الحرامي رفيع المستوى

يكتب احدهم ان أربعة مليارات جنيه مصري، تم تهريبها مؤخرا من مصر إلى الخارج بمعرفة مسئول مصري رفيع المستوى، كيف يكون الحرامي رفيع المستوى إلا في مصر؟

محمد حلمي هلال*

قل في سرك التفعيل: فعلناها، فعلاها، يفعلانها. والشفافية شففناها، شففاها، يشففانها . أما الخوزقه، فخوزقناها خوزقاها ، يخوزقانها. والسرقة سرقناها سرقاها يسرقانها.

 كتبت تسألني ، أشعر أنني أعرفك : قلت أنا صعلوك وكاتب ، أقداري أحملها بين أصابعي حروفا جاهزة للاصطفاف ، سأعود فورا من المحارق والمقاصل والمقابر ، وأبقى هنا ماثلا ومتماثلا كي أتعرف عليك ، فقط سأنتظر وقتا غير هذا الوقت وزمنا غير هذا الزمان القذر، أنا لا أصلح الآن لغير الحزن، روحي كالحة، أنا غريب أمام أبواب مقفله دائما، لماذا يتصور المرء أن الآخرين معنيون دائما بالاستماع إليه، معنيون بتذكر الأشياء التي يسرها إليهم، ولماذا يحزن – على الأخص – حين يخبرهم أشياء عن نفسه فلا يعبأون بها، هل يستمع الحاكم –لا قدر الله – إلى شعبه ، الأب –لا سمح الله – الى ابنه أو المدرس إلى تلميذه، هل يسمع أحد لأحد هذه الأيام، من فرط القرف والحزن؟

أريد ان أخرج سائرا في لا اتجاه ، أفقد ذاكراتي وأتوه ، تشد الغيوم نظري اليها  فأرى العمر وهو ينقضي أمامي بلا إدراك أو فائدة، أتساءل بالليل والنهار ما هو الشيء الذى يمكننا أن نقول عنه أنه أكبر من الحياة، هل هو الحرية ، هل الكرامة  هل العدل؟ أنا لا أفهم أبدا ولا أعرف ما هو الشيء الذى يعتبر أكبر من الحياة؟

أترك الكلام عن الحياة لأنني لست – ككل المصريين – لست مؤهلاً للكلام عن الحياة، ولا أعتقد أن إنسانا ولد وتربى في مصر يمكنه الكلام عن الحياة. سأخبركم عن أشياء عجيبة لا تحدث إلا لإنسان مثلى ولد وتربى في هذا البلد، أنا أحتفظ بالإحباط فى الكلية اليسرى، والقلق في الكلية اليمنى، وكل ذكرياتي موجودة في البنكرياس؛ أما الاهانات اليومية الصغيرة فأتركها تذهب الى كبدي.

هناك مكان لكل شيء عندي، صحيح أن الأشياء التي تحدث للإنسان كثيرة جدا، لكنك سوف تعجب من قدرة الجسد على الاحتفاظ بكل تلك السموم، هناك مكان لأى شيء على كل حال، أتخيل نفسى أحيانا جثة على طاولة التشريح، وأرى نفسى أراقب انفعالات الأطباء، وهم يخرجون الأشياء العجيبة التي اخبئها في جسدي، أريد أن أنهض من موتى فجأة حتى يصابون بالهلع ويسقطون على الأرض من شدة الخوف، سأموت من الضحك وأنا ميت، طالما لم أعرف الضحك وأنا حي. هل تعرفون أين يختبئ الخوف، وأين هو الحزن داخل الجسد، أين يختبئ القهر، ومتى تهب ريح عظيمة من كل النوافذ فتبعثر الأوراق التي كتبتها، ويبقى كرسي مكتبي وحيداً يلف حول نفسه في بطء حتى يتوقف في النهاية  فارغاً وخالياً وصامتا ًكالقهر الذى عشته؟

الحرامي رفيع المستوى
نحن نعيش الآن في مجتمع الفرجة كما يقول جان بوديلايارد، كل شيء هو مجرد تمثيل، ووهم ، نحن جميعا متفرجون ، يكتب أحدهم أن أربعة مليارات جنيه مصري ، أو بالتحديد (750,000,000) دولار -سَبعمئة وخمسين مليون دولار أمريكي- تم تهريبها مؤخرا من مصر إلى الخارج بمعرفة مسئول مصري رفيع المستوى، كيف يكون الحرامي رفيع المستوى إلا في مصر؟

“المبلغ الملطوش” كبير إلى درجة مدهشة لدرجة أن البنوك في الخارج ترفض إيداع المبلغ لديها نظراً لضخامته ، هل تلك حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، أم أنها حكاية حقيقية، لم يعد الأمر يحتمل السكوت، ولم يعد من المقبول أن يكون تحت يد أي مصرى مستندات لجريمة من هذا النوع ويكتب عنها بلغة الإشارة والرمز، ( مسئول رفيع، سفارة في بلد أجنبي، أنا لا أريد أن أنشر ما تحت يدى من مستندات)، هذا هو “اللوع” الذى حكى عنه الراحل صلاح جاهين.

الأمر لم يعد يحتمل السكوت، ولم يعد يحتمل التواطؤ، لا يمكن أن يسكت إنسانا لديه ضمير على جريمة من هذا النوع بعد ثورة راح ضحيتها الآلاف من المصريين بخلاف عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمعتقلين، لا يمكن أن يكون من أصحاب الضمير كل من يسكت على هذا الفساد .
لماذا يلفنا بعض كتابنا في متاهات من الغموض والإثارة وكأنه من كتاب الروايات البوليسية، نحن في حال من الإحباط واليأس وفقدان الأمل وخيبة الأحلام، لم نعد نحتمل أن يتلاعب بنا الآخرون، إما أن نمارس قمة الانضباط والشرف في الكتابة عن حق هذا الشعب وإما أن نصمت. لم نعد نحتمل هذا التلسين، وتلك التوريات والإشارات والرموز ، من هو اللص الرفيع المستوى ، ومن الذى يحميه ، من هو الذى يسرق أربعة مليارات ويرسلها إلى الخارج؟
 إما أن تصرح وتنشر تفاصيل واضحة وحاسمة وكاملة، وإلا فأنت شيطان أخرس، ونحن مجرد دمى في مجتمع الفرجة .

____________________

* كاتب مصري 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه