استيراد الأرز وخراب بيوت الفلاحين

مبررات وزارة الري بعيدة عن العقل والمنطق، إذ لا يمكن أن يكون استيراد الأرز بالدولار الذي لا تجده الحكومة أقل تكلفة من زراعته.

إن قرار الجنرال السيسي باستيراد الأرز من الخارج، وتحويل مصر من مُصدّر للأرز له مكانته في السوق الدولية إلى مستورد، وتخفيض مساحة المحصول الاستراتيجي من 1.1 مليون فدان العام الماضي، إلى 724 ألف فدان هذا العام، يتطلب محاسبة من البرلمان، ويستوجب مراجعة وشفافية، تنتصر لمصلحة الوطن وأمنه الغذائي واستقلال قراره السياسي، سيما أن الوزير الذي أصدر قرار تخفيض المساحة، وهو وزير الموارد المائية والري، قد أكد أن المساحة الجديدة سوف تكفي وتغطي احتياجات السوق المحلية.

قرار السيسي ليس جديداً، وقد أعلن رئيس الوزراء السابق المهندس شريف اسماعيل قراراً مماثلا باستيراد الأرز؛ لكن الجديد هو مباركة الوزراء، وأهل الاختصاص لقرار السيسي بمبررات وهمية، وتزكيته بأدله غير علمية، تنطوي على نفاق سياسي، وتناقض أخلاقي، لا يراعي مصلحة الوطن، ويدفع ثمنه المواطن المطحون، ويخرب بيوت مزارعي الأرز الفقراء، ويضر بالمصلحة العليا للدولة، ويهدر جهود وطاقات وضعت مصر في مكانة عالية على رأس الدول الأعلى إنتاجية للأرز طوال عقدين من الزمان.

وزارة الري

بررت وزارة الموارد المائية والري قرار “السيد الرئيس” في اليوم التالي مباشرة، على لسان رئيس قطاع الري بالوزارة عبد اللطيف خالد، بالقول إن التكلفة الاقتصادية لاستيراد الأرز تقل عن تكلفة زراعته في ظل الوضع المائي الحالي، وأن الوزارة تشجع الاستيراد لضبط السوق ومواجهة جشع التجار، وذلك وفق تصريحه لصحيفة الشروق يوم الإثنين 9 يوليو.

مبررات وزارة الري بعيدة عن العقل والمنطق، إذ لا يمكن أن يكون استيراد الأرز بالدولار الذي لا تجده الحكومة أقل تكلفة من زراعته، وإذا افترضنا جدلًا صحة هذا المنطق المقلوب، فلماذا تصدر دول إنتاج الأرز إنتاجها طالما أن تكلفة تصديره أقل من تكلفة زراعته؟!

وهل يصدق المواطن المصري رأي وزارة الري الذي يبرر استيراد السيسي للأرز؟، ومن ثم يطالب بمحاسبة وزير الري الذي ادعى أن تخفيض المساحة يكفي الاستهلاك؟! أم يصدق وزير الري ومن ثم يطالب بمحاسبة السيسي على قرار الاستيراد واهدار المال العام؟!

وزارة الزراعة

صدّر وزير الزراعة نظرية المؤامرة واتهم التجار، (وليس تخفيض المساحة وحرمان الفلاح من زراعة ما يجيد زراعته)، بالتلاعب في قوت الشعب، وبالتآمر على سوق الأرز المصري. قفز الوزير على الحقيقة، وهي تفريط الحكومة في شراء الأرز من المزارعين بأسعار مجزية، وبناء احتياطي استراتيجي يحقق الأمن الغذائي، ويضبط سعر الأرز في السوق، وأعلن عن تخفيض أسعار الأرز إلى خمسة جنيهات للكيلو، وهدد التجار الذين اشتروا الأرز من الفلاحين بستة جنيهات للكيلو بأنه سوف يضطرهم إلى بيعه بخمسة جنيهات، ثم بأقل من خمسة جنيهات للكيلو في اليوم التالي!

وزير الزراعة يكرر وعود زميله في حكومة السيسي، طارق عامر محافظ البنك المركزي، الذي أكد في مقابلة تلفزيونية أن سعر صرف الدولار سينخفض إلى أربعة جنيهات، فإذا بالدولار يصرع الجنيه المصري ويقفز في اليوم التالي من تصريحات المحافظ إلى عشرة جنيهات، وهو مستوى لم يصله الدولار في تاريخه، وبدلًا من محاسبة المحافظ وعزله، استمر في منصبه حتى قفز سعر صرف الدولار إلى 18 جنيها، ولما سُئل المحافظ عن تصريحه السابق، قال إنها كانت “نكته”! وهكذا تُدار الدولة في عهد السيسي.

مباركة الوزير قرار “الرئيس” باستيراد الأرز، يشكك في جدوى وجود وزارته بعد انتهاء دورها في إنتاج قوت الشعب، ويؤكد أن تصريح وزير التموين السابق الذي قال فيه إن مصر لا تريد الاكتفاء الذاتي من القمح، وليس من مصلحتها أن تكتفي، لم يكن رأي خاص بالوزير بقدر ما هو رؤية حكومة.

وإذا قررت الدولة استيراد الأرز بدلا عن زراعته، فما المحصول المهم الذي يريد الوزير أن يزرعه الفلاح المصري غير الأرز؟ هل يزرع الفراولة والكنتالوب ولب التسالي كما كانت سياسة يوسف والي، وزير زراعة المخلوع مبارك، ويترك الأرز ليلحق بالقمح، وتستورد الأرز الردئ كما تستورد الأقماح المسرطنة من روسيا لأجل عيون بوتين الذي يبارك انقلاب السيسي العسكري؟!

البرلمان

بدلًا عن مطالبة البرلمان “الرئيس” بالمحافظة على حصة مصر التاريخية من مياه النيل، واحترام المادة 44 من الدستور التي أقسم عليه، والخاصة بالمحافظة على حصة مصر التاريخية من مياه النيل وعدم التفريط فيها، وضرور الاستمرار في زراعة الأرز، ووقف الاستيراد، وحل أزمة سد النهضة، بارك أعضاء مجلس النواب قرار “الرئيس” وقالوا إن مصر تستطيع استيراد الأرز، لكنها لن تستطيع استيراد المياه، وأكثر من ذلك أن تقليل مساحة الأرز يصب في مصلحة الدولة.

هل يوجد عند أعضاء البرلمان بديل للاستيراد إذا تكررت أزمة الغذاء العالمي التي وقعت في 2008؟، وقد منعت الدول المنتجة تصدير الغذاء، وحدثت المجاعات، واندلعت ثورات الجياع؟ هل عند البرلمان جواب غير هذا النفاق؟!

البرلمان معني بمطالبة الحكومة بتطبيق نظام الدورة الزراعية التي ألغاها يوسف والي، والتي توفر 25% من مياه الري، أي حوالي 10 مليارات متر مكعب، ما يسمح ليس بتخفيض مساحة الأرز، ولكن بزيادتها إلى 1.3 مليون فدان، من خلال دورة زراعية ثلاثية، بمعدل 1.3 مليون فدان في أراضي الدلتا، البالغة 4 ملايين فدان، والقريبة من مياه البحر المتوسط المالحة، وذلك لعلاج التربة من التملح، ولإزاحة مياه البحر المتوسط حتى لا تتسرب إلى المخزون الجوفي تحتها وتدمره.

العاصمة الإدارية

أعلن رئيس الوزراء الحالي عن إنشاء نهر في قلب العاصمة الإدارية الجديدة، تحت مُسمى النهر الأخضر، بطول 35 كيلو مترا في قلب الصحراء، وذلك محاكاة لنهر النيل الذي يتوسط مدينة القاهرة، وكأطول محور أخضر في العالم، وفق ما كشف عنه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقد انتهت وزارة الإسكان، التي يحتفظ رئيس الوزراء بحقيبتها، من المرحلة الأولى للنهر بطول 14 كيلو مترًا، وعرض يتراوح بين 300 متر و1500 متر.

ومن أجل النهر الأخضر، أعلن اللواء أحمد زكي عابدين رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية، عن تنفيذ محطة مياه لتغذية العاصمة الجديدة من مياه النيل جنوب حلوان مباشرة، وبطاقة إجمالية مليون ونصف متر مكعب يوميا، ونقل 850 ألف متر مكعب يوميًا من نهر النيل إلى العاصمة الجديدة، لري 40 ألف فدان من أشجار الزينة، بمعدل أكبر من نصف مليار متر مكعب في العام.

هذه الكمية من المياه تكفي لزراعة 130 ألف فدان من أصناف الأرز الموفرة للمياه، والتي توصل إليها علماء مركز البحوث الزراعية، وتنتج 750 ألف طن من الأرز، وتغني المصريين عن استيراد الأرز الهندي والفلبيني، الذي لا يستثيغه المصريون، ولكن هل يملك وزير الري أو الزراعة، أو أعضاء البرلمان، الشجاعة بدل المداهنة، ويقنع الجنرال، أو يثنيه عن تبديد مياه النيل في مسارب الصحراء؟! أم يتخلق الجميع بخلق “حيهم ما دمت في حيهم، ودارهم ما دمت في دارهم، واضحك للقرد في دولته؟!”

قرار فاشل

منذ تولى الجنرال السيسي الحكم، والحكومة ترفض شراء الأرز من الفلاحيين المصريين، وتوقفت عن بناء احتياطي من هذه السلعة الاستراتيجية، وقامت باستيراد 125 ألف طن من الأرز الهندي ولأول مرة بعد 20 عاما من الاكتفاء الذاتي، بتكلفة 97 مليون دولار، ثم طرحته في البقالات التموينية بسعر 750 قرشًا. ولكن أحجم المصريون عن تناوله بسبب تدني جودته، وعدم تفضيله، ثم خفضت الحكومة سعره إلى 650 قرشًا، ثم 550 قرشًا للكيلو، ولكن دون جدوى حتى تلفت الكمية، وهى جريمة في حق المال العام، تستوجب التحقيق لا التصفيق لقرار “الرئيس” الذي سوف يؤدي إلى تكرار الفشل، واهدار المال العام.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه