التدخل التركي في إدلب حساب المكسب والخسارة

فعلياً بدأت الحملة العسكرية التركية على محافظة إدلب السورية، بدخول طلائع من الجيش السوري الحر إلى المدينة، ورغم أن الجيش التركي لم يدخل إلى المدينة حتى كتابة هذه الأسطر، إلا أنه يتوقع دخوله بين الحين والآخر، خاصة وأن أنقرة وعلى مدار الأسابيع الماضية حشدت قوات لها ضخمة بمحاذاة المناطق الحدودية في ولايتي كيلس وهطاي.

بدء العملية العسكرية في إدلب لم يكن مفاجئاً، بل منتظراً في ظل التطورات التي شهدتها الساحة السورية، والتي انعكست آثارها على الأمن القومي التركي، وباتت تشكل خطراً داهماً على ديمومة تماسك جغرافية الأناضول، وتجئ العملية في إطار خطة “خفض التصعيد” التي اتفقت عليها كل من تركيا وروسيا وإيران في اجتماع آستانا الأخير.

العملية العسكرية التي أعلن عنها الرئيس رجب طيب أردوغان، في كلمته أمام الاجتماع التقييمي والتشاوري لحزب العدالة والتنمية في مدينة أفيون، سوف تدعمها القوات الروسية بغطاء ودعم جوي على أن تتمركز القوات الروسية – بعد ذلك – في ريف إدلب، وتتولى القوات التركية حماية المدينة من الداخل.

العملية العسكرية التي لم يمض عليها سوى ساعات معدودة، لا يتوقع لها أن تكون في سهولة عملية درع الفرات، التي أطلقتها أنقرة في أغسطس/آب من العام الماضي، واستطاعت انتزاع الشريط الحدودي من جرابلس إلى أعزاز وصولاً إلى مدينة الباب من قبضة تنظيم داعش، كما أن آثارها المتوقعة قد تنسحب على مجمل المشهد السوري بل والعراقي في الوقت ذاته.

تركيا ومكاسب محتملة قبل فوات الأوان

أدركت أنقرة – خاصة بعد فشل محاولة الانقلاب العسكري – أن مزيداً من التأخر أو التلكؤ في حسم عدد من الملفات داخل سوريا، لا يعني سوى مزيد من الاستنزاف لمقدرات الأمن القومي التركي، في ظل اشتعال المواجهة مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، وتيقن تركيا أن فنائها الخلفي في الشمال السوري، بات مركزاً للعمليات الإرهابية التي تشهدها المدن التركية.

وإذا كانت عملية درع الفرات هدفت في المقام الأول والمعلن إلى إبعاد تنظيم داعش من منطقة الحدود، استباقاً لتسليمها إما رضاء أو غصباً إلى قوات الحماية الكردية، فإن أهداف عملية إدلب العسكرية، ليست بعيدة عن تلك الرؤية على النحو التالي:

  • تحاول تركيا استباق عملية عسكرية متوقعة ضد المدينة في أعقاب إعلان هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) في يوليو/تموز الماضي، إتمام سيطرتها على المدينة، وطرد تنظيم أحرار الشام القريب من تركيا من المدينة، وإذا ما نجحت تركيا في بسط سيطرتها على إدلب، فإنها ستكون قد جنبت المدينة السيناريو المؤلم الذي تعرضت له حلب من قبل.
  • إفساد المخطط الأمريكي الرامي إلى تمكين قوات الحماية الكردية (YPG) من الشريط الحدودي الممتد في شمال سوريا، من الحسكة شرقاً إلى عفرين غرباً، تمهيداً لإعلان منطقة حكم ذاتي كردية، تكون بمثابة عمق إستراتيجي لعمليات تنظيم العمال الكردستاني PKK في منطقة الجنوب الشرقي لتركيا، فتلكؤ تركيا في التحرك صوب إدلب سيفسح المجال أمام عملية كردية جديدة برعاية أمريكية بزعم ملاحقة تنظيم القاعدة المصنف أممياً تنظيماً إرهابياً، وعندها ستجد تركيا نفسها أمام حسابات عسكرية معقدة، كما حدث في منبج التي كانت تركيا قد قررت التوجه صوبها عقب تحرير مدينة الباب من تنظيم داعش، لكنها فوجئت بتحرك بعض قطعات الجيش الأمريكي تعيد انتشارها حول المدينة لتمنع تقدم القوات التركية.
  • التحرك العسكري الكردي في شمال سوريا تحت مظلة القوات الأمريكية، الذي بدأ منضوياً تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية، وبزعم محاربة تنظيم داعش، باتت تتضح ملامحه شيئاً فشيئاً، خاصة حال إتمام سيطرته على محافظة الرقة، وتمكنه من وصل الكانتونات الكردية الممتدة من الحسكة إلى عفرين، تزامناً مع موافقة سكان إقليم كردستان العراق على الانفصال، ما يعني مد المحور الكردي غرباً إلى السليمانية، الأمر الذي لم يكن لتركيا أن تقف إزاءه دونما حراك، في انتظار سيطرة القوات الكردية على إدلب.
  • توقن تركيا أن حملة عسكرية تقودها الولايات المتحدة على إدلب، ستؤدي إلى موجة نزوح عاتية، إذ يصل عدد سكان المدينة إلى ثلاثة ملايين نسمة لن يكون أمامهم سوى الهرب إلى الحدود التركية، الأمر الذي سيشكل عبئاً بالغ السوء على كاهل الحكومة التركية، التي لم يتعاف اقتصادها بعد من آثار محاولة الانقلاب العسكري، خاصة وأن عاماً ونصف العام فقط يفصلنا عن الماراثون الانتخابي الذي سيتم على جميع المستويات البلدية والنيابية والرئاسية عام ٢٠١٩، ولا تريد حكومة حزب العدالة والتنمية أي انتكاسات أو تراجعات اقتصادية، قد تعرضها لهزة غير متوقعة.
  • كما تحاول تركيا مد مظلة المناطق الآمنة التي بدأتها في جرابلس والباب، بما يسمح بعودة اللاجئين شيئاً فشيئاً.
  • بسط هيئة تحرير الشام على كامل إدلب، خلق وضعاً جديداً لا يمكن لتركيا أن تتغاضى عنه أو تتعايش معه، في ظل الارتباط المعروف بين الهيئة وتنظيم القاعدة الموضوع على قوائم الإرهاب العالمية، لذا تحاول أنقرة إزاحة التنظيم بعيداً عن حدودها الجنوبية، حتى لا تجد نفسها يوماً ما في وضع مشابه للوضع الباكستاني.
حديث الخسائر المتوقعة

رغم الأهداف الإستراتيجية التي تأمل تركيا أن تحققها من وراء حملتها العسكرية، إلا أن العملية – كما أسلفنا القول- لن تكون نزهة للقوات التركية، بل تكتنفها عديد من المخاطر أهمها:

  • القوة التسليحية والعددية لهيئة تحرير الشام، إذ يقدر عدد أفرادها بنحو ١٥ ألف مقاتل يتمتعون بحاضنة شعبية، في إدلب، ما يعني أن معارك شرسة قد تشهدها شوارع المدينة حال دخول القوات التركية إلى المدينة، وهو ما يفسر دفع تركيا بمزيد من القوات الخاصة (الكوماندز) إلى منطقة الحدود مع سوريا.
  • عدم ضمان عدم سقوط قتلى من المدنيين، في ظل وجود قرابة ثلاثة ملايين مدني، الأمر الذي سيشكل حال حدوثه عبئاً أخلاقياً تتحاشاه أنقرة بشدة، في الوقت الذي ستعمل فيه التنظيمات المسلحة على محاولة توريط تركيا فيه، لحملها على التراجع.
  • إطالة أمد المعركة قد يؤدي إلى مزيد من الخسائر في صفوف القوات التركية، كما سيشكل أعباء اقتصادية متزايدة على ميزانية الدولة، في وقت تعيش فيه تركيا انتعاشة اقتصادية بعد تحقيق معدل نمو في الربع الثاني من العام الحالي يقدر بنحو ٥.٥٪
  • حدوث بعض المفاجآت التي من الممكن أن تؤثر سلباً على سير المعارك، كتغير الموقف الروسي، أو محاولة الولايات المتحدة التأثير على العملية العسكرية، في ظل تراجع علاقتها مع تركيا.

وهكذا فإن الزيارة التي قام بها رئيس الأركان التركي خلوصي أكار إلى ولاية هطاي الحدودية، عقب ساعات من بدء العملية العسكرية، يرافقها فيها كبار قادة الجيش، وبحضور رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، تعكس أهمية معركة إدلب، في إعادة تموضع تركيا في الشمال السوري.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه