التحرير الإسلامي للمرأة

 

تعاني المرأة في تناول قضاياها وموقف الإسلام منها، من تيارين على طرفي نقيض، تيار يرى أن تكون المرأة في بلادنا كالمرأة الغربية تماما، لا يحكمها شرع ولا ضوابط، وتيار يرى أن يضيق على المرأة في كل أمورها بدعوى التدين، والإسلام وسط بين التيارين، وهذا ما اجتهد المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة، أن يبينه ويوضحه في كتابه: (التحرير الإسلامي للمرأة)، وقد قسم كتابه إلى قسمين: قسم يبين فيه موقف الإسلام من مشاركة المرأة في العمل العام، والرد على دعاوى المضيقين، وفي القسم الثاني رد فيه على الشبهات المثارة والتي تدعي أن الإسلام حطَّ من شأن المرأة.

والمرأة ومشاركتها في العمل العام:

بين الدكتور عمارة أن مشاركة المرأة في العمل العام في الإسلام، قد تكون في أحيان ضرورة يحتاجها المجتمع، ولذا فمشاركتها مهمة، واستدل بنصوص كثيرة من القرآن الكريم، والسنة النبوية من صحيحي البخاري ومسلم والكتب الصحاح، وناقش حجة من يمنع مشاركة المرأة بدعوى سد الذرائع، وأنه سدا للذريعة للوقوع في الفتنة، وارتكاب المحرم، فعلينا إغلاق باب مشاركة المرأة في المجتمع والعمل العام، سواء كان سياسيا أم اجتماعيا، ومن أهم الضوابط التي نقلها دكتور عمارة عن الكاتب الراحل المرحوم عبد الحليم أبو شقة، وهي:

1ـ أن تكون إفضاء الوسيلة المباحة إلى المفسدة غالبا، لا نادرا. وعند الشاطبي: أن يكون كثيرا لا نادرا ولا غالبا.

2ـ أن تكون مفسدتها أرجح من مصلحتها، وليس مجرد مفسدة مرجوحة.

3ـ ألا يكون المنع – بعد توفر الشرطين السابقين – تحريما قاطعا، بل هو بين الكراهة والتحريم حسب درجة المفسدة.

4ـ إذا كانت الوسيلة تفضي إلى مفسدة، ولكن مصلحتها أرجح من مفسدتها، فالشريعة لا تبيحها فحسب، بل قد تستحبها أو توجبها، حسب درجة المصلحة.

خمس شبهات حول النموذج الإسلامي لتحرير المرأة:

انتقل عمارة في كتابه: (التحرير الإسلامي للمرأة) في القسم الثاني منه، لتناول شبهات العلمانيين حول موقف الإسلام من المرأة، وتناول خمس شبهات تثار حول الإسلام والمرأة، وهي:

1ـ أن الإسلام يجعل ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر، وفي ذلك انتقاص من أهلية المرأة، يجعلها نصف إنسان.

2ـ أن الإسلام يجعل شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل. وفي ذلك انتقاص من أهليتها، يجعل منها نصف إنسان.

3ـ أن الإسلام – بنص الحديث النبوي الشريف – يجعل النساء ناقصات عقل ودين.. وهو بذلك يقنن ويشرع انعدام أهلية المرأة، ويحول دون مساواتها بالرجال.

4ـ وأن الإسلام يشرع لعزل المرأة عن المشاركة في ولايات العمل العام، وذلك عندما يجعل ولايتها فيه وله المقدمة المفضية لعدم الفلاح “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.

5ـ كما أن المفهوم الشائع – لدى أهل الغلو الديني واللاديني – عن (القوامة) التي قررها الإسلام للرجال على النساء – قد جعل فريقي الغلو يجتمعون على أن هذه القوامة إنما تنتقص من كمال أهلية المرأة ومن مساواة النساء للرجال.. لأنها تجعل النساء أسيرات مقهورات عند القوامين عليهن من الرجال.

شبهة ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر:

فصل عمارة في هذا المبحث الرد على هذه الشبهة، وذلك ببيان فلسفة الإسلام في الميراث، وأن التفاوت في أنصبة الوارثين والوارثات، تحكمه ثلاثة معايير:

أولها: درجة القرابة بين الوارث – ذكرا أو أنثى – وبين المورث، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.

ثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال.. فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة.

وثالثها: العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين. [1]

وأن حالات الإرث للأنثى ليست دائما نصف الذكر، بل هي حالات تتغير، فهناك حالات ترث فيها المرأة نصف الرجل. وحالات ترث المرأة مثل الرجل تماما. وحالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل. وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل. [2]

شهادة المرأة وهل هي نصف الرجل دائما؟

وناقش دكتور عمارة قضية شهادة المرأة، وأنها ليست دوما نصف شهادة الرجل، فهي تعتمد على حالة المرأة، وحالة الشهادة نفسها، ولم يرد أن شهادة المرأة نصف شهادة الرجل إلا في حالة واحدة، وفي ملابسات معينة، وفرق عمارة بين الشهادة والإشهاد، فالآية التي وردت فيها الحالة هي قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) البقرة: 282. فالآية تتحدث عن إشهاد، أي طلب إنسان لحضور عقد قران، أو عقد مدني بيع أو شراء، أما الشهادة التي يبني عليها القاضي حكمه، أو العدالة قولها، فهي حالة أخرى.

وبين حالات تتساوى فيها شهادة المرأة مع الرجل، وحالات تقبل شهادة المرأة ولا تقبل شهادة الرجل، وحالات تقبل شهادة الرجل فقط، ولا تقبل شهادة المرأة.

قوامة الرجل على المرأة:

أما قضية القوامة على المرأة، والتي يصورها بعض المتشددين خطأ، أو يتطرف في تصورها بعض العلمانيين، فبين عمارة مفهوم القوامة وكيفية تطبيقه حسب نصوص الشرع لا فهم المتدينين لها، فبين أن القوامة هي مشاركة بين الرجل والمرأة في إدارة البيت، وليست تسلطا من الرجل، ولا خضوعا من المرأة من باب الإذلال، وليس فيها سيد وعبد، بل هي مشاركة تامة بينهما، فللرجل مساحته في القرار، وللمرأة كذلك، واستدل على ذلك بمشاركة أمهات المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قراراته المصيرية للأمة، ونقل من تراثنا ما يعضد ذلك، ومن المعاصرين من تفسير الإمام محمد عبده، والعلامة الشيخ محمود شلتوت.

ومن أهم عبارات عمارة في قضية القوامة قوله: (إن هذه الرعاية التي هي القوامة، لم يجعلها الإسلام حكرا للرجل بإطلاق.. ولم يحرم منها المرأة بإطلاق.. وإنما جعل للمرأة رعاية أي (قوامة) في الميادين التي هي أبرع فيها وأخبر من الرجال. ويشهد على هذه الحقيقة نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع عليهم، وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم.. ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.

فهذه الرعاية هي في حقيقتها (تقسيم للعمل) تحدد الخبرة والكفاءة ميادين الاختصاص فيه.. فالكل راع ومسؤول، وليس فقط الرجال هم الرعاة).

كتاب (التحرير الإسلامي للمرأة) لمحمد عمارة، بذل فيه مجهودا كبيرا، في تناول قضاياه، ورد شبهات منتشرة في أوساط الشباب، وأرى أن تناوله لقضية شهادة المرأة، والقوامة، تحتاجان إلى أن يفردهما ببحثين منفصلين، فكلامه فيهما جديد ومهم.

 


[1] أول من أصل لهذه الفكرة بهذا التفصيل والإبداع، هو فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله في كتابه: (القرآن.. المعجزة الكبرى) ص: 333.

[2] انظر: ميراث المرأة وقضية المساواة للدكتور صلاح سلطان ص: 10-46.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه