ارتدادات الهجوم على قطر في المغرب العربي

في مقابل تنطّع المهاجمين أثبت المفاوض القطري ذكاء وحصافة كبيرين فأدار معركته بهدوء ورتب أدواته بذكاء أفرغ به الهجوم من زخمه.

لم تنتصر قطر على دول الحصار بعد ولكنها لم تعلن هزيمتها واستسلامها للشروط. لذلك لا يمكن القول إن دول الحصار انتصرت بل هي في حكم المنهزم المولي عقبا خاصة بالنظر إلى قوة الهجوم وثقل الأسلحة التي تم توظيفها منذ اللحظة الأولى للهجوم؛ بما يجعل السؤال عن مآلات الهجوم مشروعا ويحق للمراقب تتبع الاحتمالات المنجرة عن هجوم ارتد على أصحابه. هناك استنتاج كسول يريح من كل التحاليل وهو أن جميع أطراف النزاع لا تملك من أمرها شيئا، وأنها بيادق تحرك على رقعة وأن اللاعب الكبير حرّكها طبقا لهواه وبالتالي يصبح كل حديث عن مآلات حديثا بلا معنى لأن خيوط اللعبة ليست بيد الفاعلين الظاهرين. هذا التحليل ينهى المسألة برمتها وينتظر مناورة أخرى يحرك فيها اللاعب البيادق ويستنتج المحلل الكسول أن لا جديد في المشهد، وينصرف إلى منتجعات التصييف.

قطر وجزيرتها باقيتان

هذا معطى ثابت الآن. لم تغلق القناة المؤسسة ولم تغير خط تحريرها بعد. بل حظيت بمزيد من المتابعين نكاية فيمن يعادي حرية الإعلام. وقد تدبرت مدافعين من خارج المنطقة العربية بالنظر إلى موقف مبدئي  في بلدان غربية يستنكف المساس بحرية الإعلام وإن اختلف مع الوسيلة وتوجهاتها.

لم تغير قطر سياساتها الخارجية تجاه جيرانها بعد ولم تتراجع عن حسن جوارها مع ايران بل كشفت أن محاصريها أشدّ تعلقا بعلاقة غير عدائية مع الدولة الجار المتهمة بالإرهاب. فما عابوه عليها من التصاق بإيران كشف أنهم أشد منها التصاقا تجاريا وعسكريا. بل عاد الحديث عن الأرض الإماراتية المحتلة والمنسية.

لم يمكن إدانة التحالف العسكري مع تركيا ولا قطعه فالتحالفات العسكرية لدول الحصار لا تختلف عن علاقة قطر بتركيا. بما جعل الحديث يفتح على قول واضح: إذا كانت التحالفات عيبا فالجميع مورط ولذلك وجب الصمت.  فهو عمل من أعمال السيادة لم يمكن التأثير عليه.

تمخض الحصار فولد تراجعا مهينا. وفقد المحاصرون زخم الهجوم وتشتت قولهم حتى اقترب من الاعتذار وبقي احتمال الكيد؛ لكن لقطر في هذا أوراق كثيرة منها القاعدة الأمريكية التي تمسكت بها الإدارة الأمريكية الأعرف من الجميع بمصالحها التكتيكية والإستراتيجية في المنطقة. إذن آن الأوان للسؤال عن كم خسائر  المحاصرين وعن كم أرباح البلد المحاصر وخطه السياسي في المنطقة؟

هجوم تدمير دمر  المهاجمين

قوة الهجوم عبر الحصار وفرض شروط منتصرين قبل خوض المعركة لم يكشف جهلا بالمعارك فقط بل كشف تخبطا وعمى تكتيكيا. لقد تبين أنه أقرب إلى رغبات طفولية منه إلى خطة حرب بين دول تضع خططا حربية وتنفذها وكل حرب تتدرج من القوة الأقل إلى القوة الأقصى حتى الانتصار وتحقيق الأهداف.

لم يمكن إيجاد مرتكز تغيير للأسرة الحاكمة في الداخل ولم يمكن توفير جيوش لهجوم خارجي حيث لا تزال آثار هجوم العراق على الكويت ماثلة. ورغم ما يمكن أن يقال عن الشرعية الدولية من مثالب إلا أنها في الحالة القطرية كانت ماثلة. وربما كان للوسيط الكويتي دورا مهما في التذكير الدائم بأن إلغاء دولة من الخريطة لم يعد ممكنا.

في مقابل تنطّع المهاجمين أثبت المفاوض القطري ذكاء وحصافة كبيرين فأدار معركته بهدوء ورتب أدواته بذكاء أفرغ به الهجوم من زخمه ولم يرتج أو يفقد توازنه بما دلل أن له عقولا تفكر وتتصرف وتقسط القوة وتقدم أدوات الصراع خارج منطق الحرب الهوجاء. ذكاء تكتيكيي مقابل عمى إستراتيجي انتهى بخروج قطر سالمة وبكل أسلحتها بل بمزيد من الثقة الدولية في قدرتها على لعب دور معدل صدمات في المنطقة ربما يؤهلها إلى دعم مكانتها مع الكويت وسلطنة عمان كدول جانحة إلى السلم، وما أشد تلك المنطقة إلى قوى ترعى السلم الدولية، وتربح من دور الحكم أكبر من دور البلطجي الغني وهو الدور الذي انحشرت فيه دولة الإمارات خاصة والتي غرها مخزونها المالي الإستراتيجي لتلعب دور نمر المنطقة. وتبين أنه نمر من ورق وإن بارز بمخالبه المالية. والسؤال الآن وبعد ارتداد الهجوم ما مصير المعركة؟

الخاسرون ما وراء البحر الأحمر

العسكري المصري خاسر أول

لقد بذل العسكري المصري كل الجهد ووضع جيشه تحت الطلب وربما أعطي أوامر عسكرية لهجوم لكنه انتكس. كانت غايته المال القطري بعد أن فقد التمويل السعودي، وفي كل الحالات فإن أزمته الاقتصادية لن تحلها حتى الأموال القطرية لو صبت في حساباته، فهو بالوعة مفتوحة لا تشبع، وحتى عندما بدأ الخصوم الثلاثة في مناورة التراجع والتهدئة بقي العسكري ووزير خارجيته مصعّدا يدفع الأزمة إلى قمتها لعل أن يفتح له توظيف جيشه وتدبير مصروف جزيل. لقد خسر وهو الآن يعض أصابعه على ما أنفق في الأزمة من جهد.

العسكري الليبي خاسر ثان

حفتر يخسر مموليه. الأمر لم يحسم بعد لكن الممول الإماراتي يعيد حساباته الآن والطيران المصري الذي يضرب ليبيا لن يجد ثمن الوقود وثمن القنابل، فحفتر لا يتقدم أبعد من مواطن أقدامه والأزمة الليبية تتجه إلى حلول سياسية تستبعد الحسم العسكري، وفي السلم تربح الثورة الليبية مهما كانت تنازلاتها لصالح إنهاء الاقتتال الداخلي. هنا سيصبح حفتر غير ضروري في الحل النهائي ولن يجد الإماراتي ذريعة لتدخل مسلح فالحل السياسي سيكون ضده.

خط الإمارات في المغرب العربي (تونس والجزائر) خاسر ثالث

صار من المعلوم أن رهان الإمارات على تخريب الثورة التونسية من الداخل بواسطة عملاء مرتزقة قد وصل إلى زنقة مغلقة وأن أنصارها فقدوا الدعم اللوجستي (المالي والمخابراتي) وإنهم مضطرون إلى الانحناء أمام حجمهم البشري المحدود فحيث تقام الانتخابات تخسر الأقلية ولقد كان خط الإمارات أقليا لولا المال. الموقف التونسي الرسمي اتخذ موقفا أقرب إلى الحياد في الأزمة بما حرم الإمارات من دولة أفريقية أخرى ترتزق ببيع موقفها السياسي.

الجزائر التي رأت جيش السيسي على حدودها بتمويل إماراتي خرجت رابحة فعسكر المعونة غير قادر على دخول الأرض الليبية حتى يصل حدود الجزائر الشرقية فهو جيش فقير (الجزائر تعرف نوعية الجندي المصري قبل المال الإماراتي وبعده). ولكن مجرد التفكير في التدخل البري في ليبيا للوصول إلى فرض حفتر كخيار حكم مهدد للجزائر صار الآن وراء الجزائر التي يبدو أن موقفها منسق بدقة مع تونس بخصوص الوضع الليبي حيث إن فرض الخيار المصري(الإماراتي في الأصل) مرفوض رفضا باتا.

خط التطبيع يفقد غايته

خيار التطبيع انكسر أو فقد قوته لن يقبل لدى الشعوب العربية أن يصير التطبيع خيار أمة ومن يموله أو يدعو إليه سيظل جسما غريبا عن جسد الأمة، وإن كانت الصفقات تعقد حتى الآن. خط الرفض للتطبيع قوي رغم هموم المواطن العربي المطحون بالعسكر والمال الفاسد. وقائع كثيرة يمكن تجميعها للقول إن التطبيع ليس خيار الشعوب العربية، وإن خط التطبيع الإماراتي السعودي لم يفلح في تحويله إلى خيار شعبي.

لم يفلح المطبعون في الفوز بسند صهيوني جلي يتحمل معهم كلفة التطبيع؛ فالصهاينة انتظروا معركة لجني فيئها لكن المعركة لم تحصل وظهر الصهيوني مجرد متربص يغنم من موت الآخرين أما الثقل السياسي لموقفه فقد ظهر ضعيفا. وحتى اللوبي الأمريكي المتصهين فلم يؤثر في الموقف السياسي الأمريكي الذي قدر مصالحه الثابتة ورفض الدخول في معركة خاسرة، لقد خسر الإماراتي الدعم الصهيوني المباشر ولن يمكنه التعويل عليه لاحقا.

هل يستأنف الربيع العربي طريقه؟

سؤال مبكر بعض الشيء لكن الخط المعادي توقف الآن. احتمال أن يستأنف من مكان آخر وارد لكن بأية حجة وبأية قوة مالية. صحيح أن المال الإماراتي كثير ويمكن أن يعاد توظيفه لكن هل يفي المال بكل شيء؟ موقف فقراء أفريقيا كشف أنه لا يمكن شراء كل شيء والمعارك لا تدار بالمال فقط. هناك كواليس يجهلها كاتب المقال مثل عمق العلاقة بين الإمارات وفرنسا وتنسيق عملهما في المغرب العربي من ليبيا إلى موريتانيا. فرنسا مثل الإمارات أعداء للربيع العربي وبينهما تنسيق كبير؛ لكن المعطيات على الأرض تتغير فحجم ما أنفق على تخريب التجربة كثير ولكنه ذهب سدى حتى الآن والفشل يولد الفشل وبالتالي فإن الربيع العربي أمام خيار استئناف التجربة ودفعها إلى مداها عبر آليات الديمقراطية وهي عسيرة وطويلة النفس لكنها بدأت وانتكست ولم تفقد قدراتها كلها.

إننا في أفق مختلف بعد انكسار الهجوم على قطر. وليس المطلوب توسل قطر لدعمه ولكن الانتباه إلى أن خط الإمارات السعودية لم يعد قادرا على كسره ويكفي قطر أنها خاضت معركته لصالحها ولكن بعض نتائج انتصارها يمكن استثمارها غربي البحر الأحمر.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه