احتمالات المواجهة التركية – الأمريكية

عوامل تؤكد أن محاولة التهدئة الهشة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته لأنقرة لن تصمد طويلا

  خروج الخلافات التركية – الأمريكية إلى العلن عبر تصريحات رسمية متبادلة من جانب مسؤولين بالبلدين، وتكرار الحديث عن أن علاقتهما تمر بمرحلة دقيقة تستوجب ضرورة الجلوس والتحاور حول نقاط الخلاف بينهما درءا لتفاقم الأمور بين الحليفين والعضوين في حلف الناتو، يعني أن تلك الخلافات تجاوزت بالفعل مرحلة التفاقم، وبلغت حاليا مرحلة الكراهية على المستوى الشعبي، وغياب الثقة المتبادلة على المستوى السياسى الرسمي، وهى أمور تنذر بعواقب وخيمة على عدة مسارات متباينة.

   لهجة عدائية

الجانب الأمريكي من جانبه فتح النار على تركيا عبر ملفي القضاء وحقوق الإنسان، موجها العديد من الانتقادات الحادة على لسان المتحدثة الرسمية للخارجية الأمريكية هيذر نويرت، التي طالبت الحكومة التركية بضرورة إنهاء حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز 2016، والتوقف عن عمليات الاعتقال التى تطال العديد من الصحفيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان، وعدم تسييس القضاء.

فيما صعد إتش آر مكماستر مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي من لهجة العداء ضد تركيا التي اتهمها بدعم الأفكار العقائدية المتطرفة، التي تمثل تهديدا بالغا للعالم المتحضر، مشيرا إلى أن هذه التنظيمات كانت فيما سبق تحصل على دعم السعودية والآن تحصل على دعم أكبر من قطر وتركيا معا.

وهي التصريحات التى أثارت غضب المسؤولين الأتراك، الذين رفضوا تلك الاتهامات جملة وتفصيلا، متهمين المسؤولين الأمريكيين صراحة بالكذب، وباللعب على كل الحبال من أجل تحقيق مصالح آنية، غير مدركين للأخطار التى يعرضون لها علاقاتهم مع حلفائهم في المنطقة، فيما ذهب الرئيس التركي في تصريحاته إلى أبعد من ذلك، حين أعلن في تجمع لمجموعة حزبه البرلمانية أن الولايات المتحدة باتت تعمل ضد كل من تركيا وروسيا وإيران فى سوريا ، مطالبا الإدارة الأمريكية بسحب قواتها الموجودة في منبج  قبل بدء تقدم قواته  باتجاهها لتطهيرها من العناصر الإرهابية – على حد وصفه – تمهيدا لتسليمها لأهلها الحقيقيين .

كراهية شعبية

الخلاف السياسي المعلن الذي تناولته وسائل الإعلام، انعكس بدوره على توجهات الرأي العام التركي الذي أصبح يرى في الولايات المتحدة الأمريكية العدو الأول لبلاده لتحل بذلك محل روسيا العدو التقليدي للأتراك، وقد أصبحوا يرون في التقارب التركي الروسي أمرا إيجابيا يصب في صالح الدولة التركية، وذلك وفق استطلاعات للرأي قامت بها عدة مؤسسات محلية متخصصة في هذا المجال، اتهم فيها الأتراك واشنطن وتل أبيب وعددا من الدول الأوربية بأنهم السبب الرئيس وراء الزيادة المطردة في قوة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، من خلال مايقدمونه لهذا التنظيم من دعم عسكري ولوجيستي .

انعدام الثقة

انعدام الثقة فى العلاقات بين البلدين وزيادة احتمال حدوث مواجهة عسكرية بينهما على خلفية النزاع القائم حاليا بسبب الدعم الأمريكى لأكراد سوريا، أجبر واشنطن على محاولة التهدئة عبر إرسال عدد من كبار مسؤولى الإدارة الأمريكية إلى أنقرة ، التي استقبلت في هذا الإطار كلا من رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي وصولا إلى وزير الخارجية، والذين التقوا نظراءهم الأتراك ورئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، لمحاولة إزالة القلق التركي تجاه التحركات الأمريكية في المنطقة، وعلاقاتها بأكراد سوريا، وخطتها الرامية لإنشاء قوة مسلحة قوامها 30 ألف جندى من قوات حماية الشعب لاستخدامهم ـ وفق ماهو معلن ـ قوة حرس حدود، ومن ثم تحويلهم لاحقا إلى جيش نظامم معترف به دوليا تحت مسمى محاربة الإرهاب، وهو المخطط الذي أدى إلى تصاعد حدة التوتر بين البلدين .

زيارة وزير الخارجية الأمريكي – الذي كان آخر مسؤول أمريكي يزور أنقرة –  نجم عنها بيان مشترك يعتمد عدة خطوات من أجل وقف التدهور فى العلاقات ومحاولة إعادة الثقة عبر الاتفاق على إنشاء آلية لحل الخلافات بين البلدين أولا بأول، وتشكيل مجموعات عمل لبحث الملفات الخلافية الحالية التي تتمحور حول قوات حماية الشعب الكردية وأسلوب عملها ومناطق تواجدها ونوعية تسليحها، إلى جانب ملف تسليم فتح الله غولان المتهم من جانب أنقرة بمحاولة الانقلاب التي وقعت عام 2016 ، وملف الموظفين المحليين العاملين فى السفارة الأمريكية المعتقلين حاليا بتهمة الانتماء لمنظمة إرهابية مسلحة وانتهاك الدستور والمشاركة فى محاولة إسقاط حكومة الجمهورية التركية .

تهدئة هشة  

الا أن الأزمة تفاقمت لأن المسؤول الأمريكي لم يرد على المقترح التركي الخاص بنشر قوات تركية – أمريكية مشتركة في شمال سوريا، عوضا عن القوات الكردية الموجودة هناك، وتلميحه إلى تحفظات إدارته حول ممارسات السلطة التركية التي تؤدي إلى تراجع الديمقراطية إلى جانب غضب واشنطن غير المعلن من استمرار التعاون التركي الروسي الإيراني في سوريا، وإصرار أنقرة على استكمال صفقة الدفاع الصاروخي الجوي الروسي أس – 400  التي تعارضها الولايات المتحدة وتعتبرها خرقا للعقوبات المفروضة على روسيا، وضبابية موقف الإدارة  الأمريكية نتيجة عدم توافق مؤسساتها بشأن العناصر الكردية في سوريا التي تصنفها الاستخبارات الأمريكية تنظيما إرهابيا فيما تعتبرها وزارة الدفاع حليف استراتيجي، بينما يتأرجح موقف البيت الأبيض بين هذا وذاك.

وجميعها عوامل تؤكد أن محاولة التهدئة الهشة التى قام بها وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته أنقرة لن تصمد طويلا فى ظل إصرار أنقرة على تنفيذ كافة مطالبها الخاصة بخروج وحدات حماية الشعب من منبج وترحيلهم إلى شرق نهر الفرات، وسحب أسلحتهم الثقيلة التي سبق وأن قامت وزارة الدفاع الأمريكية بتسليحهم بها، وتسليم فتح الله غولان المسؤول عن محاولة الانقلاب والعناصر الموجودة معه الذين تحتضنهم واشنطن، وهى مطالب لم تتم الاستجابة لها من قبل، وليس من المنظور تلبيتها فى الوقت الراهن خصوصا مع وجود ذلك التضارب الذى تعانيه المؤسسات الأمريكية تجاه رؤيتها الخاصة لكل ملف من هذه الملفات.  

    الحل فى سوريا

وهو ما سيجبر تركيا على الاستمرار فى سياستها الرامية إلى الدفاع عن حدودها مما تراه خطرا إرهابيا يتهددها، لحين الانتهاء من التوصل لحل نهائي للوضع القائم داخل الأراضي السورية، وتحديد وضع الأكراد فيها، الأمر الذى يعد بمثابة صفعة للمخططات الأمريكية الرامية إلى إعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط وخلق كيانات سياسية جديدة لتحل محل الكيانات القديمة، مع إجراء تغييرات جوهرية فى عدد من أنظمة الحكم القائمة التى سيتم الاحتفاظ بها، بهدف تهيئة الأجواء المناسبة للحفاظ على أمن وسلامة حليفتها إسرائيل وضمان تفوقها عسكريا واقتصاديا على محيطها الجغرافي، بل ويرهن عودة علاقاتها مع تركيا إلى طبيعتها بإيجاد حل نهائي للأزمة السورية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه