الاقتصاد المصري بين مرسي والسيسي

الاقتصاد المصري بعد عام ونصف عام من الانقلاب العسكري يواجه معضلات كثيرة، مثل الدين العام والتضخم وزيادة معدلات البطالة والفقر، ولا توجد ثمة مؤشرات على احتمالات للتحسن في المدى القريب، ولولا المساعدات الخارجية لتضاعفت معاناة المواطن.

*أشرف بدر الدين

شهدت السنة المالية 2013/2014 حدوث انقلاب عسكري في مصر بدعم إقليمي ودولي بعد ثلاثة أيام
من بدايتها في 3 يوليو 2013، كان من نتائجه سياسيا عزل الرئيس المنتخب الدكتور محمد
مرسي، ووضع دستور جديد، وحل مجلس الشورى المنتخب، وتشكيل حكومة وإجراء انتخابات رئاسية
فاز بنتيجتها قائد الانقلاب العسكري السيسي.

وكان لهذه الأوضاع السياسية أثر كبير على الحالة الاقتصادية في مصر، فقد تدهورت بشكل كبير،
واتضح ذلك من خلال المؤشرات الاقتصادية، وانعكس ذلك على حياة المواطن المصري اليومية
وقد تمثل ذلك فيما يلي:

معدل النمو الاقتصادي:

يعرف النمو الاقتصادي على أنه الزيادة في كمية السلع والخدمات التي ينتجها اقتصاد معين خلال
فترة زمنية محددة، وقد بلغ معدل النمو الاقتصادي خلال الربع الأول من العام المالي 2013/2014 نحو1% ، ونحو 1.4% خلال الربع الثاني، ونحو2.5% خلال الربع الثالث، ونحو 3.7% خلال الربع الرابع من نفس العام، مقابل نحو2.6% خلال الربع الأول من عام 2012/2013، ونحو2.2% خلال الربع الثاني، ونحو2.2% خلال الربع الثالث، ونحو 1.5% خلال الربع الرابع من نفس العام، وقد انخفض معدل النمو في الربع الأول (من يوليو إلى سبتمبر) من العام المالي 2014/2015 إلى 1.07% من الناتج المحلي.

أدى هذا الانخفاض في معدلات النمو الاقتصادي إلى زيادة معدلات البطالة، حيث أن معدل النمو اللازم لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل يجب ألا يقل عن ثلاثة أمثال معدل الزيادة السكانية، وحيث تشير الإحصاءات إلى أن معدل الزيادة السكانية في مصر بلغ نحو 1.7 % سنويا، فإن معدل النمو السنوي يجب ألا يقل عن 6%، فإذا وضعنا في الاعتبار نسبة البطالة الموجودة حاليا والتي تصل إلى 13.4% فإن معدلات النمو يجب ألا تقل عن 9% سنويا وعلى مدى زمني بعيد.

كما أن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي يعني تقليل الدخل الحقيقي للمواطن، وبالتالي عدم قدرته على توفير احتياجاته، كما يؤدي إلى تدهور مستويات الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، وهذا مايستشعره المواطن المصري في هذه الأيام.

البطالة:

تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدلات البطالة في نهاية 2013/2014 بقيت عند مستواها في العام السابق 2012/2013 بنسبة 13.3% من قوة العمل، وإن كان الواقع يدل على غير ذلك، فقد أدت الأوضاع السياسية وتفاقم الانفلات الأمني في مصر بعد الانقلاب العسكري إلى تفاقم مشكلة البطالة، ولجوء الكثير من أصحاب الأعمال والمشروعات المتوسطة والصغيرة إلى إغلاق مشروعاتهم أو الاستغناء عن العمال بسبب الركود، فازدادت نسبة العاطلين ممن سبق لهم العمل إلى نحو33.4%، كما بلغت نسبة العاطلين ممن لم يسبق لهم العمل 66.6% من إجمالي العاطلين البالغ عددهم 3.5 مليون عاطل في نهاية يونيو2014.

صافي الاحتياطيات الدولية

وفقا للتقرير الربع سنوي الذي تصدره الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، فقد بلغ صافي حجم الاحتياطيات الدولية في بداية شهر يوليو 2012 مبلغ 14.4 مليار دولار، ووصل بعد عام من حكم الرئيس محمد مرسي إلي 18.9 مليار دولار في بداية شهر يوليو 2013، وانخفض إلى 16.7 مليار دولار في نهاية العام الأول من حكم الانقلاب العسكري، واستمر الانخفاض ليصل حجم الاحتياطيات الدولية إلى 15.88 مليار دولار مع نهاية شهر نوفمبر الماضي، يأتي ذلك على الرغم من ورود موارد استثنائية مساندة من دول الخليج في صورة منح وودائع ومواد بترولية بلغت 16.7 مليار دولار حسب تقديرات البنك المركزي.

وكان لهذا الانخفاض أثره الكبير على ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري حيث بلغ متوسط سعري الشراء والبيع المعلن من البنك المركزي للدولار الأمريكي خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2012/2013 مبلغ 6.10 جنيه، وارتفع إلى مبلغ 6.92 جنيه خلال نفس الفترة من عام 2013/2014، ووصل إلى 7.19 جنيه حاليا، كما ارتفعت أسعار الصرف في السوق السوداء ليصل سعر صرف الدولار إلى 7.8 جنيه.

وقد نتج عن هذا الارتفاع في سعر صرف الدولار أمام الجنيه العديد من الأزمات، دون وجود بوادر لأي حلول في الأفق لدى الحكومة للخروج منها، فقد ارتفعت أسعار جميع السلع وخصوصا السلع الغذائية، واختفت كذلك سلع هامة كبعض أنواع الأدوية من الأسواق، وارتفعت أسعار رحلات الحج والعمرة، وفي دولة مثل مصر تستورد معظم احتياجاتها من الخارج، أدى هذا الارتفاع إلى زيادة تكلفة عناصر الإنتاج من مستلزمات إنتاج ومعدات وقطع غيار وبالتالي ارتفاع سعر المنتج النهائي، كما زاد من معاناة المستوردين الذين يجدون صعوبة بالغة في توفير الاعتمادات اللازمة للاستيراد.

ويرى البعض أن هناك بعض الإيجابيات لهذا الارتفاع من حيث تقليل حجم الواردات وزيادة الاعتماد
على الخامات والمنتجات المحلية وزيادة أرباح المصدرين.

 السياحة:

أدى استمرار عدم الاستقرار السياسي والانفلات الأمني وأحداث التفجيرات التي تشهدها بعض الأماكن
السياحية، إلى تراجع أداء النشاط السياحي خلال عام 2013/2014 مقارنة بالعام السابق
2012/2013،حتى وصل إلى درجة الانهيار التام حسب وصف وزير السياحة هشام زعزوع في تصريحات
22 مارس 2014، فقد تراجع عدد السائحين من 12.21 مليون سائح عام 2012/2013 إلى 7.97
مليون سائح عام 2013/2014 بنسبة انخفاض بلغت نحو 35%، كما تراجع عدد الليالي السياحية
من 142.44 مليون ليلة سياحية عام 2012/2013 إلى 72.92 مليون ليلة عام 2013/2014 بنسبة
تراجع بلغت نحو 49 %. وبالتالي انخفض متوسط مدة الإقامة، وانخفض متوسط إنفاق السائح
في الليلة الواحدة، ونتيجة لذلك تراجعت الإيرادات السياحية من 9.8 مليار دولار عام
2012/2013 إلى نحو 5.1 مليار دولار عام 2013/2014 بنسبة انخفاض بلغت 48%.

كان لهذا الانخفاض آثاره السلبية على الناتج المحلي حيث انخفض النصيب النسبي لقطاع السياحة من
إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، كما انخفضت الإيرادات العامة للدولة، وكذلك الاحتياطي
النقدي لدى البنك المركزي.

 كما أدى إلى ارتفاع كبير في نسبة البطالة بين العاملين في القطاع السياحي، والأنشطة المرتبطة به والذين يقدر عددهم بأربعة ملايين، وكذلك أدى الانخفاض الكبير في نسب الإشغال في الفنادق إلى إغلاق العديد من المنشآت
الفندقية، وتكبد المستثمرون في القطاع خسائر فادحة، وتوقف الاستثمارات في القطاع، إضافة إلى ما يعانيه القطاع من مشكلات أصلا مع البنوك والضرائب والتأمينات، فضلا عن المنافسة الشرسة مع مناطق جذب سياحية مثل تركيا وقبرص.

ومن المتوقع ألا يسترد قطاع السياحة عافيته في ظل استمرار الأوضاع الحالية، وعدم وجود استقرار حقيقي
سياسي أو أمني يعيد الجاذبية السياحية لمصر.

 التضخم:

يعرف التضخم بأنه نسبة التغير في أسعار المستهلكين، أو هو انخفاض في قيمة العملة، ومن أسبابه
في مصر ارتفاع قيمة العجز التجاري بنسبة 9.8% لتبلغ نحو 33.7 مليار دولار عام 2013/2014 مقابل 30.7 مليار دولار عام 2012/2013 ، حيث بلغت قيمة واردات مصر 59.8 مليار دولار، وبلغت قيمة الصادرات 26.1 مليار دولار بنهاية العام المالي 2013/2014، مقابل 57.7 مليار دولار للواردات، 27 مليار دولار للصادرات عام 2012/2013.

ومن أسباب التضخم أيضا زيادة المعروض من النقود وقد قام البنك المركزي بعد الانقلاب بطباعة نقود بدون رصيد بلغت 35 مليار جنيه خلال 14 شهرا، وقد أدت هذه الأسباب إضافة إلى البدء في رفع الدعم عن المنتجات البترولية والكهرباء إلى وصول معدل التضخم لحضر الجمهورية خلال الفترة من مايو-يوليو عام 2013/2014 إلى نحو 10.3%، مقابل نحو 6.7% في نفس الفترة من عام 2012/2013، وكانت النسبة الأكبر من الارتفاع في أسعار السلع الغذائية مما زاد من معاناة المواطنين وأدخل شرائح جديدة من المصريين إلى دائرة الفقر. 

الدين العام

وفق بيانات البنك المركزي المصري فإن إجمالي الدين العام المحلي قد بلغ 1817 مليار جنيه بنهاية يونيو 2014، مقابل مبلغ 1527 مليار جنيه نهاية يونيو 2013 وبذلك يكون الدين العام المحلي قد زاد بقيمة 381 مليار جنيه خلال عام، مما جعله يتجاوز نسبة 95% من الناتج المحلى الإجمالي. كما بلغ الدين العام الخارجي 46 مليار دولار، مقابل 43,23 مليار دولار في نهاية يونيو
2013.

وقد بلغت أعباء هذا الدين في موازنة العام المالي 2013/2014 نحو 415 مليار جنيه تمثل نسبة 76% من إيرادات الدولة، حيث بلغت قيمة الفوائد المتوقع سدادها خلال العام المالي الحالي 199 مليار جنيه، كما تبلغ قيمة الأقساط المتوقع سدادها 216 مليار جنيه، مما يعنى سداد 1137 مليون جنيه يوميا كفوائد وأقساط يتحملها المواطن المصري، وفي ظل عدم وجود أفق لدى حكومة الانقلاب لإيجاد حل لهذه المشكلة والتوسع الكبير في الاقتراض والزيادة المطردة في حجم الدين، فمن المتوقع أن يستمر تدهور الخدمات وتردي مستوى معيشة المواطن المصري.

الاستثمارات الأجنبية المباشرة

تبين إحصاءات البنك المركزي المصري أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي لمصر في نهاية السنة المالية 2013/2014 قد بلغت نحو 4.1 مليار دولار مقابل 3.7 مليار دولار في عام 2012/2013 محققا زيادة قدرها 400 مليون دولار

وعند النظر إلى خريطة هذه الاستثمارات نجد أن قطاع البترول قد استحوذ على ما نسبته 74.3% من جملة تدفقات الاستثمار الأجنبي، ثم تأسيس الشركات بنسبة 24%، وشراء العقارات بنسبة 1.1%، ولهذا لم تنعكس الاستثمارات الأجنبية أو نسبة الزيادة فيها على زيادة فرص العمل أو زيادة الصادرات.

التشريعات الاقتصادية:

شهد العام الأول بعد الانقلاب العسكري انفلاتا تشريعيا في غياب برلمان منتخب، فصدرت عشرات القوانين
والقرارات وتم التوقيع على العديد من الاتفاقيات، منها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي وكان له أثار سلبية على الاقتصاد المصري في الفترة الماضية وعلى سبيل المثال: القرار الجمهوري رقم 32 لسنة 2014 بشأن تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، والذي قصر حق الطعن على العقود المبرمة بين الدولة والمتعاملين معها على طرفي التعاقد فقط، وأوجب على المحكمة رفض الدعاوى الخاصة بالطعون على مثل هذه التعاقدات من تلقاء نفسها.

وهذا التشريع يفتح باب الفساد على مصراعيه، خاصة أن معظم قضايا الخصخصة وتخصيص الأراضي في
عهد مبارك مطعون على صحتها لما شابها من فساد.

القانون رقم 44 لسنة 2014 الخاص بفرض ضريبة مؤقتة على الدخل خلال السنوات الثلاث القادمة بمعدل
5% على من يزيد وعاؤه الضريبي عن مليون جنيه من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين،
وهو ما أدى إلى زيادة الأعباء الضريبية في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من الركود.

القانون رقم 82 لسنة 2014 بشأن تعديل بعض أحكام قانون المناقصات والمزايدات، والذى استثنى بعض
الأعمال الحكومية التي تخضع لقانون المناقصات والمزايدات، ليعطي صلاحيات التنفيذ بالأمر المباشر لرئيس الهيئة أو المصلحة فيما تكون تكلفت 500 ألف جنيه وبعض الحالات لمليون جنيه، وكذلك لسلطة الوزير أو المحافظ لما قيمته 5 مليون جنيه وبعض الحالات 10 مليون جنيه، وهو ما يفتح أبواب كبيرة للفساد.

القانون رقم 119 لسنة 2014 في شأن شهادات تنمية قناة السويس، والذي أدى إلى اكتتاب بلغت حصيلته
64 مليار جنيه كان له كثير من السلبيات، منها سحب ما يقرب من نصف هذه الأموال من الودائع
البنكية مما أثر على نسبة السيولة بالبنوك.

قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1159 لسنة 2014 بشأن رفع أسعار الوقود والذي شمل رفع سعر كافة
المنتجات البترولية مما أدى إلى زيادة أسعار جميع السلع والخدمات.

قرار رئيس الجمهورية رقم 211 لسنة 2014 بشأن الموافقة على الاتفاقية الإطارية بين حكومتي
مصر وقبرص بشأن تنمية الغازات الحاملة للهيدروكربون عبر نقاط خط المنتصف، وهو القرار الذي فرض على مصر حظر التنقيب بدون موافقة قبرص في حزام عرضه 10 كيلو متر داخل المياه المصرية، وتنازل مصر عن حقها في حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط والتي قدرها بعض الخبراء بما يزيد عن 200 مليار دولار. 

نتبين مما سبق أن الاقتصاد المصري بعد عام ونصف عام من الانقلاب العسكري يواجه معضلات كثيرة، مثل الدين العام والتضخم وزيادة معدلات البطالة والفقر، ولا توجد ثمة مؤشرات على احتمالات للتحسن في المدى القريب، ولولا المساعدات الخليجية والدعم الأوربي لتضاعفت معاناة المواطن المصري، وازداد التدهور الكبير في المرافق والمؤسسات، ولن تستطيع مصر في ظل هذه الأوضاع مع استمرار نفس السياسات الاقتصادية التي كانت سائدة في عهد مبارك، تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين فضلا عن إنجاز مشروعات تنموية أو استعادة مكانة مصر الإقليمية والدولية.

_______________

*وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشورى المنحل 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه