشة ثم تدعي كذبًا أنها تدعم تلك الأسمدة. وفي ستينيات القرن الماضي كان عبد الناصر يبيع طن السماد للمزارعين بمبلغ 25 جنيه للطن، في الوقت الذي كان فيه السعر العالمي 15 جنيها للطن، بزيادة قدرها 66%، وهذا ما وثقه مركز الدراسات الاشتراكية في كتابه “تحولات الاقتصاد المصري”.

وفي بداية التسعينيات، اخترع مبارك ووزير زراعته يوسف والي برنامج “إصلاح السياسات الزراعية” وكان أحد أهدافه “تحرير مستلزمات الإنتاج”، وبسبب ﻗﺭﺍﺭﺍﺕ هذا “ﺍﻹصلاح” ولأول مرة يسمح للقطاع الخاص بحصة من تجارة الأسمدة على حساب بنك التنمية والجمعيات الزراعية وزادت ﺃسعار ﺍﻷﺴﻤﺩﺓ ﺍﻟﻜﻴﻤﺎﻭﻴﺔ بمختلف أنواعها وبنسب متفاوتة وكاﻥ ﺃﻗﻠﻬﺎ ﺍﻟﻴوريا بنسبة 64%، ﻭﺃﻋﻼﻫﺎ سلفات ﺍﻟﺒﻭﺘﺎﺴﻴﻭﻡ بنسبة 547%.

وفي عهد الدكتور محمد مرسي زادت حصة البنك والجمعيات الزراعية وتراجعت حصة القطاع الخاص وتصاعدت حدة الخلافات بين وزارة الزراعة وتجار وموزعي الاسمدة‏، حيث رفعت 385‏‏ شركة توزيع مذكرة عاجلة إلى رئيس الجمهورية‏ الدكتور محمد مرسي، تتهم فيها وزير الزراعة المهندس رضا إسماعيل بوقف نشاطها تماما وعن عمد وقصر توزيع الأسمدة على الجمعيات الزراعية والبنك الزراعي (الأهرام في 2 يوليو 2012).

وبعد انقلاب يوليو 2013، دأب نظام الجنرال السيسي على تخفيض نسبة الأسمدة الموزعة على المزارعين بالسعر الرسمي، من خلال بنك التنمية الزراعية إلى 25%، والنسبة الباقية يسلمها إلى تجار القطاع الخاص أو ما يعرف بالسوق السوداء والتي يشتري منها المزارع باقي الكمية بأسعار تصل إلى 5 آلاف جنيه!

تضليل المزارعين

قبل يوم واحد فقط من هذه الزيادة الأخيرة فجر رئيس مجلس إدارة احدى شركات الأسمدة المملوكة للدولة والتي بناها الرئيس السادات بأموال المزارعين من أرباح القطن المصري، وهو الكيميائي سعد أبو المعاطي رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب لشركة أبو قير للأسمدة فضيحة من العيار الثقيل عندما أعلن خلال الجمعية العمومية أن الشركة نجحت فى تحقيق أرباح قدرها 2830 مليون جنيه قبل الضرائب وبزيادة 141% عما هو مخطط، وبزيادة قدرها 128% عن العام السابق، ودفعت الشركة 601 مليون جنيه ضرائب، وارتفع سهم الشركة من 103 جنيه إلى 245 جنيه، وارتفعت القيمة السوقية للشركة بالبورصة من 8.5 مليار جنيه إلى 21 مليار جنيه، كل ذلك من جيوب المزارعين الفقراء!

وقال نقيب الفلاحين إن ارتفاع أسعار الأسمدة ليس في وقته، وإن الفلاحين هم من يحتاجون إلى الدعم، وإن المصانع تكسب 400%، وتصدر منتجاتها للخارج، وإنها ليست في حاجة لهذه الزيادة، بحسب ما نقلت عنه صحيفة الأهرام الحكومي.

وفي الوقت الذي ضاعف فيه السيسي أسعار الأسمدة إلى ضعف ما كانت عليه في عهد الدكتور مرسي، 128%، بخس محاصيل المزارعين ولم تزد أسعارها بنفس المعدل، واكتفى برفع أسعار القمح بنسبة 41%، والأرز بنسبة 68%، والقطن بنسبة 28% ولسان حاله يقول “هتاكلوا مصر يعني!”

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه