“السميت” التركي … سفير فوق العادة

يعود تاريخ صناعة “السميت” في تركيا إلي القرن الرابع عشر أيام الدولة العثمانية، التي يرجع إليها الفضل فعليا في انتشار الكثير من الأطعمة والعادات الغذائية التركية.

يعتبر الطعام أحد أهم مقومات الثقافة غير المادية للبشرية ، والذي من خلاله نتعرف علي الكثير من العادات والتقاليد اليومية لشعوب العالم المختلفة ، ومن هنا تأتي أهمية “السميت” التركي، أو “السميط”، الذي يتبوأ مكانة رفيعة في حياة الأتراك الذين لايبدؤون يومهم دون تناوله، ويمثل الفول بالنسبة للمصريين. لذا ومع أولي تباشير صباح كل يوم تشهد المدن التركية جميعها نشاطا مكثفاً لبائعي “السميت” المنتشرين في كافة أنحاء البلاد؛ وهم في طريقهم إلي الأفران لاستلام حصصهم من مخبوز “السميت” الطازج الذي خرج لتوه من الفرن معبئا المكان برائحته المحببة المميزة .         

مع خيوط الشمس                         

 ترص قطع السميت الساخن داخل عربات صغيرة تم طلاؤها بلون أحمر براق ومغلفة بزجاج موشي بحليات ذهبية تلمع في ضوء خيوط شمس النهار، ليتوجه كل منهم إلي مكانه المصرح له بالوقوف فيه انتظارا لمرور زبائنه من تلاميذ المدارس والطلاب والموظفين الراغبين في الحصول علي قطعة من “السميت” الساخن لتناولها وهم في طريقهم لأعمالهم كوجبة إفطار خفيفة علي الطريق، أو لأخذه معهم لتناوله مع أصدقائهم وزملائهم بمصاحبة كوب من الشاي الساخن في أماكن الدراسة أو العمل .                                                    

  يعود تاريخ صناعة “السميت” في تركيا إلي القرن الرابع عشر أيام الدولة العثمانية، التي يرجع إليها الفضل فعليا في انتشار الكثير من الأطعمة والعادات الغذائية التركية في مختلف الأقطار التي كانت تابعة لها آنذاك، والاستفادة كذلك من الموروثات الغذائية لتلك الأقطار في إثراء المطبخ التركي أو ما يعرف بالمطبخ العثماني.      
 

 ورغم أن “السميت” يعد الأكلة الشعبية الأولي في تركيا ، إلا أن له حظا من الانتشار في كل من مصر وبلاد الشام ومقدونيا وبلغاريا وصربيا وألمانيا واليونان، هذا الانتشار لم يمنع ان يكون للسميت التركي خصوصيته واختلافه عن غيره من الأنواع التي تصنع في تلك الدول سواء في طريقة صنعه ونوعية العجين التي يصنع منها أو حجمه أو طريقة تناوله، وهي اختلافات نجدها أيضاً داخل تركيا طبقا لعادات كل منطقة.                     

 ففي إسطنبول أكبر المدن التركية وأكثرها كثافة سكانية يتم صنع السميت من دقيق القمح والخميرة ورشة ملح ويترك العجين ليختمر ثم يشكل علي شكل ضفيرة دائرية الشكل ويتم غمسه في “دبس العنب” قبل أن يتم تغليفه بطبقة سميكة من حبوب السمسم أو بذور عباد الشمس أو قطع الشوفان أو الحبوب الكاملة أو الطحينة ، ثم يخبز في أفران حرارية تحبس البخار الأمر الذي يساعد علي احتفاظ حبات “السميت” بطراوتها الداخلية وبطبقة خارجية هشة ذات قرمشة محببة لعشاقه .      

مسايرة العصر   

وعادةً يتم تناوله مع كوب من الشاي ، فيما يفضل الجيل الجديد تناوله محشوا بأنواع مختلفة من الأجبان مع شرائح من الطماطم والفلفل الأخضر أو بالشيكولاتة الذائبة أو مع المربي أو العسل .                      

  وفي  إطار مسايرة العصر وتطوير صناعة “السميت” في تركيا يتم حاليا صنع أنواع كثيرة منه لإرضاء الزبائن دوما وتلبية تطلعاتهم ، فقد أصبح في الإمكان رؤية “السميت” الأسود اللون الذي يضاف إليه عند عجنه بودرة الشيكولاته، كما يتم خبز أنواع أخري محشوة بالطماطم المجففة والزيتون الأسمر، أو الجبن السائل، ناهيك عن صنع فطائر البيتزا من عجينة “السميت” حيث تأخذ حواف البيتزا شكل حبة “السميت” المغلفة بالسمسم وفي منتصفها توضع مكونات البيتزا من لحوم وأجبان وزيتون وخضروات .                                      

  ولما كان “السميت” جزءا أساسياً في منظومة العادات الغذائية اليومية للأتراك ، خصوصا وأن  هناك إحصائيات تشير إلي أن انهم يستهلكون يوميا أربعة عشر مليون قطعة سميت ، لذا سعي عدد من رجال الأعمال إلي العمل علي تطوير هذه الصناعة الهامة والارتقاء بها ، وتحويلها من مجرد مهنة تمارس علي الأرصفة في الشوارع والميادين إلي صناعة وطنية منظمة تدر أرباحا خيالية عبر افتتاح سلسلة من المطاعم المتخصصة في بيع أنواع “السميت” المختلفة مستمدة أسمها من المنتج الذي تبيعه، والذي يقدم مصحوبا بكوب من الشاي التركي الشهير أو العصائر الطبيعية أو القهوة ، وهي المطاعم التي سرعان ما انتشرت في أنحاء تركيا وتطورت  سريعا لتضيف إلي قائمة ما تقدمه لزبائنها أنواعا من الحلويات المحلية والغربية إلي جانب المشروبات الساخنة والباردة ، كل ذلك بأسعار في متناول الجميع .                                    

   نجاح التجربة داخل تركيا حفز رجال الأعمال الأتراك إلي أخذ “السميت”، تلك الأكلة الشعبية، والتحليق بها صوب العالمية،  وذلك بهدف تعريف  شعوب العالم علي النظام الغذائي لدول حوض البحر المتوسط ، واطلاعهم علي أحد مكونات الهوية الثقافية والعادات الشعبية للأتراك ،  والتأكيد علي الهوية التركية للسميت ،  وتم افتتاح أفرع لمطاعم السميت التركي في فرنسا، وهولندا، وألمانيا، وبريطانيا، وأذربيجان، والولايات المتحدة الامريكية ، كما تم افتتاح عدة أفرع في المنطقة العربية في السعودية والإمارات ومصر ولبنان .    

وفي إطار تأكيد الهوية القومية التركية للسميت تقيم بلدية إسطنبول مهرجانا سنويا يحضره خبازين من مختلف محافظات تركيا حيث يتبارون في صناعة أنواع “السميت” التي تشتهر بها مدنهم وتقديمها للحضور الذي يتفاعل معهم وسط احتفالا  تعزف فيه موسيقي المهتار الشهيرة التي كانت تعزف أيام الدولة العثمانية ليتحول “السميت” من مجرد مخبوزات شعبية زهيدة الثمن إلي قضية قومية يدافع عنها الأتراك بكل حماس يصل في بعض الأحيان إلي حد التعصب ، فالسميت تركي القومية ، ولن ينازعهم في ذلك أحد ، إنه أحد أهم العادات الغذائية للمواطن التركي الذي يحرص علي تناوله ولو مرة يوميا ليؤكد بذلك علي المشاعر الفياضة التي يكنها لتلك المخبوزات الساخنة، وعمق الروابط التي تربطهما معاً. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه