الجماهير ومماليك الرئيس

محمد منير*

فرق بين أن تُحمل على أكتاف الجماهير وأن تُحمل على رقاب المماليك، الجماهير ستحملك إلى أعلى حتى تبلغ عنان السماء، والمماليك ستلقى بك إلى أسفل حتى تهبط إلى سابع أرض، وما أدراك من هم مماليك هذا الزمان!

صرحت الفنانة إلهام شاهين بأن سفر الفنانين إلى ألمانيا لتشجيع الرئيس عبدالفتاح السيسى في مباراته أمام المستشارة الألمانية ميركل، كان ضمن وفد شعبي نظمه وتحمّل تكلفته بالكامل ابن الشعب رجل الأعمال محمد الأمين، وأن الغرض من سفر الفنانين هو جذب جمهور المصريين في ألمانيا “للفرجة” عليهم، فيؤدى ذلك إلى تجمع من المصريين حول الرئيس فلا يهن ولا يحزن ولا يشعر بالوحدة أثناء تباريه مع الفرنجة، وأكدت أنه موقف وطني شعبي!

أتذكر وأنا صغير كانت الصحف تكتب عن خط سير الموكب الشعبي للرئيس جمال عبد الناصر في المناسبات القومية، وكنت أحرص أنا وأصدقائي على الذهاب لأى مكان يسير فيه الموكب لمشاهدة “ناصر”، وكان ذلك يتم بشكل عفوي وإرادة فردية، بصرف النظر عن تقييمنا لسياسات الرجل بعد اكتمال وعينا السياسي، إلا أن الشاهد أن الجمع الغفير الذى كان يحيط بالرئيس لم يكن جمعاً مدبراً ولا وراءه محمد الأمين ولا أي أمين في ذلك الوقت، فقد كانت «فلوس» الشعب عزيزة لا تعرف طرق البذخ المريب، وأتذكر أيضا رحلات الرئيس جمال عبد الناصر إلى دول خارجية وجمهور هذه البلدان يستقبله دون حشد من رجال أعمال، فقد كان اسم الرجل مرتبطا بسياسات تلقى رضاءً عالميا، وخاصة من دول العالم الثالث، مثل حركة عدم الانحياز والتضامن الأفروآسيوى ومعظم حركات التحرر، ربما اصطحب الرجل في الستينيات وفودا فنية معه في بعض الرحلات، ولكنها كانت ضمن تبادلات ثقافية وداخل سياق طبيعي آنذاك .

من محمد الأمين؟
المبرر الذى تقوله “إلهام” المتحدثة الرسمية باسم “أولتراس السيسى” إن الوفد على نفقة أحد رجال الأعمال  هو في حد ذاته مبرر يحتاج إلى توقف، فمن أين كل هذه الملايين التي أنفقها رجل الأعمال وهانت على جيبه الشخصي من أجل دعم السيسي؟ ولماذا يدعم رجل أعمال رئيس دولة بكل هذه الملايين؟ ومن الذى نصب هذه الفئة من الفنانين- إن صحت التسمية- كممثلين للإرادة الشعبية المصرية؟ وهل تصورت الإدارة المصرية أن الغرب غافل في ظل ثورة الاتصالات عن تفاصيل الموقف الشعبي من الحكم فدخلت برجالها ونسائها إلى الأراضي الألمانية على طريقة الزفة الشعبية وهى تهتف لعريسها “يا حبشتكا .. يا حبشتكا نورك غطى ع الكهربا”؟!

محمد الأمين اسم هبط على الساحة الإعلامية  بعد عام 2011، فأمواله تفوق أموال على بابا في السيرة الفلكلورية، وأصبح الأمين خلال عامين المسيطر الأساسي على حركة الإعلام المصري التي قادت الخطة المحكمة منذ هبوط النظام المصري، فترة حكم مبارك 2011 وصعوده معافيا مرة أخرى بعد ثلاث سنوات مع “السيسي”، من أين الأموال وإلى أين الأموال؟!

 لست أدرى، فلا عجب أن يمول الأمين رحلة ألمانيا بهذه الملايين ليصدر للعالم صورة عن موقف الشعب المصري تدعم النظام العائد، ولا عجب أيضا أن يغض النظام الحاكم لبلد مأزوما اقتصاديا النظر عن مصادر وحركة هذه الأموال الطائلة ويتغاضى عن الأزمات الاقتصادية التي يعيشها الشعب والتي وصلت إلى حد انتحار أشخاص بسبب الحاجة.

النقاش والموظف
منذ بضعة أشهر وقعت في يدى نسخة من جريدة الأهرام عام 1965 ولمحت خبراً صغيرا في الصفحة الأولى عنوانه “مكافأة 50 جنيها للنقاش الأمين”.. ومفاد الخبر أن نقاشاً كان يدهن شقة موظف كبير في الدولة، فوجد في أحد الأماكن «علبة صفيح» بها 5 آلاف جنيه، فأبلغ عن الموظف الذى خضع لتحقيق، من أين لك هذا، وخاصة أنه موظف له راتب محدد، وثبت أنه مختلس، هكذا كان دور الدولة في حماية أموال الشعب، فلا يوجد شيء اسمه الربح المطلق ولا البذخ المبالغ فيه، ولا الأموال مجهولة المصدر.

ربما يرى البعض في هذا نوعاً من المبالغة والتضييق، ولكنه في النهاية عدل نتائجه أفضل من وجود شخص مثل هذا “الأمين” الذى ينفق الملايين على تأييد، وتثبيت كرسي الحاكم، بينما غالبية الشعب تعانى من المرض والجوع والجهل والانهيار المجتمعي.

الفرق بين المشهد الجماهيري في  المواكب الشعبية والالتفاف حول الحاكم في الستينيات وبين ما يحدث الآن إنما هو انعكاس لطبيعة الفئات التي ينحاز إليها الحكم .

__________________

*كاتب وصحفي مصري 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه