الخيوط الخفية في معركة “الصحفيين”

عبده مغربي*

 

 أشعل يحيي قلاش سكرتير عام نقابة الصحفيين السابق، الصراع داخل صفوف التيار الناصري في مصر بإعلانه ترشيح نفسه في مواجهة زميله في التيار الناصري ضياء رشوان علي منصب نقيب الصحفيين.. الصراع أخذ شكلاً ومذاقاً مختلفاً بين الإخوة الأعداء، وكاد يدفع بضياء رشوان الى الإنسحاب من الترشح، بعد تواتر الأنباء عن ترشح عبدالمحسن سلامة أيضاً على منصب النقيب، وهو الترشح الذي إن تم كان سيخصم من كتلة “رشوان” لا من كتلة “قلاش”، ولم تفلح جهود كبيرهم محمد حسنين هيكل في إثناء قلاش، كما لم تفلح كل الممارسات  الأخرى في إقناع “رشوان” بترك الجولة لصديقه “قلاش” .

“قلاش” راهن علي أن كعكة الأهرام التي يستند إليها “رشوان” سيقتسمها معه بفضل الدعم  المعلن له من أحمد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام، وبالتالي سيصبح “قلاش” علي بعد خطوات قليلة من المنصب، خاصة لو دخل الصراع معهم عبد المحسن سلامة الذي يراهن هو أيضاً علي أصوات مؤسسة الأهرام التي ينتمي إليها، وفي حال دخول “سلامة” حلبة المنافسة، فإنه سيخصم من كتلة ضياء رشوان.
هناك معلومات- غير مؤكدة – تقول أن”رشوان” فكر جدياً في الانسحاب من السباق أصلاً، قبل أن يدخل ياسر رزق رئيس مجلس إدارة الأخبار علي الخط، ويجتمع مع عبد المحسن سلامة، بأحد مقاهي المهندسين، في مشاورات منتصف الليل انتهت بتراجع “سلامة” عن الترشح.
المعلومات الواضحة أن التيار الناصري انقسم علي نفسه إلي فريقين، فريق أحمد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام الذي أعلن منذ البداية دعمه ترشح يحيي قلاش، في مواجهة فريق ياسر رزق الذي يعمل بشكل واضح ومعلن أيضاَ لصالح ضياء رشوان.

وهنا يعود إلي المشهد ذلك القرار الذي صدر من أحمد النجار قبل أشهر باستبعاد أو إقالة ضياء رشوان من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وهو القرار الذي دخلت فيه الدولة علي الخط، ولم يتم تنفيذه، ما كشف وجود حالة من الرضا الرسمي عن ضياء رشوان أدت إلي فشل ضربة أحمد النجار التي استهدفت نقيب الصحفيين في مركز الأهرام، من هنا يصبح طبيعياً أن يتحالف النجار مع “قلاش” ضد “رشوان” بعد أن فشل في الإطاحة به من  منصبه بمركز الدراسات.. ويأتي دخول الدولة علي الخط لصالح رشوان ليبرر من جهة أخري  سبب وقوف ياسر رزق رئيس مجلس إدارة الأخبار لصالح ضياء رشوان، فمواقف “رزق” لا تتم في الغالب بمعزل عن القرار الرسمي للدولة، إضافة إلي علاقات شخصية بين الاثنين تدعم هذا التحالف.

لكن يبقي السؤال الأهم : كيف استطاع “رزق”- إن صحت المعلومات – إقناع عبد المحسن سلامة بسهولة في أن يتراجع عن خوض الانتخابات؟!
 هناك رؤية تقول بأن “سلامة” الذي من المؤكد أنه سيُقلص فرص “رشوان” لصالح “قلاش”، إن ترشح، سيسقط الإثنين”رشوان وسلامة” ما يعني زيادة نفوذ أحمد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام، في مواجهة ياسر رزق القوي أصلاً، وطبقاً للمعطيات المستجدة التي من المقرر أن  تمنح مجلس النقابة القادم صلاحيات قوية في تشكيل مجلس الهيئة الوطنية للصحافة، وهي الهيئة المسئولة عن صحف ومؤسسات الدولة، يصبح  الصراع الدائر بين “النجار ” و “رزق” من جهة  أو بين “قلاش” و “رشوان” من جهة أخري منطقياً، ويصب أيضاً في صالح “سلامة” إذا كان ثمن تراجعه عن الترشح علي مقعد نقيب الصحفيين مقعد آخر يطمح له، وهو رئاسة مجلس إدارة الأهرام، ما يعني أن هذا الصراع لن يتوقف فقط عند حدود المعركة داخل نقابة الصحفيين بل يمتد لصراع آخر علي المناصب الرئيسية في مؤسسات الدولة الصحفية، صراع يحسم نتيجته تزايد أو تراجع نفوذ كلا الفريقين في الهيئة الوطنية للصحافة، والتي انتهي قبل أيام مشروع قانونها، ليصبح جاهزاً للإقرار بعد انتخابات النقابة الحالية مباشرة، إنها الهيئة التي سيتحكم في تشكيلها مجلس النقابة القادم، وبالتبيعة سيؤثر في تشكيلها الفائز بمنصب نقيب الصحفيين، وسيكون لها منفردة صلاحيات تعيين وفصل رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير  في المؤسسات الصحفية المختلفة التي تملكها الدولة، ما يعني أنها ليست  مجرد حرب علي منصب نقيب الصحفيين فقط، بل هي أيضاً حرب علي كافة المناصب في هذه المؤسسات الصحفية المختلفة التي تملكها الدولة، وعبد المحسن سلامة في إطار سعيه للبقاء في الصورة، ووفق الأجندة المرسومة لهذه الهيئة، وأيضاً وفق الاجتماع الذي جمعه بياسر رزق – إن صح – وانضم له بعدها ضياء رشوان  يكون قد قدم “السبت” لضياء رشوان وياسر رزق في انتخابات نقابة الصحفيين، ساعتها فإنه لن يُحرم “الأحد”  منهم بعد تشكيل الهيئة الوطنية للصحافة،  إنه “الأحد” الذي قيل أنه تم الإتفاق عليه  بإزاحة أحمد النجار من علي كرسي رئاسة مجلس إدارة الأهرام، ليجلس عليه “عبدالمحسن سلامة.
 فهل حقاً إستطاع ياسر رزق  خطف قرار “سلامة” بعدم ترشحه في مواجهة “رشوان” وأن “سلامة” وافق علي  هذه الصفقة بعدما أغرته المعلومات التي تتحدث عن غضب رسمي من أحمد النجار رئيس مجلس إدارة الأهرام؟
لكن إن كان الأمر كذلك فلماذا تغيرت الأمور، بعد الدعوى القضائية أمام القضاء الإداري  التي حكمت في أول درجة بوقف الإنتخابات؟ ولماذا أعلن “سلامة” ترشحه علي منصب النقيب إن أعيدت الإجراءات وتم فتح باب الترشح من جديد؟ ما الذي تغير ؟
 هل أيقن عبد المحسن سلامة أن المعلومات برغبة الدولة في إزاحة رئيس مجلس إدارة الأهرام لم تكن دقيقة ؟ وأنه وقع ضحية تحليلات أو معلومات أثرت في قراره الإنسحاب من السباق علي منصب النقيب؟ فعدل عن موقفه؟ أم أنه أعاد حساباته بأن النار المشتعلة بين الناصريين كفيلة بإحراقهم سوياً وأن فرصته بإقتناص المقعد أصبحت أكبر في ظل الإنقسام الناصري.

قبل كتابة هذه السطور هاتفت الزميل عبد المحسن سلامة، سألته عن اللقاء مع ياسر رزق فقال هي لقاءات عادية مثل لقاءاتي مع بقية الزملاء، ومنهم أحمد النجار نفسه، فمنهم من نصحني بخوض السباق، ومنهم من نصحني بالعكس، فسألته: مالذي تغير في الأمر وأدي بك إلي أن تعدل عن قرار خوضك المنافسة قبل قفل باب الترشيح، ثم بعد دعوي وقف الإنتخابات تعدل ثانية وتقرر خوض السباق؟ فقال : قرار وقف الإنتخابات علي نصف مقاعد المجلس وإجرائها علي كامل المقاعد شجعني علي ترشيح نفسي بقائمة أستطيع العمل معها بكفاءة في تسيير الشأن النقابي إن نجحت، أما مجيئي علي رأس مجلس غالبيته لا توافقني التوجه، فهذا معناه إنني سأحرث في الماء، من هنا تشجعت للترشح بعد حكم محكمة أول درجة، ونفي وجود صفقة مع ياسر رزق وضياء رشوان .
ربما يكون “سلامة” صادقاً فيما قال، وربما تكون المعلومات عن الصفقة صحيحة، لكن التخبط في القرارات، والتصريحات، وإنتشار الصراعات بهذا الحجم يجعلنا أمام واقع جديد في إنتخابات نقابة الصحفيين المصرية، واقع يقول إن إصلاح الصحافة  أو إفسادها لأول مرة سيكون بيد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين

______________

*كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه