السيسي بقلم ماركيز

 

(خريف الديكتاتور)

واقعية ماركيز السحرية ليست خرافة، بدليل أن الأديب الكولومبي صاحب نوبل كتب الكثير في وصف سياسة ونفسية وتصريحات وشخصية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وحتى لا نترك الدهشة تأخذنا إلى عدم التصديق يمكننا أن نتأمل معاً بتمعن بعض المقتطفات التي وردت في أدب ماركيز، لنرى مقدرتها على التعبير عن واقعنا السياسي بأكثر مما تقول نشرات الأخبار ومقالات النقد السياسي وهجائيات مواقع التواصل الاجتماعي.

(1) إصلاح جريء

لم يعش ماركيز ليطالع أخبار معجزة “الإصلاح الجريء” التي جاء بها السيسي، فقد رحل ماركيز ومعجزات العالم سبعة، لكن السيسي وصل بها إلى 7777 معجزة، ومع ذلك تتضمن كتابات ماركيز وصفاً لمعجزة الديكتاتور في تحقيق الإصلاح الجريء من خلال مشهد في “حكاية إيرنديرا البريئة وجدتها القاسية” ترى فيه الفتاة رجلاً عسكرياً عاري الصدر يعيش في صحراء قاحلة، ويمسك ببندقية قديمة يطلق منها الرصاص باتجاه سحابة وحيدة تسكن السماء الحارقة، وعندما سألته الفتاة التي تعاني من استغلال جدتها، أخبرها بأنه يخوض حرباً مقدسة لكي يثقب السحابة فيهطل منها المطر!

(2) صفات الجنرال في متاهته

* ينعزل الديكتاتور في مكتبه بعيدا عن الواقع، ليقرر مصير الوطن مع طغمة من العسكريين، يصدق على التشريعات والمراسيم التي يصدرها ببصمة من إبهامه، لأنه لا يقرأ ولا يكتب، لهذا ظل يكره الكتابة ويعتبرها من سخافات العالم، واعتمد على صوته البغيض في مخاطبة الناس والوزراء وإدارة كل شؤون الحكم.

لديه هوس التدخل في كل التفاصيل والفرعيات: انزعوا هذا الباب من هنا وضعوه

* هناك، ثم يذهب ناحية الباب وفي منتصف المسافة ينظر لساعة معلقة على الحائط ويتذكر شيئا فيقف ليصدر أمرأ آخر: لابد من تأخير هذه الساعة لمدة ساعتين حتى تصبح الحياة أطول.

* يعبر عن ضيقه من الفقراء الذين يهتمون بطلب الطعام والعلاج.

* يحب اختراع المعجزات، حتى أنه دفع مئتي جنيه لميت مزيف خرج من قبره يزحف وسط الحشد المذعور، كما دفع 80 جنيها لامرأة تظاهرت بأنها تلد وسط الشارع مسخاً برأسين، عقاباً من الله لها لأنها قالت ذات مرة إن معجزات الديكتاتور ليست إلا تدبيرا مصنوعا من جانب الحكومة.

* يباهي بأمه كثيرا، وعندما ماتت قرر عرض جثتها على الجماهير نائمة في نعش من الثلج المجروش، ليثبت أن جسد الأم العظيمة باندثيون ألفارادو لا يتعفن ابداً، وبعدها أمر بحصولها على لقب قديسة، لأنها من اصحاب المعجزات.

* اجتمع حوله سياسيون منافقون بابتذال، نادوا به قائداً أعلى للزلازل والكسوف والخسوف والسنوات الكبيسة.

* لم تكن له ميزة، وإنما كان محظوظاً بنوعية من الكلاب الأوفياء مثل صنوه الكامل ومساعده أراغونيس المحتال.

* اهتم بتقليص عدد مستخدميه إلى الحد الأدنى كي يتخلص من خطر وجودهم بالقرب منه.

(3) الحكم في زمن الكوليرا

* ذات نهار قبض جنود الديكتاتور على شخص ينتحل صفتة الديكتاتور ممتطيا مركبة رئاسية مزورة ليعقد صفقات تجارية مغشوشة (مساعده اللاحق) طلب مثوله أمامه، فجاءوا به إلى القصر ورأسه داخل كيس من الخيش، ولما رفعوا الكيس شعر الديكتاتور بإهانة ووضاعة عميقة لأنه رأى صورته تتطابق تماما مع هذا المحتال، وقال لنفسه: اللعنة إن هذا المحتال ليس شخصاً آخر، إنه أنا!

* عندما أعجبته حسناء حدثه عنها مساعده أراغونيس (ترامادول)، واستأذنه أن يأتي بها إليه ويثبتها له على السرير مفتوحة الساقين بواسطة أربعة عساكر، فإنه لم يرغب في مثل هذا الفعل، لأنه كان يرغب في أكثر من هذا الفعل، كان يهفو إلى أن يكون محبوباً.

* صار أكثر وحدة من أي وقت مضى تحت الحراسة الشديدة، التي يقوم بها.

* تقلصت مساحة حياته في دائرة من الحرس الدائمين، كانوا يأكلون نصف طعامه بحجة التأكد من أن أحداً لم يدس له السم في الطعام.

* كانت الحمى الصفراء تحصد سكان الريف، بينما كان الديكتاتور منشغلا برائحة اللحم الوحشي التي تفوح من ليتسيا نازارينو.

* ذات يوم رأي رجلاً يشنق نفسه، فانقطع الحبل وسقط يعاني من الألم، فأمر بضربه بالعصي وتعذيبه حتى يقلع عن التفكير في الموت.

* ألغى التعذيب الهمجي والتنكيل الوحشي بطريقة الفسخ، واستبدله بأساليب عصرية وطالب بنوع من إعدام المعارضين أكثر تحضراً ومدنية.

* صنع وليمة من لحم وزير دفاعه الجنرال رودريغو محشواً بالصنوبر والبقدونس، وبعد أن دخل الجثمان على صينية كبيرة من الفضة وفوقه كمية من الميداليات والنياشين التي حصل عليها في حياته، تم تقطيعه وتوزيعه في أطباق أمام ضيوفه، وقال لهم وهم متحجرون من الذهول: كلوا هنيئاً أيها الضيوف المطيعون.

* لم يكن يستطيع رؤية الحقيقة، لأنه لا يرى غير الذهب.

* عندما لم يجد العسل في خزائنه قال متأففاً: سحقاً، ليست هذه هي السلطة التي حلمت بها.

* انتهى به الحال إلى بيع البحر وماء البلاد مقابل الديون.

* كان يكتب على جدران المراحيض: عاش أنا.

(4) حواريات في ساعة نحس

* بعد نوبة مرض قال له حكيم من كبار القوم شجعته صداقتهما القديمة: يبدو أن الوقت قد حان لتتنحى وترتاح يا سيدي الجنرال، فأنقذنا من الفوضى ورشح من يخلفك.

– رد الديكتاتور غاضباً: ومن قال لك بأنني أنوي الموت أيها الطبيب، فليمت الجميع وهم ينتظرون هذه اللحظة، لقد شاهدت نفسي في التليفزيون أمس، ووجدتني أكثر عافية من كل الناس!

* عندما أبلغه ساينز دي لابارا أن الناس ليسوا سعداء ومنهم من ينتحر ويتعرض للموت جوعاً أو مرضاً أو يأساً، أصدر مرسوماً بأن يكون الناس سعداء، كما أصدر أمراً للناس بألا يموتوا.

* قال له مساعده بفزع:  سيدي الجنرال، كل شيء ضدنا: هناك عصيان داخل الجيش وغضب بين رجال الدين والقضاء، و…

= لن يفعلوا شيئا، لأنهم لن يجدوا من يمنحهم أموالاً أكثر.

– نعم يا سيدي، لكن قادة المعارضة السياسية بدأوا في الظهور ويتآمرون لإثارة الشارع.

= هذه فرصة جيدة، اشنقوا واحداً على كل عمود من أعمدة الإنارة في الميدان الكبير، وبعدها سيعرف الناس من هو الزعيم القادر على كل شيء في هذه البلاد.

– وإذا استمر عصيان الجند يا سيدي؟

= امنحهم رتبتين وقلدهم وساماً، ثم أعدمهم من دون ضجة مثلهم مثل سائر الأنذال.

(5) عن الحكم وشياطين أخرى

* لم أفرض نفسي على الوطن، الوطن هو الذي فرض نفسه عليّ من دون استشارتي، لذلك لا يحق لأحد الاعتراض على وجودي، يمكنكم فقط الاعتراض على الوطن.

* إن كل الكوراث في هذه البلاد تحدث لسبب وحيد، وهو أن أهلها لا يسمعون كلامي كما ينبغي أن يسمعوه ويطيعوه.

* بئس الصحف، كيف يقدر الناس على قراءة هذه الأوراق السخيفة؟

* أماه، ليس لأحد في ماخور الشرك هذا أن يتجرا يوماً فيقول بأنك كنتِ غير ما كنتِ، أماه، ليس لأحد أن ينسى أنني الأمر الناهي هنا، الأن وحتى آخر القرون، في المدن الكبيرة وفي القرى الأكثر بؤساً وانعزالاً عند التخوم النائية.

* بنيت ضريحاً لجنرال غير موجود إلا في مخيلتي، وأنفقت أموالاً طائلة لتحقيق معجزاتي التي يستحيل تجاهلها، وشيدت المشاريع الهائلة التي تنافس المنظومة الشمسية، وكل هذا لإرضاء ملكة جمال لا يراها أحد سواي.

* لم يكتف بضرب المعارضين ببندقية صيد النمور، لكنه يتوعدهم بسعير جهنم لأنهم تجرأوا على عصيان سلطاته، ويظل يزمجر على الملأ بأنه يرصد النوايا الخفية ويعرف الخائن من بين الزحام، وعندما يقبض على أحد يردد مناته المكررة: هذا الذي صنعته من لاشيء، وهذا الذي انتشلته من الحضيض إلى الرفاه، وهذا الذي أنقذت حياته، لن يجرؤ أحد من أولاد الساقطات على مخالفة ورقة موقعة باسمي

* كلما تطرق إلى سمعه أي حديث عن ترتيب شخص يخلفه، كان يقول: حين أموت سوف يقتسم الذئاب الفريسة، كما في الأزمنة القديمة، كل شيء سيؤول للأقوياء والأغنياء، فاطمئنوا، لن يحصل الفقراء على أي شيء ابداً، وتأكدوا من أنه في اليوم الذي سيصير فيه للبراز الآدمي سعر ما، فسوف يولد الفقراء بلا مؤخرات، وعموما إذا مت فلن أبقى ميتاً أكثر من ثلاثة ايام، وسوف أعود، لن يطول غيابي عن مسافة السكة من هنا إلى القدس.

* إنها مؤامرة، الأوباش يريدون أن يكونوا “أنا”.

(6) شهادة ماركيز

صار الديكتاتور (برغم كل شيء) في حالة يرثى لها، حالة شخص معزول يرتجف خوفاً من المجهول، حالة رئيس مدى الحياة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه