التماهي الشيعي – الشيوعي ضد أردوغان

عبد القادر عبد اللي*


تباهى صديقي الشيوعي بمشاركته الفاعلة في احتجاجات “غزي/ النزهة” أو باسمها الآخر “تقسيم” محتجاً على اقتلاع الأشجار الذي ستقوم به بحسب قوله: “الحكومة التركية التي تسعى إلى فرض نظام ديني محل النظام العلماني القائم”، وهو يريني صوره حاملاً اللافتات، أو واقفاً تحت صور كبيرة يخطب أثناء تلك الاحتجاجات. ابتسمتُ، وقلت له: “إنك ضد نظام ديني محتمل، وتريد نظاماً دينياً أكيداً، هل تخليت عن الشيوعية؟” انتفض، واحتج، وأرعد وأزبد، واعتبرني داعشياً أفتري عليه وأنه مازال شيوعياً. بكل هدوء، وعلى غير عادتي، أشرت إلى الصور التي يرني إياها كلها، فهو إما تحت صورة للأمام علي “رض”، أو يحمل لافتة موقعة باسم “اتحاد الجمعيات العلوية”، وأشرت له إلى الصورة العملاقة المغطية واجهة دار الأوبرا المسماة: “مركز أتاتورك الثقافي” لسيدنا علي “رض” أيضاً. تجمّد، وارتبط لسانه، فاستغليت حالة جموده، وقلت له هل الإمام الفقيه شيوعي علماني؟
عادت أحداث “تقسيم” والتي قدمتها وكالات الأنباء العالمية يومئذ على أنها الربيع التركي إلى الواجهة من جديد إثر حادث اختطاف المدعي العام (وكيل النيابة) الذي كان يحقق بقضية مقتل فتى في تلك الاحتجاجات، وصرّحت جهة التحقيق واستناداً إلى تقرير الطب الشرعي بأن الفتى قد مات بالخطأ نتيجة وقوع مقذوف غاز مسيّل للدموع على رأسه مباشرة، والولد بحسب عائلته كان في طريقه لشراء الخبز أي لم يكن له علاقة بما يجري.
قامت بعملية اختطاف المدعي العام منظمة “جبهة وحزب التحرر الشعبي الثوري” في تركيا، وهي التي تبنت الانتقام للفتى. وهكذا مع عودة تلك الاحتجاجات إلى راهن الأحداث عاد اسم هذه المنظمة “الشيوعية” إلى التداول أيضاً. قُتل المدعي العام، وقُتل المهاجمان في عملية تحرير الرهينة.
اندلعت احتجاجات “تقسيم” لسببين أعلنتهما اللجنة المنظمة رسمياً. الأول: نقل عدة أشجار من حديقة غزي الواقعة في ساحة تقسيم، واعتبر الأمر تهديداً للبيئة. الثاني: تسمية جسر البوسفور الثالث المزمع إنشاؤه باسم السلطان سليم الأول. وللتذكير فإن سليم الأول هو قائد معركة جالدرين (تشالدران) التي انتصر فيها العثمانيون على الدولة الصفوية في بداية تأسيسها بقيادة الشاه إسماعيل، ومازالت هذه المعركة تشكّل جرحاً لا يندمل في الوعي الفارسي. ومع احتجاجات تقسيم، رُوّج لقب جديد للسلطان سليم الأول، وهو: “قاتل العلويين”.
منذ بدء الاحتجاجات في سورية، دخلت العلاقات التركية الإيرانية منعطفاً حرجاً من التوتر نتيجة اتخاذ تركيا موقفاً معارضاً لسلوك السلطة السورية، ووصل هذا التوتر إلى ذروته قبيل انطلاق عملية “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين في اليمن، وبات من المتوقع تصعيد التوتر على الساحة التركية. فتحرك جزء من العلويين الأتراك في عمليات احتجاجية متعددة، وصلت ذروتها في احتجاجات “تقسيم”، إضافة إلى عودة الحياة لمنظمة جبهة وحزب التحرر الشعبي الثوري التي كانت قد فقدت قدرتها على تنفيذ أية عمليات عسكرية ضد السلطات التركية منذ مطلع الألفية الثالثة. وقد كان بعض قيادات هذه المنظمة في دمشق، ولوحقوا، وهرب منهم من هرب، وألقي القبض على من ألقي القبض عليه إثر شهر العسل التركي السوري.
مع عودة العداء بين النظام السوري وكيل إيران في دمشق، والحكومة التركية انتعشت منظمة جبهة وحزب التحرر الشعبي الثوري من جديد، وعادت لممارسة نشاطها من دمشق واللاذقية، بدأت بتنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف محددة. فقد افتتحت عملياتها في مطلع شباط بعملية انتحارية على مدخل القسم القنصلي للولايات المتحدة الأمريكية نفذها عنصر قادم من دمشق تواً، وقتل حارس تركي، وجرح آخر، وتابعت في 19/ 3/ 2013 بإلقاء قنبلة على وزارة العدل التركية، وقذيفة لهب على الطابق السابع من مقر حزب العدالة والتنمية الرئيسي حيث تقع غرفة رئيس الحزب رجب طيب أردوغان، وها هي أخيراً تهاجم المدعي العام، وتختطفه… ولعل العملية الأخيرة هي الأخطر، فقد سقطت فيها ضحية مهمة، إضافة إلى العنصرين المهاجمين.
لابد من قراءة التزامن في الأحداث، فبعد أن اضمحلت هذه المنظمة “الشيوعية”، وذابت، ولم يعد يذكر اسمها أحد، عادت إلى واجهة الأحداث بالتوازي مع ما يدور في المنطقة، والربط بين العملية الأخيرة واحتجاجات “تقسيم”، ومقتل الفتى لا يمكن إلا أن يذكّر بالعامل الإيراني، والتصعيد الأخير بين تركيا وإيران إثر مطالبة الرئيس التركي إيران بالانسحاب من الدول العربية التي تتدخل فيها، ومطالبة رئيس لجنة العلاقات الخارجية فيما يسمى المجلس الإيراني بإلغاء زيارة الرئيس التركي المقررة إلى إيران، وارتفاع حدة الهجوم الإيراني على الحكومة التركية، حتى ليبدو أن الذي شن عملية “عاصفة الحزم” هم الأتراك، وليس السعوديين والخليجيين.
عندما كنا صغاراً، طالما سخرنا من زملائنا الذين لا يميزون بين الشيوعي والشيعي، وكنا ننظر إليهم باستعلاء ونوصمهم بالجهل. اليوم، وبعد تماهي الحالتين الشيوعية والشيعية تماماً، كلما تذكرت تلك المواقف، أشعر بالخجل، وإن كنت لا أرى وجهي، فإن شعوري بالحرارة فيه دليل على أنه امتقع بالحمرة، وأقول لنفسي: “آه كم كنا أغبياء!”
لم يعد مستغرباً ارتباط الأحزاب الشيوعية بالإمام الفقيه، فباتت في كثير من المناطق تُحْيِي عاشوراء، وتحَيّي الإمام الفقيه بالمناسبات الدينية المذهبية الخاصة، والملاحظ أن تلك التحيات تشبه كثيراً التحيات التي كانت هذه الأحزاب تزفها للرفيق الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي باعتباره قائد الشيوعيين العالميين، ويبدو أن الإمام الفقيه اليوم أصبح الإمام العام للشيوعيين العالميين

________________________

*كاتب سوري متخصص في الشأن التركي

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه