الثقة في الاقتصاد وأثرها على الاستثمار

أشار المؤشر الحكومي إلى ارتفاع مستمر، وقامت الحكومة بتوظيف تلك النتائج إعلاميا، ما أفقد المؤشر المصداقية، وأدى إلى توقفه منذ أكتوبر الماضي.. يتبع.

ممدوح الولي*

عندما يرى المستثمرون في العالم السلطات المصرية تقوم بالتحفظ على أموال وشركات العشرات من رجال الأعمال، برغم وجود نصوص قانونية ودستورية محلية تمنع ذلك، وعندما يرون اضطرابا أمنيا وقضاءً متحيزا، وتحريضا اعلاميا على رجال الأعمال الذين لم يتبرعوا لصندوق “تحيا مصر” الذى أسسه رأس النظام المصري، أو تبرعوا بمبالغ لم ترضه، ويرون قرارات فجائية بفرض ضريبة مبيعات على بعض السلع، وإعلان عن التجهيز لضريبة القيمة المضافة، أو زيادة بعض السلع الخاضعة لضريبة المبيعات، فإن ثقتهم تنخفض تجاه هذا الاقتصاد، وبالتالي فإنهم سيؤجلون قراراتهم الخاصة بالتوسع في شركاتهم القائمة بمصر، أو قراراتهم بإنشاء مشروعات جديدة، وقد يقوم بعضهم بنقل نشاطه إلى دولة أخرى.
ما ينطبق على المستثمرين الأجانب ينطبق على المستثمرين المصريين، وهو أمر يشمل  كبار رجال الأعمال وصغارهم في الوقت نفسه، فالحرفي الذى  كان يرغب في تجديد ورشته الحرفية، أو توسيع نشاطه، سيكون قراره تأجيل التجديد والتوسع حتى تتحسن الأمور.
وعلى مستوى الأفراد تحدث النتيجة نفسها بتأجيلهم  قرارات الشراء حتى تتحسن الأحوال، خاصة  شراء السلع المعمرة أو الشقق، ما ينعكس على ضعف مبيعات الشركات، وبالتالي اتجاه الكثير من الشركات لعدم توظيف عمالة جديدة، بل والاستغناء عن جانب من العمالة لديها، لينضم هؤلاء إلى صفوف العاطلين، ومن ناحية أخرى يقل المعروض من السلع والخدمات.
وهكذا تلعب الثقة في الأحوال  الاقتصادية، دورها الملموس في النشاط الاقتصادي، مع حالة التفاؤل أو التشاؤم، فمع التفاؤل يزداد النشاط، ومع التشاؤم ينخفض النشاط الاقتصادي حتى يصل لمرحلة الركود، كما هي الحال في السوق المصرية حاليا.
وتفسر حالة ضعف الثقة بالاقتصاد قيام رجال أعمال عرب، بدافع من حكوماتهم الخليجية، بعقد أكثر من مؤتمر للدعوة للاستثمار بمصر، لكنها لم تسفر عن الإعلان عن مشروع واحد. ومثل ذلك قدوم وفود رجال أعمال إيطاليين وأمريكيين وغيرهم لمصر.
وهكذا يمكن تتبع أثر مدى توافر الثقة على العديد من العناصر الاقتصادية، فمع ضعف الثقة في اقتصاد الدولة تقوم وكالات التصنيف الائتماني العالمية  بخفض درجة تصنيف تلك الدولة، ما يدفع الموردين بالأسواق الدولية لوضع شروط إضافية للتعامل مع  الشركات الموجودة بتلك الدول.
كما تقوم البنوك الدولية بزيادة سعر الفائدة لإقراض الشركات بتلك الدولة، كما ترفع شركات التأمين العالمية أسعار خدماتها التأمينية على البضائع الواصلة إليها، والنتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
ولأن بعض تلك الواردات هي مواد خام وسلع وسيطة تدخل فى تصنيع سلع أخرى، فإن أسعار السلع المنتجة ستزيد، وبالتالي تقل تنافسيتها محليا ودوليا، ما يضعف الصادرات.
وعندما ترغب دولة تقل الثقة في اقتصادها في الاقتراض من الخارج، في صورة سندات، فإن المشترين لتلك السندات يضيفون علاوة مخاطر على سعر الفائدة، فترتفع نسبة الفائدة، كما حدث  مع اقتراب فائدة السندات الدولارية التي طرحتها مصر مؤخرا من حوالي6%  بينما تدور الفائدة على الدولار في الأسواق الدولية حول نسبة الربع في المئة.
ومع ضعف الثقة يقل معدل الودائع المصرفية، ويزداد الميل إلى الإيداع بعملات أجنبية، كما تنخفض حركة السياحة وبالتالي تقل موارد النقد الأجنبي، فتزيد فرص تراجع سعر صرف العملة المحلية تجاه العملات الأجنبية.
ولأهمية عامل الثقة تقوم شركات عالمية بقياس ثقة المستهلكين، منها شركة “نيلسن” التي  تقوم بقياس تلك الثقة في 60 دولة، وتعلن نتائجها على شكل مؤشر لثقة المستهلكين بشكل ربع سنوي، وتمنح كل دولة درجات من صفر إلى 200 درجة، وكلما زاد التفاؤل بين المستهلكين كلما زادت الدرجة.
وفى تقرير الربع الأول من العام الحالي حصلت مصر على 90 درجة، بينما يشير مؤشر “نيلسن” إلى أن حصول الدولة على أقل من مئة درجة  يعنى دخولها حالة التشاؤم، وتخطى رقم المئة يعنى دخولها حالة التفاؤل .
وقام مركز معلومات مجلس الوزراء المصري بإصدار مؤشر شهري لقياس ثقة  المستهلكين في الأداء الاقتصادي، وذلك من خلال الاتصال التليفونى بألف شخص، وسؤالهم بضعة أسئلة تتعلق بتوقعاتهم بشأن الوظائف لتوفير فرص عمل، ومدى ثقتهم في الأوضاع المالية الخاصة بهم ، وتوقعاتهم بشأن الاستثمارات والأداء الحكومي.
وأشار المؤشر الحكومي إلى ارتفاع مستمر خلال العام الماضي، وهى نتائج لا تتسق مع الواقع الاقتصادي، وقامت الحكومة بتوظيف تلك النتائج إعلاميا دلالة على حسن أدائها وعن رضا الجمهور الكبير عنها، ما أفقد المؤشر المصداقية، وأدى ذلك إلى توقفه منذ أكتوبر من العام الماضي.
وتضمن الإصدار الأخير للمؤشر في أكتوبر الماضي،  تفسيرا من قبل الذين قاموا به  لما أسفر عنه من ارتفاع لمستوى الثقة فى الأداء الاقتصادي، أن ذلك يعود الى زيادة حجم الاستثمار، وافتتاح مشروعات جديدة على رأسها محور قناة السويس، وهو ما يعد فضيحة من قبل جهة من المفترض فيها  الحياد. لأن محور قناة السويس كان لم يتم إعلان مخططه العام بعد، ومازال رسومات على  لوحات هندسية، بينما يقول مركز معلومات التابع لمجلس الوزراء إنه تم افتتاحه، وفى موضع آخر يفسر ذلك الارتفاع للمؤشر بتحقيق الاستقرار السياسي!

_______________________________

*خبير اقتصادي ونقيب الصحفيين المصريين سابقاً 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه