الرز الخليجي أفسد السيسي ولم يشكره المصريون

لأول مرة يكشف الجنرال عبد الفتاح السيسي عن الحجم الحقيقي للمساعدات البترولية التي تلقتها مصر من الأشقاء في الخليج منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري الذي قاده في الثالث من يوليو/تموز 2013، وذلك في مؤتمر الشباب السادس الذي انعقد بجامعة القاهرة: “أقولها لكم علشان أسجلها معكم ومع الشعب المصري وللتاريخ.. أوعوا تفتكروا لو 3/7 جه، والأشقاء لم يقفوا بجوارنا كنا هننجح؟!.. أنا بقول لكم كلام حقيقي.. وزير البترل موجود.. دولة الرئيس شريف إسماعيل كان موجودًا وكان وزيرا للبترول ساعتها.. إمدادات الطاقة للمحطات اللي كانت متوقفة والبوتاغاز والغاز والبنزين والسولار.. اتحولت الناقلات من عرض البحر.. ادخل على مصر.. ومدفعناش ولا حاجة.. وقعدنا مندفعش حاجة 20 شهر، وكل شهر بـ800 مليون دولار.

واستطرد السيسي: “ما هي الدولة ما كانش عندها فلوس تجيب تاني خلاص، ما كانش معاها فلوس تجيب بـ 800 مليون دولار كل شهر وقود عشان حاجات الناس وعشان محطات الكهرباء.. 8 في 12 بكام، يعني بـ 10 مليار دولار في السنة.. يعني في 20 شهر بكام؟ بـ 16 مليار دولار!.. فلولا وقوفهم جنبنا.. يا ترى بقى لو ما كانش وقفوا؟.. وقفوا الناس جنبنا وقفه.. أنا بقولها للتاريخ.. كانت أحد أهم أسباب ثبات الدولة المصرية واستقرارها لمدة 20 شهر”.

لن نتعرض هنا لأموال الدعم الخليجي السائلة والتي كشفت عنها تسريبات الجنرال السيسي مع مدير مكتبه وبلغت 30 مليار دولار نقدًا، خلا المساعدات البترولية، ووصفاها بالرز، وكتب عنها الكثير من المختصين، ولكن نتناول المساعدات البترولية التي تلقتها مصر من الأشقاء في الخليج منذ اليوم الأول للانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال السيسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، وكشف عنها لأول مرة في مؤتمر الشباب.

ليس دعما لمصر

كان الدعم البترولي الخليجي سخيا وسريعا، ولك أن تعلم أن وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، أعلن عن توجيه الإمارات أسطولا من السولار والبنزين والنفط لمصر في الأيام الأولى للانقلاب، وصفه بقوله، “أوله في دبي وآخره في قناة السويس، من أجل دعم مصر” ما يعد تأكيدا لاعتراف الجنرال، وكاشفًا لحجم الدعم السخي.

العاهل السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، تبرع هو الآخر بحزمة مساعدات لمصر بقيمة 5 مليارات دولار، منها مليارا دولار منتجات نفطية وغاز، ومليارا دولار وديعة، بالإضافة إلى مليار دولار نقداً، وكذلك تبرعت الكويت بمليار دولار منتجات نفطية.

لم يكشف الزعماء في الخليج لشعوبهم عن الحجم الحقيقي لهذه التبرعات، ولولا اعتراف السيسي ما علمت بها، ما يعني أن هذه التبرعات كانت ضخمة لدرجة تستفز الأشقاء في الخليج، خاصة في السعودية التي يعاني أبناؤها من الفقر والبطالة والغلاء.

كما لم تكن التبرعات البترولية حبًا من الزعماء وكرامة للشعب المصري بقدر ما كانت دعمًا للجنرال المنقلب، سيما أن المصريين يعانون من شح المنتجات البترولية منذ 2011 ودون أن ترق قلوب زعماء الخليج لحالهم، ولم تتجاوز المساعدات البترولية التي قدمتها السعودية لمصر خلال السنة التي حكم فيها الدكتور محمد مرسي قيمة المئتي مليون دولار، وقد قصد مرسي المملكة في أول زيارة خارجية له بعد انتخابه رئيسًا لمصر، وطلب من الملك عبد الله تسهيلات ائتمانية لشراء منتجات بترولية سعودية آجلة الدفع، ولكنالطلب رُفض .

فساد السيسي

لم تظهر القيم المالية للمنح البترولية الخليجية على ضخامتها في الموازنة العامة للدولة المصرية في تلك الفترة، 2013/2014، ما يشكك في شفافية ومصداقية وأمانة الجنرال السيسي وزمرته العسكرية والمدنية، وعلى الرأس منهم المستشار عدلي منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، الذي دُعي إلى كرسي الحكم بعد الانقلاب فلبى، وتتنافى بالطبع مع معايير الحكم الرشيد، وشعار محاربة الفساد الذي يتشدق به الجنرال طوال الوقت.

وبالرغم من تغطية المحسنين في الخليج نفقات المنتجات البترولية، وبالتالي عدم تحمل الموازنة العامة المصرية أي دعم لها بداية من يوليو 2013 ولمدة 20 شهرا، وفق اعتراف السيسي، فقد أظهرت نتائج الحسابات الختامية للموازنة العامة للعام المالي 2013/2014 أن دعم المواد البترولية في العام المالى بلغ نحو 126 مليار جنيه، ما يوازي في حينه 18 مليار دولار، وفق تصريحات وزير المالية، هاني قدري دميان في 8 نوفمبر 2014.

ومرة أخرى، صرح دميان، في نهاية مارس/آذار 2015، أي بعد انتهاء منحة الـ 20 شهرا، بأن الدولة قدمت دعم مواد بترولية خلال النصف الأول من العام المالي 2014/2015، بلغ 44 مليارا و770 مليون جنيه، ما يوازي 6 مليارات و400 مليون دولار.

كما أظهرت نتائج الحسابات الختامية للموازنة العامة للعام المالي 2014/2015، أن دعم المواد البترولية في العام المالي بلغ 73 مليارا و900 مليون جنيه، أو ما يوازي 10 مليارات و500 مليون دولار، وفق بيان وزير المالية، عمرو الجارحي، في 15 مارس 2017.

ولم يكن هذا الانخفاض بسبب إدراج قيمة المنح الخليجية في حسابات البنك المركزي والموازنة العامة، كلا، فقد فندت وزارة المالية خفض الدعم المسدد لهيئة البترول فى السنة المالية 2014/2015 عن السنة السابقة بسبب انخفاض السعر العالمي للبترول، وأكدت أنه ليس له أي علاقة بأي تسويات تعديلية، وذلك وفق بيان الوزارة على لسان مساعد وزير المالية للعلاقات الدولية والمتحدث الرسمى باسم الوزارة، السفير أيمن القفاص، بتاريخ 6 يناير 2016.

المستشار يحرج الجنرال

أثبت الجهاز المركزي للمحاسبات، الجهة الرقابية الرسمية، برئاسة المستشار هشام جنينة، عدم تضمين القيمة المالية لمنح البترول الخليجي وغيرها من المنح الموازنة العامة للدولة، واعترض على هذا الاجراء المخالف للشفافية والقانون، وطالب بتضمين المقابل النقدي للمنح العربية المقدمة في سنة 2013/2014، بالكامل أو ما يعادل 8 مليارات و700 مليون دولار في ذلك العام، وهو المبلغ الرسمي وليس الفعلي، وتخفيض عجز الموازنة العامة بها.

الحكومة رفضت طلب جهاز المحاسبات، بالرغم من أن المبلغ الذي طالب بتضمينه الموازنة يقل عن قيمة المنح البترولية التي كشف عنها السيسي أخيرًا، فضلًا عن المنح المالية الأخرى، وتعللت بأنها وزعت المنح على عدة أعوام، ولم تنفقها في عام واحد، وفق بيان عمرو الجارحي في 15 مارس 2017، والذي كشف فيه عن أن حجم ما تلقته مصر من منح، بترولية ونقدية، في ذلك العام (2014/2015) لم تزد على 25 مليارا و400 مليون جنيه!، وهو ما يتناقض مع قيمة المنح البترولية التي أعلن عنها السيسي في هذا العام وحده، وهي 6 مليار دولار.

وفي النهاية أجبر جهاز المحاسبات الجنرال السيسي على إعادة الموازنة مرة أخرى لوزارة المالية لضبطها، أو تظبيطها، ما أغضب الجنرال الذي لا يُسأل عما يفعل في نظام هو سيده، وأقال المستشار جنينه في مارس 2016. وأرسل السيسي الموازنة المعدلة للبرلمان للتصديق عليها في مارس 2017، متأخراً عن موعدها، ما يعد مخالفة للمادة 125 من الدستور، التي تنص على إقرار الموازنة خلال ستة أشهر من انتهاء السنة المالية.

إفقار المصريين

لم يتوقف فساد الدعم البترولي الخليجي عند اخفاء حجمه الحقيقي، وعدم ادراجه في الموازنة العامة للدولة. وبالرغم من اعتراف الجنرال بأنه كان مجانًا ولمدة 20 شهرا منذ انقلاب يوليو 2013، حتى فبراير 2015، فقد رفع السيسي أسعار المواد البترولية في 5 يوليو 2014، بنسبة 78% بحجة تخفيف أعباء الموازنة العامة للدولة، وهي التي لا تتكلف أي أعباء بترولية في الواقع.

لم يتقدم أي مواطن مصري بالشكر والامتنان للملوك والأمراء والزعماء في السعودية أو الكويت أو الإمارات على المنح البترولية المجانية التي قدموها لشعبه بعد انقلاب يوليو، على سخائها، لأنه لم يشعر بها، ولم تنعكس على أحواله المعيشية، بل بالعكس، فقد ظل يكتوي بارتفاع أسعار البنزين، والسولار، وغاز الطهي، وأسعار السلع، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل والشحن، التي تأثرت مباشرة بزيادة أسعار المنتجات البترولية، وارتفعت نسبة التضخم في أسعار السلع من 10% في 2013، إلى 32%، وزادت تبعًا لذلك نسب الفقر الرسمية، من 26% في 2013، إلى 28%، في 2015%، وفق الأرقام الرسمية.

كشف الجنرال السيسي أخيرًا عن حجم المنح البترولية الخليجية التي دخلت مصر من بداية الانقلاب العسكري في يوليو 2013 ولمدة 20 شهرا، يثير تساؤلات جديدة حول رفض الجنرال السيسي استخدام منح البترول الخليجي في إنعاش الاقتصاد المصري وتحسين أحوال المصريين المعيشية؟، والمقابل السياسي والاقتصادي الحقيقي الذي يدفعه السيسي للأشقاء في الخليج مقابل هذه المنح؟ وهل جاء التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للملكة جزءا من هذا المقابل؟ وهل يقدم السيسي جزيرة الوراق للإمارات ثمنا لمساعداتها؟ وما مصير دعم المنتجات البترولية المدرج رسميًا في الموازنة العامة من يوليو 2013 ولمدة 20 شهرا بعد هذا التاريخ، وقد بلغ 170  مليارا و770 مليون جنيه، وفيما أنفق؟

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه