الحل لدى البرادعي

يخطىء من يظن أن المشهد المصري في طريقة إلى الحلحلة، لأنه في الواقع يسير نحو مزيد من التعقيد على مستويات متعددة ، والمؤشرات على ذلك واضحة للعيان.

أحمد قناوي*

 يخطىء من يظن أن المشهد المصري في طريقة إلى الحلحلة، لأنه في الواقع يسير نحو مزيد من التعقيد على مستويات متعددة ، والمؤشرات على ذلك واضحة للعيان. والتعقيد على المستوي الأمني والاقتصادي والسياسي وفي العموم كامل المشهد بلا تردد أو مواربة .

بعيداً عن حالة القمع والتي هي أخطر المشاهد إذ أنها باتت معروفة ومعلن عنها ولا أحد يخفيها ، فإن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية آخذة في التعقيد الذى قد يمس بطريقة أفدح الطبقات الدنيا بأكثر مما هي عليه الآن، في ظل ارتفاع متوقع في الأسعار على كافة مستوياته. في سيناء وصل المشهد إلى حد تنفيذ إعدامات للتعامل مع الجيش المصري من قبل العناصر المتطرفة ووصل حداً أن تلك الجماعات استطاعت أن تضع كمائن على الطرق بما يعنى سيطرة تتناقض مع عمليات مدعاة في وسائل الاعلام.

وظني حتى المؤتمر الاقتصادي الذى تراهن علية السلطة محكوم علية بالفشل لا أدل على ذلك من مطالبة رجل الاعمال نجيب ساويرس بتأجيل المؤتمر ، ذلك أن العالم كلة يرانا وبوضوح أكثر مما نتوقع أو نعتقد ، فالحالة المصرية لوحة غير واضحة ومحاطة بالغموض في كل جوانب الصورة ، فالأمني مختلط بالسياسي، والعسكري مختلط بالاقتصادي ، ووجود قطاعات من الرافضين تتسع ولا تضيق بعد فشل الإبقاء على تحالف 30 يونيو، وتقديم البرهان تلو البرهان بالممارسات على صدق موقف الاخوان دون أن يكون لهم نصيب سوى الاستفادة من الأداء السلبي الذى بدأ يتململ منة نخب كانت من أكثر الداعمين لمشروع الإقصاء والأحادي التفكير، لأن الأمر صار عبئاً قد لا يتحمله حتى هؤلاء .

صورة قاتمة بكل تأكيد تنتظر كافة الأطراف، ليس فقط من هم داخل دائرة السلطة، ولكن تنتظر أيضا هؤلاء خارج الدائرة والساعيين إليها بطرق كثيرة يبدو إخفاق الأداء العام الحالي أهمها على الإطلاق، والصورة في النهاية سيتحمل العبء الأكبر منها المواطن العادي غلاء ودماء، ولا توجد قوي سياسية واحدة الآن خارج دائرة الاستقطاب بشكل أو بآخر .

شخص واحد من هذه النخب خارج هذه الدائرة هو الدكتور محمد البرادعي، وفي تقديري الرجل له قدم في المعسكرين؛ قدم هنا حين تحالف في 30-6 مع وزير الدفاع وقتها ساعياً بحسن نية شديدة إلى تأسيس حالة مدنية تتسع للجميع وكان سبباً في اصطفاف قطاع الشباب في هذه الحالة. وقدم لدي الإخوان المسلمين بموقف الاستقالة المعلن والمسبب والمعترض على إراقة الدماء بترك منصب نائب رئيس الجمهورية وترك مع المنصب رؤيته لما سيحدث.

ومن العجيب أن تلك الرؤية تتحقق بذاتها وكما وصفها لكنها لم تصل بعد إلى المحطة الاخيرة ، وهى المصالحة التي ستأتي في النهاية ، وحتى الوصول إلى تلك المحطة لا أحد يستطيع أن يتنبأ لا أحد يستطيع أن يقول بأي كلفة سنصل الى هذه المحطة بأي قدر من الدماء والتضحيات، وبأي قدر من التكاليف الاجتماعية والاقتصادية ، وما هو حجم النزيف الذى سيدفع لتلك المصالحة إذا كان مقدوراً لها أن تتم ؟ هل سيسعى كل الأفراد إليها وهم مخضبون بالدماء ومثخنين بالجراج ؟

هناك على الضفة الأخرى الدكتور محمد البرادعي ظل محافظاً على الخروج من دائرة الاستقطاب، فمواقفه التي تتعلق بالحريات والتنديد بالانتهاكات هى ذاتها التي كان عليها منذ أيام مبارك وحتى وهو في السلطة حين ندد بمذبحة الحرس الجمهوري وطلب تحقيقاً عاجلاً . ولا تستطيع إن كنت محايداً أن تحسبه هنا أو تحسبه هناك، هو فقط يحسب نفسه في قضايا آمن بها وعمل لها فنجح أحياناً وفشل أحياناً وهى قضايا العدل والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وهى نفسها شعارات يناير.

طال الرجل ما طاله من المعسكرين كلا المعسكرين تنافسا في تشويهه وحتى سبه ومن ثم يبقي هو الرجل ربما الوحيد من النخب المعروفة سلفاً أين سيضع قدمه في الخطوة القادمة، وهو فوق ذلك يحظى بتأييد عدد ليس هيناً من شباب ظل محافظاً هو الآخر على وجوده في مساحة مختلفة لكل المعسكرين .

تقديري أنة يمكن أن يكون مانديلا مصرياً بامتياز إذا رغبت كافة الأطراف في الاحتكام إليه ومنحته الصلاحيات دون التفاف ولا مواربة ودعمة الشباب كما هم ، يستطيع هو أن يؤسس لانتقال سلس للأوضاع تحافظ أولاً على مصالح الوطن ومعها وفي القلب منها مصلحة الشعب في حياة حرة وكريمة، وتغلق أبواب الانتقام وتنهى حالة الاستقطاب الحاد التي وصل إليها المجتمع ويدفع نتيجتها كل يوم من رصيد المخزون عبر آلاف السنيين ، بدون ذلك فإن الفاتورة القادمة أصعب من تصور وأفدح من كارثة .

هذا الشخص والإنسان محمد البرادعي يستطيع إن رغب من رغب في طلبه واللجوء إليه وهو بخبرته الواسعة في حل أزمات وصلت إلى حد التهديد النووي وبما له من مصداقية دولية معروفة، وبما له من رغبة جامحة في خدمة وطنة قادر على تشخيص الحالة ووضع تصور لها ينقلنا إلى بداية طريق صحيح أخطأ طرفي الصراع في بداياته وتحالفا لتحقيقه وهي انتخابات رئاسية قبل أن يتم وضع الدستور.

هذه المعضلة التي شارك فيها المجلس العسكري مع جماعة الإخوان كانت المقدمات الخاطئة التي أدت إلى النتائج الخاطئة وهى ذاتها التي حذر منها محمد البرادعي ورفع شعار الدستور أولاً، لكن ذات الحالة المصرية الآن مضافاً اليها حالة تيار الإسلام السياسي جعلت دعوته تذهب أدراج الرياح مع أن تلك هى البداية الحقيقية لبناء مجتمع ، غير ذلك الكثير والكثير والأخطاء طالت الجميع بقدر أو بأخر ولا يجوز أن ننتظر ترويكا خليجية أو أوربية في لحظات محددة .

البرادعي قادر إذا أخلصت النوايا لصالح هذا الوطن أن يقدم روشته لعلاج حقيقي للوضع المصري الذي يتعقد كل يوم، ولا يجوز أن ننتظر حالة التعقيد الكامل التي ينتج عنها شلل عام، فالوصول إلى هذه المحطة كارثة على الجميع.

________________

محام، وحقوقي مصري* 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه