الجزيرة” التي خانت عرابي في “التل الكبير”!

سليم عزوز*

لا أستبعد أن يطل علينا أحد الإعلاميين، في فضائيات الثورة المضادة، التي تدار من مكتب عبد الفتاح السيسي مباشرة، بالإعلان عن أن قناة “الجزيرة” كانت وراء هزيمة الزعيم المصري الراحل “أحمد عرابي” في موقعة “التل الكبير”، وهي الهزيمة التي كانت سبباً في الاحتلال الانجليزي لمصر، سنة 1882!.
أحدهم أعلن في الأسبوع الماضي، وللتأكيد على خيانة حركة حماس للمقاومة، أنها من سلمت القائد “عز الدين القسام” لجهاز الموساد الإسرائيلي، والذي تمكن منه وقتله، مع أن القسام قد استشهد سنة 1935، قبل اختراع إسرائيل، وقبل قيام حركة حماس، التي تأسست سنة 1987.
وفي الأسبوع الماضي أيضاً، احتشدت فضائيات الثورة المضادة ضد قناة “الجزيرة”، باعتبار أنها وراء ما يحدث في مصر، وأنها تقف وراء ما جرى في سيناء، فقد كبر مراسلوها والمسلحون يقصفون مواقع للجيش المصري، مع أن أي محرر تحت التمرين يعلم أن الصور التقطت بواسطة مصورين هواة، هم من رفعوها على موقع “يويتوب”، وفي رحلة البحث عن الحقيقة عثر عليها صحفيو “الجزيرة” فنقلوها للمشاهد، وفكرة البحث هذه لا يعرفها إعلاميون تربوا على انتظار التوجيه من الجنرال “عباس كامل” مدير مكتب عبد الفتاح السيسي!.
ويبدو أن التوجيه جاء بالهجوم على “الجزيرة” لتصبح شماعة لفشل القوم، فاحتشد إعلاميو الغبراء للهجوم عليها، وتحميلها فشل السيسي في البر والبحر، ولا استبعد أن يجرى اتهامها بأنها تقف وراء فشل الاختراع العملاق الذي سيقضي على الفيروسات بالكفتة، كما أنها تقف وراء المشروع الطموح للسيسي نفسه بمواجهة أزمة الطاقة باللمبات الموفرة، وحل أزمة البطالة بألف عربة خضار، “تغدو خماصاً وتعود بطاناً”، تمهيداً لاتهامها بأنها من خانت “عرابي” في موقعة “التل الكبير”!.
في الصف السادس الابتدائي، درسنا هزيمة القائد المصري في الموقعة سالفة الذكر، التي نسينا بمجرد الخروج من امتحان مادة “التاريخ” تفاصيل ما جرى غير أن عرابي تعرض للخيانة، التي نتج عنها هزيمته وأسره، ونفيه بعد ذلك. والخيانة هنا كانت من ديلسبس رئيس شركة قناة السويس، الذي رد على فكرة عرابي بردم القناة حتى لا تستخدم من قبل الأعداء، بأن القناة محايدة وأنه لن يسمح بمرور قوات العدو منها، وتبين أنه تواطأ مع قوات الانجليز، التي دخلت على الجيش المصري على حين غرة والقوم نيام، فأوقعت بهم هزيمة بلا مقاومة. ويقول المؤرخون أن “عرابي” لم يكن قد انتعل بيادته، عندما ألقى القبض عليه، ليكتشف أن الخيانة كانت مركبة، فبدو الصحراء أطلعوا الانجليز على مواقع الجيش المصري، وبعض ضباط هذا الجيش أيضاً خانوه بالتعاون مع القوات الغازية، ومن جانبه كان السلطان العثماني من بدأ بالخيانة، بعزل “عرابي” ووصفه بالقائد المتمرد، وبما أن “الجزيرة” في قطر، وبما إن قطر على علاقة جيدة بتركيا، وبما أن الأخيرة كانت مقراً للسلطان والسلطنة، فإن خيانة الفضائية القطرية لعرابي في “التل الكبير” ثابتة  وكانت من هنا!.
الجهل سيد الموقف
وقد يرى عابر سبيل متطفل على القراءة، أن ما سبق هو محاولة من كاتب ثقيل الظل لان يبدو ساخراً، لكن من المؤكد أنه عندما يصله نبأ اتهام حركة حماس بأنها من وشت بعز الدين القسام للموساد، سيقف بسهولة على أنه لا يوجد أمر مستبعد على الإعلام المصري، وهو تحت وصاية الانقلاب حيث تحول الأميون إلى مقدمي برامج، بعد أن أصبحت مهنة التقديم التلفزيوني هي مهنة من لا مهنة له، وبعد أن أصبح الجهل هو سيد الموقف في مصر الانقلاب!.
متطفل قرأت له تعليقاً في الأسبوع الماضي، بدا أنه يجد صعوبة في القراءة لي، مع أن أرض الله واسعة، بدلاً من التعامل مع ما اكتبه على أنها وصفة طبيب بديلاً عن “ماء الخروع”، الذي ما أن يشربه المرء حتى يطلب إقامة في الخلاء، ليقضي حاجته، التي تتحول إلى حاجات!.
ما علينا، فقد بات من الواضح، وقد وقف الجميع على أن الثورة في مصر بمناسبة الذكرى الرابعة لها لا تزال مستمرة، أن شيئاً ما في أعلى رءوس القوم قد توقف، فقدوا توازنهم وصاروا يقولون عبثاً، وخبير أمني كبير كان ضيفاً على أحد برامجهم قال أن ما جرى في سيناء يقف وراءه الإخوان، فداعش تتبع الإخوان، وتنظيم القاعدة هو تنظيم إخواني بالأساس، وأيمن الظواهري التقي بالرئيس مرسي في باكستان، كما أن أسامة بن لادن هو إخواني في الأصل والفصل، ولا تثريب عليهم فالجنون فنون، ومن قبل قالوا أن أوباما نفسه من الإخوان، وقد شوهد يجلس في حجرة مظلمة ويبايع المرشد العام على المصحف والمسدس وفي المنشط والمكره. وخرج من الحجرة المظلمة وهو يهتف: تكبير!.
“داعش” سبق لها أن كفرت الرئيس محمد مرسي. والظواهري في مرحلة تنظيم الجهاد له كتاب يحمل عنوان “الإخوان المسلمون.. والحصاد المر”، قال فيه في الجماعة ما قال مالك في الخمر، وكان ضد انخراط الإخوان في العملية السياسية في مصر بعد الثورة، وهو يعلم أن حكم مرسي كان سبباً في فقد تنظيمه لبريقه، والذي لم يعد له إلا بعد الإطاحة به، وإثبات أن الديمقراطية ليست في صالح الإسلاميين!.
بيد أن الانقلابيين أصابهم الخفيف، فذهبوا يقولون أي كلام، وإذا كان قد سبق لأحد مقدمي البرامج أن تحدث فأضحك الثكالى عن الأسطول الأمريكي، الذي جاء ليحمي وجود الإخوان في الحكم، لكن الضفادع البشرية المصرية مشكورة تمكنت من أسر قائده، وأمره الفريق “مهاب مميش “بأن يغادر فغادر تحت تهديد السلاح، فقد فوجئت بأحد المواقع الإعلامية الكبرى الموالية للانقلاب تعيد نشر هذا الفيلم الهندي من جديد في الأسبوع الماضي، نقلاً عن مذكرات هيلاري كلينتون، وقال الموقع إن هذا الكلام منتشر على صفحات “الفيس بوك”، مع أنه في المرة الأولى تم التأكيد على أن مذكرات كلينتون لا ذكر فيها لهذا “العته”، لكنه الانقلاب المأزوم الذي لجأ للتأليف والفبركة، ولا يعنيه بعد ذلك إن أضحك العالم، بعد أن بات واضحاً أن “البلاهة المنغولية” ضربت الانقلاب ودوائره!.
خيانة أردوغان
وأنا اكتب عن خيانة السلطان العثماني لعرابي، داهمني إحساس جارف بأن مدير مكتب السيسي سينظر إلي هذه المعلومة على أنها اكتشاف مذهل يتم استخدمه في الحرب على أردوغان، بالنظر إليه على أنه السبب في احتلال الانجليز لمصر، لأن جده هو من خان “عرابي” في التل الكبير، ومن المؤكد أن الجنرال عباس كامل وفرقته الإعلامية لا يتذكرون من الأمر سوى الخيانة ولا يعرفون من قاموا بها بعد الخروج من امتحان مادة التاريخ في الصف السادس الابتدائي. وعليه يكون التوجيه الجديد “بفرش الملاية” و”الردح” لأردوغان، وللخلافة وعاصمتها. وقد خفف من هذا الإحساس أن “عرابي” تعرض للخيانة أيضاً من ضباط في جيشه، أظن سلالتهم أنجبت قادة الانقلاب، تماماً كما يتملكني إحساس بأن من لا يتفهمون رفض الدوحة تسليم ضيوفها، أنهم لا يمكن أن يكونوا مصريين أصلاء، ولو كانوا لتفهموا مثل هذه القيم، لكني أعتقد أنهم من بقايا المماليك في مصر، والبحث في “السلالة البشرية” لهؤلاء بات أمراً ملحاً.
لا تثريب على جماعة الانقلاب، فهم يعيشون الآن في أزمة نفسية، بعد أن تأكد لهم أن الثورة مستمرة، وبعد أن فقدوا الحليف السعودي، وبعد أن فقدوا الحماس الأوربي والأمريكي لهم، فصاروا يتصرفون كالذي يتخبطه الشيطان من المس. احدهم قال إن حركة حماس لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل.
لا بأس فقد تركوا عبد الفتاح السيسي ليطلق هو الرصاص.
أرض- جو
• فازت قناة “مصر الآن” بحوار على الهواء مباشرة مع ديفيد هيرست، أفسده عدم استعانتها بمتخصص في الترجمة الفورية. ومما قاله هيرست أن السيسي فنان بارع. وأختلف معه في هذا فهو فنان غير موهوب، والفرق بين الفنان البارع والفنان غير الموهوب، هو الفرق بين إسماعيل ياسين ومحمد هنيدي.
• بعد أن لعن القناة التي يعمل بها “على السبحة”، مع أنها لم تتخل عنه، وبعد أن قدم فروض الولاء والطاعة لسلطة الانقلاب، وبعد أن توسط له نجيب ساويرس وقال إنه “واحد مننا”، لم يفرجوا عن محمد فهمي إلا بعد تنازله عن جنسيته المصرية ليصبح خواجة، فالبراءة للخواجات.
• دستور الانقلاب يعطي السيسي حق الإفراج عن المتهمين في أي قضية، ومن أي جنسية وفي أي مرحلة من مراحل التقاضي، ولم يكن الإفراج عن محمد فهمي يستدعي تنازله عن جنسيته المصرية، لكن السر الذي لا يعرفه كثيرون أن المتهم الثالث في هذه القضية “محمد باهر” هو ابن الإعلامي إلإخواني حازم غراب. وإذا عُرف السبب بطل العجب.
• ريهام سعيد ذهبت للقدس، وقد فوجئت بتشيرتات عليها علامات رابعة، فسألت عن “تشريتات السيسي”. لا تعلم المسكينة أن رابعة صارت علامة عالمية، في حين أن السيسي ” تقفيل مصانع بئر السلم” في مصر

_______________

*صحفي مصري
 
 
 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه