الانتخابات التركية: الأكراد لاعب أساسي

عبد القادر عبد اللي*

 
كل انتخابات لها خصوصيتها، وهناك ما هو متوقع منها، وما هو مفاجئ. وهكذا كانت الانتخابات العامة التركية. فالمشهد العام الذي خرج من الصندوق الانتخابي خرج بخصوصيتين مهمتين:
الخصوصية الأولى: حزب العدالة والتنمية في المقدمة
كان قد أكد الرئيس التركي السابق عبد الله غول بأن هناك خسارة ما سيتعرض إليها حزب العدالة والتنمية، كما اعترف رئيس الحكومة التركية ورئيس هذا الحزب أحمد داوود أوغلو بأن السلطة لابد وأن تنهك الحزب الحاكم، وبهذا يشير إلى إمكانية خسارة حزبه بعض أصواته. ولكن في الحقيقة أن أحداً من قيادات هذا الحزب لم يكن بحسبانه أن تنخفض أصواته إلى الأربعين بالمائة. وعلى الرغم من كل شيء، فإن حصول الحزب على المرتبة الأولى في الانتخابات للمرة الرابعة على التوالي هي رقم قياسي في السياسة التركية، ولا يبدو أنه يمكن أن يكسر على المدى المنظور.
في عام 2002 شكل حزب العدالة والتنمية حكومة بغالبية كبيرة على الرغم من حصوله على نسبة 36% من الأصوات فقط، ولكنه اليوم حصل على ما يزيد عن أربعين بالمائة، ولكنه بحاجة إلى سبعة عشر مقعداً إضافياً ليتمكن من تشكيل الحكومة، وهذا يفرض عليه حكومة ائتلافية.
مازالت الأحزاب الأخرى ترفض التحالف مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة، ومن جهة أخرى لا تستطيع أن تشكل حكومة فيما بينها نتيجة التنافر الحاد بين الحزب الكردي الذي طبع هذه الانتخابات بطابعه، وحظي بثمانين مقعداً من جهة، وحزب الحركة القومية الذي يرفض رفضاً قاطعاً مساعي حكومة العدالة والتنمية بالدخول في عملية سلام مع الأكراد من جهة أخرى. فهل يكسب الفرصة حزب الشعب الجمهوري، الخصم التقليدي للعدالة والتنمية ويشكل معه حكومة، علماً أن هناك سابقة من هذا النوع بين هذا الحزب برئاسة بولند أجاويد، وحزب الإنقاذ الوطني بقيادة نجم الدين أربكان في مطلع السبعينيات…
الخصوصية الثانية: الأكراد ثالث كتلة برلمانية
كان أنصار حزب العدالة والتنمية يعلقون الآمال على عدم حصول حزب الشعوب الديمقراطية على عتبة العشرة بالمائة، وبالتالي توزيع أصواته على بقية الأحزاب الفائزة، كل حزب بقدر ما يحصل عليه من نسبة بالأصوات. وفي الحقيقة أن هذا الاحتمال لو حصل، لكانت الأربعين بالمائة كافية لحزب العدالة والتنمية لحصوله على أكثر من نصف مقاعد البرلمان.
لقد فاجأ هذا الحزب المراقبين جميعاً بحصوله على نسبة فاقت 13%، وأعطته عدداً من المقاعد مساوياً للعدد الذي حصل عليه حزب الحركة القومية نسبة ما يزيد عن 16% بقليل.
وتشير قراءة توزيع الأصوات إلى أن هذا الحزب حصل على أصوات الأكراد الذين كانوا يصوتون لحزب العدالة والتنمية من جهة، وأصوات القواعد الغاضبة من حزب المعارضة الرئيس وهو حزب الشعب الجمهوري.
الحزبان الأكبر الخاسران الأكبر

أزمة الشعب الجمهوري 
منذ عام 2002 وحزب الشعب الجمهوري هو حزب المعارضة الرئيس في البرلمان التركي، وبقدر ما يثير هذا الحزب غضب أعدائه، بقدر ما يثير غضب قواعده بسبب السياسة التي ينهجها. وفي الحقيقة أن هذا الحزب بقياداته الحالية لا يمكن أن ينهج سياسة مختلفة. فهو مازال يحافظ على الخلطة العجيبة التي خرجت فيها البورجوازية الصغيرة في مطلع القرن العشرين تحت اسم “الشعبية”. هذه الخلطة تجمع بين القومية، والعلمانية، واليسارية، والديمقراطية، وما يستجد من قضايا بذريعة احتضان فئات المجتمع كافة، لأن هذه الأحزاب كانت قائدة الدولة والمجتمع.
حزب الشعب الجمهوري هو حزب من هذا النوع، ولكنه حتى الآن تمكن من المحافظة على شريحة معينة من الأنصار، وعلى الرغم من هذا، لم يتمكن من الوصول إلى نسبة 25% التي حددها رئيس الحزب كمال قلتشدار أوغلو ليعلن استقالته فيما لو لم يستطع الحزب الحصول عليها.
لقد نزل أنصار حزب الشعب الجمهوري إلى الشوارع في أنقرة مع إعلان النتائج محتفين بالهزيمة، وحتى إنه زغردوا في بعض المناطق. نعم، على الرغم من خسارتهم وعدم وصولهم إلى رقم 25 فقد احتفلوا، وهنا يبدو أن العقل الباطن لدى أنصار هذا الحزب دفعهم إلى الاحتفاء بقضيتين في آن واحد. القضية الأولى هي الأمل باستقالة رئيس الحزب الذي يُعلق عليه فشل الحزب في الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها كافة، والقضية الثانية التي دفعتهم إلى الاحتفاء هي عدم تمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة وحده…
النتيجة أزمة سياسية
ثمة مقولة تردد على نطاق واسع في الدول الديمقراطية تقول: “الديمقراطية تنتج الحلول”، ولكن على ما يبدو أن لكل قاعدة استثناء، فالديمقراطية هنا لم تُنتج حلاً، وهناك أفق أزمة سياسية حادة في تركيا، إذ يبدو من الصعب تشكيل حكومة، وإن تشكلت هذه الحكومة فلن تتمكن من اتخاذ قرارات مصيرية، وبالتالي سيكون عمرها قصيراً، وتبدأ اللعبة من جديد

_________________________

*كاتب سوري متخصص في الشأن التركي

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه