السياحة العربية في برشلونة

ولا يهمّ الوزارة في شيء إن كانت فئة مقبلة على التعرّف على تاريخ البلد أو زيارة معالمه التّاريخية مادامت سيّاحة تدرّ أموالها في الفنادق الضخمة.. يتبع.

عبير الفقيه*

وأنت تتجوّل في مدينة برشلونة صيفاً، يسترعي انتباهك الحضور اللّافت للسائحين العرب في الشوارع الرئيسية، تحديدًا الخليجي فالمظهر واللهجة يميّزانه عن أهل البلد وبقية السوّاح. أمّا اذا كنت من العاملين في المطار فستُصاب بالدّهشة لارتفاع عدد الرّحلات الجوية اليومية والمتكرّرة لشركات الطيران الخليجية وحضور جميع الوجهات في شاشة الوصول والمغادرة.
   وفي الحقيقة، قد يبالغ المواطن الإسباني في توقّعاته حول نسبة السيّاح العرب من النّسبة الإجماليّة، إذ نراهم يتحدّثون في التقارير التّلفزية عن أرقام عالية والحال أنّ الإحصاءات الرّسمية تقول إنّه من بين 65 مليون سائح العام الماضي مثلا، بلغ عدد السيّاح العرب من بلدان الخليج {السعودية، الكويت، الإمارات، قطر، البحرين، عمان}  46 ألفا فقط، والمغاربة 192 ألفا، اما بقية السيّاح من تونس، الجزائر، لبنان فلا يتجاوزون الـ 9000 إجمالا. يعني مجتمعين، ما يقارب 250 ألف سائح عربيّ على أقصى تقدير. والمُتوقّع ان تُسجّل إسبانيا رقما قياسيا هذه السنة أيضا بـ 70 مليون سائح لم تبلغه أبدا من قبل.
يرجع السبب الأساسي في هذه  الانتعاشة طبعا الى استقطاب سيّاح من الفئة الباحثة عن الشمس والبحر غالبا و التي كانت تقصد مصر وتونس قبل انطلاق ثورات الربيع العربيّ في 2011. إذ استفادت إسبانيا في 2014 من دخول 15 مليون سائح إنجليزي و 10 ملايين ألماني و 8 ملايين فرنسي.
  الواضح إذن أنّ العدد ضعيف جدّا {مقارنة بالعدد الاجمالي} ولكنه مُجْدٍ، ليس لأن العرب لا يسافرون للسيّاحة ولكن وجب التّذكير أوّلا بأنّ إسبانيا ليست وجهة سيّاحية أولى لعرب الخليج مثلا، وثانيا، أنّ الشواطئ الاسبانية {7900كم} على اختلافها من المحيط الأطلسي إلى البحر المتوسّط تستهوي بقيّة سيّاح أوروبا ولكن لا تأتي ضمن أولويّات العربيّ فلا الشّمس ولا البحر ولا الآثار تجلِبُه.  رغم أنّ إسبانيا كبلد سيّاحيّ ناجح، عاش ويعيش بفضل حظّه الوافر من جمال الطبيعة وتنوّعه من جهة،  إرثه التاريخي وما خلّفته الحضارات المتعاقبة عليه من معالم فاتنة زادت قيمتها بقليل من حسن التّصرف والمحافظة على التّراث من طرف الهيئات المسؤولة، إذ يكفي ان نعرف أنّ كنيسة “العائلة المقدّسة” في برشلونة والتي أعاد صياغة شكلها المهندس الشهير “أنطونيو غاودي” سجّلت 3ملايين و250 ألف زيارة العام الماضي وأن “قصر الحمراء” في غرناطة مثلا استقبل مليونا و نصف المليون سائح.
ويكفي أيضا أن نعرف ان برشلونة كمدينة عريقة تتوفّر على 9 معالم مسجّلة في قائمة التراث الإنساني، من بينها 7 معالم لـ “غاودي” وحده. وأن التجوّل في شوارعها المصمّمة بعناية على الشّكل العصري، مربّعات متساوية بإمضاء المهندس “إيديفونص سيردا” تعطيك إحساسا بأنك تتجوّل في متحف مفتوح. باختصار، ثراء تاريخي وتنوّع ثقافي عجيب لكنّه لا يستهوي فئة السيّاح العرب، فماذا يرى العربيّ في برشلونة؟
    سؤال وجيه و يطرح نفسه في الحقيقة، لكن الإجابة مُحرجة ومستفزّة لعربيّ تعترضه كموضوع مقال على جريدة ” لافانغوارديا” الشهيرة، مرفقة بفيديو على صفحة الجريدة على الاإترنت، فيه يستجوب صحفي فئة من السيّاح العرب ويجيبون بغِبطةٍ حول برامجهم السيّاحية في المدينة. يقول المقال “لن تراهم ينتظرون في صفوف زيارة مَعْلًم غاودي، ولا يحجزون طاولة للتمتّع بطبق “باييّيا” في شارع “الرّملة” بالأحرى تراهم على الجانب الآخر في شارع “باسّاج دي غراسيا” يدخلون أو يخرجون من نزل “ماندارين” الفاخر، أو في محلّات الماركات العالمية للّباس أو السّاعات أو المجوهرات. ويتنقّلون في سيّارات فخمة بين منتجعات الضواحي للمشاهدة لا للإقامة”.
ويخْلص كاتب المقال الى أنّ متعة المسافر العربي القادم من الخليج تكمن في التسوق، لذلك يجنّد أصحاب المحلّات جهودهم من أجل توفير كلّ ما يمكن أن يروق لسائح منهم، مهما كان نوع الطّلب في المحلّات أنفسها أو في الفنادق التي يقيمون فيها. و لكم أن تتصوّروا حجم إتقان الخدمات المُوجّهة إلى هذه الفئة من السيّاح إذا علمتم أنّ معدّل صرف السائح الإنجليزي أو الفرنسي أو الإيطالي لا يتخطّى عموما الـ60 يورو في اليوم، في حين تشير الإحصاءات إلى أنّ الخليجي يصرف 550 يورو بين مشتريات مختلفة و 2500 يورو بين مجوهرات وساعات يوميا. إضافة إلى ارتفاع كلفة الفنادق التي يشغلها والخدمات الجانبية التي يطلبها، كتوفير طبّاخ خاص للأكل الحلال وما تمليه رغباته في حال تجمّع عائلات كثيرة العدد.
وتجدر الإشارة إلى انّ هذه الأرقام لا تتعلّق بالأمراء ولا العائلات الملكيّة إنّما هي معدّلات صرف فئة اجتماعية ميسورة نوعا ما كموظّفين سامين، وأصحاب أعمال حرّة لا أكثر. هذا بخصوص السيّاح الخليجيّين طبعا، أمّا معدّلات صرف بقية العرب فلا تبتعد كثيرا عن معدّل صرف السائح العادي.
والواقع انّ العائدات الماليّة المحمودة للسيّاح العرب ذوي المقدرة الشّرائية العالية ولو تمّ تحصيلها من {45000 سائح} في محيط {65 مليون مجموع السيّاح}، فإنّها تشّجع وزارة السّياحة الإسبانية على الاجتهاد أكثر في كسب ثقة هذه الفئة ورضاها، خصوصا وأنّها شريحة اجتماعية مُربِحة ومحافظة لا تسبّب مشاكل كالفئات الأوروبية مثلا بسبب السّكر والضجيج و الفوضى. ولا يهمّ الوزارة في شيء إن كانت فئة مقبلة على التعرّف على تاريخ البلد او زيارة معالمه التّاريخية مادامت سيّاحة تدرّ أموالها في الفنادق الضخمة و في خزائن المحلّات الفاخرة ولا تبالي بكلفة الخدمات الإضافية التي تطلبها. “هم سعداء بمتعة التسوّق، ونحن سعداء بالأرقام التي نسجّلها” هكذا لخّص مسؤول سياحي في التقرير المذكور سابقاً ما يريدونه من السياحة العربية. 
     صحيح أنّ إسبانيا، كباقي عواصم أوروبا تعتبر وجهة تسوّق مُمتعة ومُربحة لهواة التسوّق ولكن هل نحن راضون عن ترويج صورة العربي المستهلك أينما حلّ؟ لماذا لا يستهوينا التّراث، المعمار، لماذا لا نصطف كباقي سوّاح العالم من أجل نيل زيارة لمتحف ما و ننعم بلحظات تأمّل تحسّسنا برَهْبة الماضي وإضافات الحاضر في أعمال عظماء غيّروا مجرى التّاريخ؟
هل اقتصر شغفنا و فضولنا لمعرفة المعالم والآثار على زيارة قصر مهنّد في اسطنبول  ساحة كاظم السّاهر في روما؟ الأكيد انّ الاستثناءات تفرض نفسها لا محالة ولكن علينا الاعتراف انها مُتعٌ لايسعى لنيلها السّائح العربيّ عموما. اذ يمكنك أن تصادف سائحا من هؤلاء في طريق عودته إلى بلده بعد رحلة  رائقة في برشلونة والحقائب تسبقه بخطوات، وتسأله عن رأيه في آثار انطونيو غاودي، فيسألك عن ماهيّة غاودي!

____________________

*كاتبة تونسية تقيم في برشلونة  

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه