الجزيرة.. علبة الكبريت التي تشتعل في الطغاة

ماذا كان يقصد حسني مبارك حين زار مبنى شبكة الجزيرة عام 1999 ووصفها قائلا: ” علبة الكبريت الصغيرة هذه، تتسبب في كل هذه المشكلات”؟!

هل كان يقصد بالكبريت الاشتعال، وأنها قناة مولعة الدنيا..؟ أم قصد أنها تنطلق من مبنى صغير في حجم علبة الكبريت،وهو قول يحيلنا إلى قول الإعلام المصري الذي عجز تماما عن صناعة قناة مثلها، بأن قطر كلها ما هي إلا غرفتين وصالة، وهو قول لمحمود السعدني في عهد أنور السادات، حين حدث خلاف بينه وبين دولة قطر وقتذاك.

بصرف النظر عن مقصد مبارك من علبة الكبريت، إلا أنه لم يكن أبدا يفضل قناة الجزيرة، ولا حمل لها أي حب أو تقدير، والثابت أن مبارك ذهب، وبقيت الجزيرة تسجل لحظة سقوطه وغيره من الطغاة.

عام 2009 في برنامج بلا حدود سأل أحمد منصور الشيخ حمد بن جاسم، وكان وقتذاك رئيسا لمجلس الوزراء ووزيرا للخارجية القطرية عن أنهم حلوا مشاكلهم مع السعودية واتجهوا إلى مصر ونظام حسني مبارك، فحدثه عن قيمة مصر ومكانتها الكبيرة، وكذلك عن قيمة ومكانة المملكة العربية السعودية.. ولم يتوقع أن يأتي اليوم الذي تتفق فيه السعودية ومصر، ومعهما الإمارات والبحرين على حصار قطر، وتحديد أهم مطلب لهما: إغلاق قناة الجزيرة بالضبة والمفتاح.

بيع الجزيرة

في نفس اللقاء قال الشيخ حمد بن جاسم لأحمد منصور: أتمنى أن يوافقني سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة على بيع قناة الجزيرة، وقد عُرض علينا المليارات مقابل بيعها؛ لكن الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رفض تماما فكرة بيعها أو التخلي عنها، فهو صاحب الفكرة وغارس الشجرة التي أينعت وكبرت وصارت رمزا عظيما، وقناة عالمية وليست عربية فقط لدرجة أنك تجلس لمشاهدة فيلم سينمائي صنع في هوليود، فإذا خلفية المشهد شاشة تلفاز عليها قناة الجزيرة الإنجليزية.

في لقاء آخر عام 2017 مع تلفزيون قطر عاد الشيخ حمد بن جاسم للقول إن الجزيرة سببت لهم العديد من المشاكل لأنها تنقل الرأي والرأي الآخر، وهو ما لا تتقبله الأنظمة العربية.

وفي حديث لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وردا على سؤال تشارلي روز حول مطلب دول الحصار لإغلاق الجزيرة، جاء رده قاطعا حاسما كالسيف البتار: لن نغلق الجزيرة.

ثم توالت الأحداث في السعودية، فاعتقل الأمير محمد بن سلمان روتانا وإم بي سي وأيه أر تي، أي الأمراء الذين يمتلكون هذه القنوات، وقبلهم طالب بإغلاق الجزيرة، وكأن هناك عداء مع الإعلام سواء الإخباري أو الترفيهي.

في نفس السياق وصف الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة بأن ما يحدث للجزيرة، ومحاولة قولبتها بأنها ليست حزبا سياسيا ولا أداة بيد أحد. لم ينف بصراحته المعهودة، وهو غير المحب للكاميرات والأضواء، عن الجزيرة بأنها تخطيء، وهذا شيء طبيعي لأن من يقومون على الجزيرة ليسوا ملائكة؛ بل كشف الشيخ حمد بن ثامر لبرنامج ما خفي أعظم بأنه في أحايين كثيرة تأتيهم اتصالات تعرب عن عدم ارتياح من تغطية معينة سواء من قطر أو من دول عربية أو دول العالم

   “تأتينا ملاحظات، ونحن حقيقة نتقبل وجهة نظرهم إذا كانت هناك أي ملاحظة نرى بأنهم كانوا محقين فيها، نتداركها، وإذا كانت تغطيتنا مهنية بشكل جيد نستمر في طرحنا”.

صناعة الربيع العربي

من التهم الموجهة إلى الجزيرة أيضا أنها من صنعت الربيع العربي، وقد رد الشيخ حمد بن ثامر عن ذلك “هناك من قال إن الجزيرة هي من صنعت الربيع العربي وهذا شرف لا ندعيه. مضيفا: نحن في الجزيرة غطينا الأحداث وسلطنا الضوء على ما يحدث في الربيع العربي، في نهاية المطاف نحن قدمنا هذه التغطية الإعلامية بهذه المهنية من أجل إيصال الصورة الحقيقية للمواطن العربي”.

الهجمة على قناة الجزيرة شرسة وقوية، ولعل هذا ما جعل المسؤولين في قطر، وغيرهم ممن ينحازون إلى الجزيرة ودورها الفاعل في حماية الشعوب وتأكيد حقها في الحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية ينتفضون لأجلها.. وأنا منهم، وقد وجدتني أثناء موقعة الجمل عام 2011 أظهر على شاشتها، بعد علقة لم يأخذها حمار في مطلع، من بلطجية مبارك، مهموما وصارخا في أصحاب الضمائر أن هلموا لإنقاذنا من بطش مبارك ونظامه.

كانت الجزيرة صوتنا أثناء ثورة 25 يناير، وكانت كذلك في ثورات تونس وليبيا وسوريا.. وستظل.

الجزيرة فيها الكثير من الأخطاء، وفيها الكثير من العثرات، لكنها ستظل دوما وأبدا صوت من لا صوت له من الشعوب المقهورة، والسلاح القوي في مواجهة جيوش الديكتاتورية والاستبداد في العالم.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه