التسريب الذي أقال رئيس المخابرات

في زحمة التسريبات التي شهدها الشهر الأخير من العام الذي ودعناه قبل أيام، لم نتوقف كثيرا عند التسريب الأخطر الذي أطاح برئيس جهاز المخابرات العامة اللواء فريد التهامي فورا بعد أن فجر فضيحة كبرى وصفت بالمذهلة نتيجة تسريبه معلومات خطيرة.

*د.أسامة رشدي

 

في زحمة التسريبات التي شهدها الشهر الأخير من العام الذي ودعنا قبل أيام، لم نتوقف كثيرا عند التسريب الأخطر الذي أطاح برئيس جهاز المخابرات العامة اللواء فريد التهامي فورا بعد أن فجر فضيحة كبرى وصفت بالمذهلة نتيجة تسريبه معلومات خطيرة نشرتها صحيفة المصري اليوم في عدد السبت 20 ديسمبر الماضي نقلا عن ما وصفته بمصادر أمنية رفيعة المستوى في جهة سيادية وهو الوصف الذي يطلق على جهاز المخابرات العامة ويشير لرئيسه.
وقد أشار المصدر رفيع المستوى في معلوماته الخطيرة لدور جهاز الأمن الوطني –أمن الدولة المنحل- بشكل مباشر عن المسئولية في تفجير مدرية أمن الدقهلية في 24 ديسمبر 2013، والذي أسفر عن تدمير جزء من مديرية الأمن واستشهاد 14 من رجال الشرطة وإصابة 130 آخرين، وخرجت بعدها بساعات حكومة الببلاوي مستبقة أي تحقيق لتعلن عن مسئولية جماعة الإخوان المسلمون عن الجريمة وقرارها باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وقيام “المواطنين الشرفاء” بسلسلة من عمليات حرق استهدفت منازل ومقار عمل عدد من المحسوبين على الإخوان المسلمين، وترتب علي ذلك أيضا مصادرة أموال وممتلكات ومشاريع الآلاف من المواطنين بزعم أنهم ينتمون أو أعضاء في جماعة الإخوان، في مشهد قمعي واستبدادي لم تشهده مصر في تاريخها.
لقد وصفت صحيفة “المصري اليوم” المعلومات التي أدلى بها المصدر رفيع المستوى في الجهاز السيادي بالمذهلة، وهي بالفعل كذلك فقد كشف المصدر أن الانتحاري الذي نفذ الحادث ويدعى إمام مرعى إمام محفوظ وشهرته “ابومريم” وهو من منطقة المطرية بالقاهرة،  كان عميلا لجهاز الأمن الوطني، وأنه سبق ضبطه مرتين منفصلتين من قبل قطاع مباحث شرق أثناء مشاركته في المظاهرات في إشارة إلى أنشطة القوى الداعمة للشرعية، وأن تعليمات صدرت من قيادات عليا في قطاع الأمن الوطني، إلى ضباط قطاع شرق في 2013 بضرورة إخلاء سبيل المتهم في المرتين، وأوضحت المصادر السيادية أن اللواء أسامة الصغير، مدير أمن القاهرة، في ذلك الوقت، تلقى اتصالات من اللواء خالد ثروت رئيس قطاع الأمن الوطني، تطالبه بضرورة صرف المتهم من قطاع شرق، وإخفاء محضر الضبط أو تمزيقه، وهو ما حدث بالفعل، وتم إطلاق سراح المتهم في المرة الأخيرة في نوفمبر 2013 أي قبل شهر من تفجير مدرية الأمن.
وعلى ضوء ما كشف فيمكن إعادة الرواية الحقيقية لجريمة المنصورة كالتالي: أن من قيل أنه انتحاري وفجر نفسه في مدرية الأمن، تأكد أنه ليس سوى عميل للأمن الوطني، ظن أن كل مهمته ستنحصر في الاندساس في المظاهرات أو محاولة اختراق المجموعات المنظمة للاحتجاجات وإبلاغ المعلومات المطلوبة لمن يشرفون على تشغيله من صغار الضباط، وربما لم يفهم الغبي أنه يتم تجهيزه على أعلى مستوى لمهمة أخرى جعلت رئيس قطاع الأمن الوطني شخصيا يتدخل لإخلاء سبيله وتمزيق المحضر الذي سجل ضده نهائيا، ولم يكن الزج به في المظاهرات الا جزءا من المشهد المطلوب، وهي تشييعه لمثواه الأخير في سيارة مسروقة تعطى له لكي يتوجه بها في المكان والزمان المحدد بأي حجة للقاء ضابط أو انتظاره، ثم جرى تفجيره عن بعد، ليموت وتموت قصته، ثم تبدأ ماكينة الببلاوي وحسام عيسى ووزير الداخلية والمؤتمرات الصحفية والدعايات الإعلامية. ولكن الله من ورائهم محيط.
ولم تكن لصحيفة مثل “المصري اليوم” أن تنشر معلومات خطيرة وتشير بأصابع الاتهام لرئيس جهاز خطير مثل الأمن الوطني إلا كجزء من صراع المؤسسات ومراكز القوى، فلا يتحمل صحفي الآن أيا كان مركزه القدرة على نشر مثل هذه الأخبار بدون حماية كافية. وفي نفس الليلة أقيل اللواء فريد التهامي، بينما كان من المفترض أن تتم إقالة اللواء خالد ثروت رئيس جهاز الأمن الوطني والمتهم في هذه الفضيحة الكبرى التي كان يفترض أن تطيح بالجميع، ممن يقتلون ضباط الشرطة وجنودها ثم يمشون في جنازاتهم العسكرية، ويمنحون أولادهم بعض الأموال والأنواط من قوت الشعب الذي يقتل هنا أو هناك.
 وسيقول البعض أن تنظيم “بيت المقدس” أعلن في أبريل الماضي عن تبنيه للمسئولية عن العملية، وهو كلام ساذج فهل أنصار بيت المقدس يشاركون في التظاهرات ويقبض عليهم ثم يخلى سبيلهم بتدخل أكبر قيادات الأمن الوطني قبل شهر من التفجير، وهل يعجز من فعل كل ذلك بإصدار بيان او فيديو لإعلان المسئولية عن حادث ما.
إن تسريبات قناة “مكميلن” ومن بعدها تسريبات الشرق وبينهما تسريب المصري اليوم ليست إلا كاشفة عن حجم الانقسام واتساع الخرق الآن في مصر بين مراكز القوى وأجهزة السلطة والتي يتطوع بعضها الآن بكشف المستور، ليكتشف المصريون بعدها أنهم أمام حالة انهيار حقيقي لجهاز الأمن، وأجهزة المخابرات، وجهاز النيابة العامة، ومنظومة القضاء بالكامل بفعل الانقلاب الذي نجح في هدم منظومة الأمن والعدالة بعد أن هدم شرعية المؤسسات الديمقراطية وحلم الشعب في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير.
_______________

*كاتب مصري مقيم في لندن

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه