السوريون وقضايا اللجوء في تركيا

لم يتغيّر شيء بالنسبة للمدارس السورية في بلاد اللجوء عن سوريا الأسد فالمحسوبيات في التعيين ما زالت قائمة كما كانت في دولة البعث.

قضية التعليم:

تعتبر قضية التّعليم من أهم القضايا التي يعاني منها السّوريون في بلاد النزوح، الأردن ولبنان وتركيا.. ففي لبنان والأردن لا يستطيع النازحون تعليم أطفالهم إلا بالوسائل المتاحة وهي جهود فردية لأفراد تطوعوا بمحو أمية الأطفال داخل السّجن الكبير المُسمى مخيّم، أمّا في تركيا فالقضية تأخذ بعداً وحجماً أكبر من كونها محو أمية طفل أو تعليمه مبادئ القراءة والكتابة؛ لأنّ السّوريين هنا مضطرون لتعلم لغة إضافية للتأقلم مع المجتمع التركي وتعلم لغة جديدة سيضاعف أعباء العملية التّعليمية ويفاقم مشاكلها رغم أنّ مشاكل التّعليم في تركيا لا تتوقف عند تعلم اللغة التّركية بل تتجاوزها إلى نظام من القوانين يجعل من متابعة الدّراسة بالنّسبة للسوري النازح أمراً متعثراً.

أمام السّوريين تبرز مشكلتين أساسيتين إمّا أن يعلّموا أولادهم في المدارس السّورية وهو ما يضعف فرصهم في دخول الجامعة أو الحصول على منح دراسية.. وإمّا أن يكافحوا لإدخال أولادهم إلى المدارس التّركية ليحقّقوا فيما بعد الهدف الأساسي من التّعليم وهو الدّراسة في الجامعة.

المسالخ السّورية:

سأفترض أولاً أنّ السّوري في تركيا يمتلك القدرة المالية لتعليم أطفاله رغم أنّ هذا الافتراض لا أساس له من الصحة؛ فالواقع الاقتصادي للأسر السّورية المقيمة في تلك المناطق في غاية السّوء ويعيش معظمها تحت خط الفقر على الرغم من العمل الذي يتجاوز الساعات العشر يومياً والأجور لا تكفي للمعيشة التي ترتفع كلفتها كلّ سنة، مع هبوط قيمة الليرة التّركية وتحكّم أرباب العمل الذين يرفضون مساواة السّوري بالتركي من حيث الأجر والتّأمين، ويأكل بعضهم تعب العامل فلا يعطيه أجره لشهور وقد يستغني عن خدماته في أيّ لحظة من دون مساءلة أو التزام بدفع راتبه.

مع ذلك يبدو الخيار الأوّل أمام السّوريين دخول المدارس الخاصة والمنشأة بالأساس للسوريين وهو الأسهل بالنّسبة لمعظم السّوريين الموجودين في تركيا وخاصة في المدن الواقعة في مقاطعة “هاتاي” التي كانت سورية وستصبح تركية بانقضاء مئة عام على منحها للأتراك من قبل المحتلين الفرنسيين أيام الانتداب الفرنسي على سوريا، إضافة إلى المدن التي كانت سورية قبل سايكس بيكو.

لكن لهذا الخيار مساوئه التي لا تحصى.. فالمدارس الخاصة هذه لا تسعى إلى تربية أو تعليم وإنّما إلى الربح الخالص ولذلك فلا ضير من تدريس المناهج المترهلة فطلاب الثّانوية العامة يدرسون مثلاً منهجاً “ليبياً”! لكونه ميسراً وسهلاً إلى حد يستطيع الطالب الحصول فيها على علامات عالية تمكّنه من دخول اختصاص علمي في الجامعة! ويجد الطالب نفسه بعد ذلك أمام تحديات تفوق مقدرته الدّراسية لأنّه في الأصل لم يدرس منهجاً ملائماً لمقدرته الذهنية واستيعابه وانتقل فوراً إلى مرحلة أكبر بكثير من قدرته واستيعابه وهذا ما يجعل نسبة كبيرة من الطلاب تفشل في متابعة الدّراسة أو تتركها مباشرة وتلتفت إلى العمل اليدوي الحرّ.

المحسوبيات وأمية المعلمين:

ولأنّ التكسب والرّبح أصبحا هدفاً فقد تجاوز الفساد المناهج إلى إدارات المدارس ومعلميها وتسلطت فئة من الناس لا علاقة لها بالتّدريس على تلك المدارس وقيادتها، فأصبحت مجرد وظائف للمحسوبيات والأقارب بغض النّظر إن كان المعلم يحمل شهادة جامعية أم لا، وبات من المعتاد مثلاً أن ترى قصّاباً ونجارا يصبحان معلماً في هذه المدارس.

لم يتغيّر شيء بالنسبة للمدارس السورية في بلاد اللجوء عن سوريا الأسد فالمحسوبيات في التعيين ما زالت قائمة كما كانت في دولة البعث التي لا يتعيّن فيها مدرس ما لم يكن بعثياً أو مخبراً أو من طائفة معينة.. المدارس السّورية في تركيا اعتمدت النّظام نفسه بتعيين المدرسين من عائلة المدير وإن لم يكونوا يحملون الشهادة التي تؤهلهم للعمل في التّدريس.

ما حدث أنّ الحكومة التّركية وبسبب الشكاوى انتبهت للأمر وأصدرت قراراً يقضي بفصل المدّرسين غير المؤهلين للتدريس فقام معظم هؤلاء بتزوير شهادات جامعية وعادوا للعمل في المدارس!

وفي مدرسة سورية تقع بمدينة “سواريك التابعة لأورفا” تعتمد إحدى المعلمات على محرك البحث “غوغل” للإجابة على أسئلة تلاميذ في الثالث الابتدائي أثناء الحصة. وبعض المعلمين لا يتقنون الكتابة باللغة العربية ولا يعرفون أصولها وهم شبه أُميين فكيف يقومون بتعليمها؟

أساليب التّعامل مع التّلاميذ:

بناء على حالة الفساد هذه نرى أنّ الوسيلة الوحيدة المتبعة للتعليم هي العصا؛ فالولد يُضرب دائماً حتّى لأتفه الأسباب ولأنّه لم يفهم. فالمعلمون على قناعة تامة بأنّ من لا تربيه العصا لن يفهم شيئاً من الدّروس ويصرّحون أيضاً بذلك عبر مواقع التّواصل ويتفاخرون بما يفعلونه ويتهمون أولياء الأمور بالجهل لاعتراضهم على الأسلوب التربوي للمدرسة!

يبقى الأمل في دور الدّولة التّركية أن تتابع “وزارة التّعليم مدى الحياة” مراكز “التّعليم المؤقت” السّورية وتقضي على الانتهاكات التي تحدث بحق التّلاميذ السّوريين من قبل معلمين حولوا المدارس إلى أفرع أمنية بطريقة معاملتهم للتلاميذ واقترافهم الجرائم الشنيعة بحق اللغة العربية والتّعليم التي لا تقل أهمية عن جرائم النّظام السّوري في قتل السّوريين وتدمير سوريا وتجهيل جيل بأكمله.

الخيار الصعب:

أما الخيار الثّاني أمام النّازح السّوري فهو الدّراسة في المدارس التّركية، وهذا غير متاح فالمدارس التّركية تضع العصي في العجلات أمام الطالب السّوري، وقد أعلنت مدرسة في هاتاي عن رغبتها في استقبال أربعة طلاب، اثنان في قسم الموسيقا واثنان في قسم الرسم.. ومدرسة أخرى أعلنت أنّها ترغب بتسجيل طلاب سوريين ذوي اهتمامات رياضية في الصّف التّاسع وذلك بعد إجراء فحص مقابلة!

يقبل الطلاب السّوريين بعد عناء شديد في المدارس المهنية فقط، ولا يتاح لهم أن يدرسوا في المدارس العادية وهذا أيضاً برسم وزارة التّعليم التّركية لتجد حلاً للمتفوقين دراسياً من السّوريين الذين قضت ظروف اللجوء على مستقبلهم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه