الإخوان خطوة للوراء.. الاحتجاجات خطوة للأمام

الإخوان تنظيم قوي وفاعل دشن نفسه سياسيًا كتنظيم مغلق وغير منفتح في الرأي والقرار بل وحتى التكوين، وهو أمر يخلق شخصية للتنظيم لها فوائدها ولها أضرارها أيضًا.. يتبع.

أحمد قناوي*

نجح نظام 3/ 7 في تصوير الإخوان كخطر محدق على الوطن. وهناك جملة عوامل ساعدت على ذلك، أولى هذه العوامل إعلام دولة أرضي وفضائي مسموع ومطبوع، وأكاذيب من كثرة ترديدها اقتربت من الحقيقة أو كادت، في مواجهة إعلام إخواني يبث من الخارج ما عزز فكرة صناعة الخطر التي انتهجها النظام.
 كما نجح هذا النظام في الفصل بين قوى الثورة، وبالذات شبابها، وبين الإخوان، فبدا حراك الإخوان وكأنه يتم في جزيرة منعزلة أيًا كان حجمه ومدى تواصله، ومرد هذا الفصل إلى موقف الإخوان من 30 من يونيو، والذي شارك فيه معظم شباب الثورة الحقيقيين، إضافة إلى ذلك فإن الإخوان ظلت شعاراتهم تراوح مكانها وهى: شرعية الرئيس مرسي وعودته، فبات هذا القطاع الذي خرج في 30 من يونيو محايدًا رغم موقفه الرافض للسلطة. الشيء الأكثر أهمية أن نضال الإخوان والقفزة من تنظيم إصلاحي إلى فصيل ثوري بعد 3/ 7 لم يكن بهدف الثورة ذاتها ولكن بهدف تحقيق مطلب جماعة الإخوان في عودة الرئيس محمد مرسي.
الأمر الأخير أن جماعة الإخوان كتنظيم قوي وفاعل دشن نفسه سياسيًا كتنظيم مغلق وغير منفتح في الرأي والقرار بل وحتى التكوين، وهو أمر يخلق شخصية للتنظيم لها فوائدها لكن لها أضرارها أيضًا وهي تسوير حدود التنظيم بوضع جدران حامية لكنها أيضًا مانعة،
كل ذلك سهل من فكرة صناعة الخطر التي اعتمدها نظام 3/ 7، ولعل ما يدعم ذلك أيضًا هو سلوك وأداء الإخوان في مواجهة أطياف أخرى وشخصيات مهمة بدا أنها تأخذ من النظام موقفًا معارضًا وحادًا لكنها لدى الإخوان ظلت تعرف على أنها انقلابية، ربما علاء الأسواني وبلال فضل نموذجان لذلك، تداعت كل هذه العوامل التي خلقت مع التنظيم إضافة للعوامل التي قدمها التنظيم ذاته في تسويد فكرة الخطر، ما سهل ذيوع أكاذيب في مواجهة الإخوان بدت، برغم فجاجتها، مقبولة لدى الرأي العام، ولعل ما يمكن ذكره كأمثلة، أستاذ جامعة يتهم بجريمة رشوة فيتهم الإخوان. إعلامي يريد أن يغتال شخصية أخرى يتهمه أنه إخوان. قطار يصطدم بآخر يتهم الإخوان، تغرق ناقلة في النيل فيتهم فيها الإخوان، والحال كذلك فإن أمرًا على الإخوان بحثه بجدية، وهو: هل من المجدى استمرار التنظيم ذاته؟ لقد فشل مرتين وكرر الفشل ذاته، في 1954 فشل وفي 2013 فشل. علي أية حال هذا أمر يخص الإخوان فقط إذا كانت لديهم رغبة في المراجعة.
خلط الأوراق
نجحت عملية خلق الخطر لبعض الأسباب المتقدم ذكرها وبدأت عملية خلط الأوراق: حركة حماس أخطر على مصر من الكيان الصهيوني، الأنفاق تهرب السلاح ليس إلى غزة المقاومة ولكن إلى مصر حيث العمليات الإرهابية. أوباما يطلب رضاء السيسي وتخاف أمريكا منه وتعمل له ألف حساب. لا داعي للأحزاب، الشخصيات المدنية غير مؤهلة للحكم، ما الحاجة إلى مجلس شعب أصلاً؟ الجيش هو الأكثر أهمية وكلنا علينا أن نخدمه وهو وحدة القادر على الدفاع عن مصر والقادر على شق الطرق والقادر على إدارة المستشفيات.
 وكان طبيعيًا أن يلقي قائد الكلية الحربية على الخريجين كلمته التي قال فيها “إن منكم من سيحكم هذا الوطن ومنكم الوزراء والمحافظون” ولو طال الأمر قليلاً لقال لهم ومنكم العلماء.
 مشروع تفريعة لقناة السويس الجديدة يصبح رسميًا وشعبيًا قناة سويس أخرى، يعلن عن مشروعات ثم يتبين سريعًا أنها كاذبة ولا أحد يلقي بالاً للكذبة الجديدة، على ضفاف معركة الإخوان جرت أكبر عملية خلط أوراق لم تعرفها مصر من قبل، كل هذا جاء في عصر ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي.
خطوة للوراء… خطوة للأمام
يوم الجمعة في مصر على مدار ثلاثة أو أربعة أشهر ليس مثل أي يوم جمعة في الأعوام الماضية، تراجعت مظاهرات الإخوان، قل حراك الإخوان في الشارع، وهو حراك معلب دائمًا بالتنظيم وبشعارات التنظيم وبكوادر من التنظيم تشرف على الحراك، ومن الصور الملازمة لهذا الحراك: صورة الرئيس محمد مرسي. دفع الإخوان ثمنًا باهظًا في هذا الحراك دماء وسجونا ومطاردة، وبرغم فداحة هذا الثمن فإن الشارع المصري ظل على حاله، فدعايات الخطر كانت غالبة، لعلنا نشير إلى آخر حالة وهي احتجاجات أمناء الشرطة في الشرقية حين اتهمهم مذيع محسوب على النظام أنهم إخوان مسلمون، فردوا الاتهام عليه بأنه هو من الإخوان المسلمين.
 إلى هذا الحد أصبح الإخوان شارة على تنظيم سلبي برغم فداحة الثمن الذي تكبدوه.
وحين هدأت تحركات الإخوان في الشارع ظهرت على السطح مباشرة ومن دون تأخير احتجاجات ظلت كامنة طوال حراك الإخوان، لكن بمجرد تراجع حراك الإخوان عبرت عن نفسها، أكبر مظاهرة لقطاع واحد من الموظفين تغلق شارع عبد الخالق ثروت، وكنت شاهدًا عليها، رفعت شعار يسقط النظام وسريعًا تدخل البعض لتغيير الشعار لأسباب عملية، لكن بقي الشعار الذي تردد بين المتظاهرين رغبة كامنة بحاجة إلى ظرف أفضل للتعبير، كانت الاحتجاجات اعتراضًا على قانون الخدمة المدنية، وسجلت سابقة في العامين الأخيرين، ثم عقد اجتماع لأكثر من ثلاث وثلاثين نقابة مستقلة في نقابة الأطباء دشن فيه المجتمعون تحالفًا مناهضًا لقانون الخدمة المدنية واتفقوا على تحركات أكثر اتساعًا.
احتج أمناء الشرطة في محافظة الشرقية حتى وصل الأمر إلى اقتحام مديرية الأمن واحتجاز مدير الأمن، ورفعت تلك الشعارات التي كان يرددها شباب يناير في مواجهة ضباط الشرطة من قبل أمناء الشرطة، وبدا الأمر أقرب إلى الفلكور، وسرعان ما تبين أن عددًا من أمناء الشرطة في المحافظات المصرية يدعم هذا الاحتجاج وكان من الممكن اتساعه على نحو لا يمكن قمعه، لكن استجابة الحكومة سريعًا لدراسة طلبات الأمناء كانت كفيلة بفض الاعتصام، برغم ما بدا أنه جسد احتقارًا لقانون التظاهر سواء من الأمناء أو من الحكومة.
الأسباب الاجتماعية، سواء تمثلت في رفع الأسعار أو تبني اقتصاد الجباية، كفيلة وحدها بزلزلة الصمت المطبق قمعًا، لكن ذلك كان يوضع في مرتبة تالية دائمًا بعد نجاح النظام في خلق الخطر، ثم نجاحه في خلط الأوراق وإثارة الغبار على القضايا الحقيقية التي تهتم بطعام الناس ودخل الناس وهي قضايا أكثر أهمية من رفع صور الرئيس مرسي، ولا يصح معها ولا يجوز إذا بقيت وحدها في المربع الأول زحزحة الاهتمام بها، تراجع الإخوان في الفترة السابقة كان له الفضل في وضع هذه القضايا في مكانها، وإذا وضعت القضايا الاجتماعية في مصر في مكانها الصحيح فإن بقاء الأمر على ما هو عليه يبدو مستحيلاً.
________________________

*كاتب ومحام بالنقض

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه