اتفاق إدلب.. حين يكمن الشيطان في التفاصيل

ورغم أن هيئة تحرير الشام مصنفة في تركيا تنظيما إرهابي، إلا أن تعامل أنقرة معها حتى الآن يعكس رغبة واضحة في حل الأزمة دون اللجوء إلى الحلول العسكرية.

مشاورات مكثفة مهدت الطريق إلى سوتشي حيث التقى الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في قمة أُطلق عليها البعض “الفرصة الأخيرة” إذ خصصت تقريبا لبحث ملف رئيسي وهو مستقبل محافظة إدلب شمال غربي سوريا.

لذا لم يكن غريبا أن يضبط الجميع ساعته ليلة السابع عشر من سبتمبر/أيلول الماضي على موعد المؤتمر الصحفي الذي جمع أردوغان وبوتين ترقبا لما سيعلنه الرئيسان، وما إذا كانت أعمال القمة التي بدأت بلقاء ثنائي بينهما، قبل أن تتوسع لينضم إليها وفدا البلدين، ستنجح في فرملة الآلة العسكرية التي كانت على أهبة الاستعداد لشن هجوم شامل على المدينة وأريافها، الأمر الذي كان سيؤدي إلى كارثة إنسانية بحق قرابة أربعة ملايين مدني، كثير منهم نزحوا من أنحاء مختلفة من حلب وحمص وحماة والغوطة الشرقية .. وغيرهم، ولم يعد أمامهم من سبيل يفرون إليه.

الطريق إلى سوتشي لم يكن مفروشا بالورود خاصة لأنقرة التي تحملت العبء الأكبر للحيلولة دون عمل عسكري “محتمل” في إدلب، خاصة عقب فشل قمة طهران في السابع من سبتمبر/أيلول الحالي في التوصل إلى إعلان وقف دائم لإطلاق النار، وبدا فيها واضحا حجم الخلاف بين الرؤساء الثلاثة، مع إصرار أردوغان على تجنيب إدلب كارثة إنسانية محدقة.

لذا طورت تركيا من استراتيجيتها المتعلقة بإدلب عبر عدة محاور أهمها:

  • الدفع بحشود عسكرية كبيرة إلى الشمال السوري، كانت تحمل طابعا دفاعيا وهجوميا، وكان واضحا استعداد القوات التركية لأي مواجهة مع قوات النظام السوري حال قررت مهاجمة إدلب.
  • تعزيز القدرات القتالية لفصائل المعارضة السورية والشروع في نقل قرابة عشرين ألف من الجيش السوري الحر من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون إلى حدود إدلب.
  • نشاط دبلوماسي مكثف نجح في حشد الرأي العام العالمي خلف الرؤية التي طرحها أردوغان في قمة طهران، تزامنا مع تهديد أنقرة الصريح بفتح باب الهجرة إلى أوربا على مصراعيه حال شن نظام الأسد وحلفاؤه هجوما على إدلب، وهو ما لا تحتمله القارة العجوز في ظل الخلافات العميقة بين قادتها على خلفية أزمة اللاجئين.

وبالرغم من تأكيد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الواضح في الاتفاق الموقع مع نظيره التركي خلوصي أكار، في سوتشي بأنه لا عمليات عسكرية في إدلب، الأمر الذي لاقى ترحيبا دوليا كبيرا، إلا أنه وكما هو شأن جميع الاتفاقيات فإن الشيطان دائما ما يكمن في التفاصيل، فالاتفاق رغم نجاحه في إبعاد شبح الحرب عن إدلب، إلا أن عدة تفاصيل قد تحتاج إلى إيضاحات لتجاوز أي خلاف قد يفخخ الاتفاق بدلا من تطويره والبناء عليه لمستقبل عموم سوريا، وليس إدلب فقط.

نزع الأسلحة الثقيلة من فصائل المعارضة

بحسب اتفاق إدلب فإنه سيتم البدء في نزع الأسلحة الثقيلة من الفصائل، من المنطقة منزوعة السلاح الفاصلة بين النظام والمعارضة بعمق يصل من ١٥ إلى ٢٠ كم، بدءا من منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

الأمر الذي فتح الباب للتساؤل عن المقصود بنزع السلاح، هل يعني تفريغ إدلب من الأسلحة الثقيلة؟ ومن الذي يضمن أن تصبح بعد ذلك هدفا سهلا للنظام السوري وحلفائه؟ وهل ستوافق الفصائل على تسليم السلاح الثقيل؟

لكن تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، وضعت النقاط على الحروف، إذ أكد أن نزع السلاح الثقيل سيقتصر على المنطقة الفاصلة لكنه سيبقى في أيدي فصائل المعارضة، ولن تتم مصادرته كما يشاع.

الأمر الذي لم ترفضه موسكو حتى الآن، ما يعني موافقتها على تفسير أنقرة على مسألة نزع السلاح الثقيل، ما لم تحمل الأيام المقبلة جديدا من موسكو.

المصير المجهول للجهاديين

طرحت تركيا في مؤتمر طهران رؤية ترتكز على ضرورة التفريق بين من سمتهم بالجماعات المعتدلة والمتطرفة، وأكدت أن أي عمل عسكري يجب أن يركز على إخراج الجماعات “المتطرفة” دون المعتدلة، الأمر الذي لاقى قبولا لدى موسكو.
والآن يرتهن مصير الاتفاق بالتزام تلك الجماعات بما تم التوصل إليه في سوتشي، في ظل رغبة موسكو الجامحة في إخراج تنظيم القاعدة والمجموعات المسلحة المرتبطة به من إدلب، والتي باتت تعرف باسم “هيئة تحرير الشام” دون إيضاح كيف ستخرج وإلى أين سينتهي بهم المطاف؟

وإدلب تمثل آخر نقطة في سوريا خارج سيطرة النظام كان يمكنهم اللجوء إليها فيما مضى! الأمر الذي أكده المحلل التركي سنان أولغن، في تصريح لرويترز قال فيه إن “المشكلة الأساسية هي المقاتلون الأجانب لأنه لم يعد لديهم مكان يلجؤون إليه

ورغم أن هيئة تحرير الشام مصنفة في تركيا تنظيما إرهابيا، إلا أن تعامل أنقرة معها حتى الآن يعكس رغبة واضحة في حل الأزمة دون اللجوء إلى الحلول العسكرية، على غرار ما حدث مع تنظيم داعش.

مصادر بالمعارضة السورية في إدلب أكدت لرويترز أن هناك وجهات نظر مختلفة داخل هيئة تحرير الشام بشأن إمكانية التعاون مع وجهة النظر التركية التي ترمي إلى حلِّ الهيئة وإدماجها في الجيش الحر لقطع الطريق أمام استهداف المنطقة.
وفيما تشير أنباء إلى موافقة المقاتلين المحليين السوريين داخل الهيئة على وجهة نظر أنقرة، لا يزال موقف المقاتلين الأجانب يشوبه الغموض حتى الآن.

ومن هنا فإن المدة المتبقية حتى الخامس عشر من أكتوبر المقبل – موعد بدء إنشاء المنطقة الفاصلة ونزع السلاح الثقيل منها – ستبدو فاصلة، فإما أن تنجح تركيا في إقناع هيئة تحرير الشام في تفكيك التنظيم والانضمام إلى الجيش الحر، ومن ثم البناء على ما تم التوصل إلى في سوتشي، للوصول إلى حل لمجمل الأزمة السورية، تؤكد المعارضة أنه سيكون بدون بشار الأسد.

وإما أن تتحول الاتفاقية إلى مجرد هدنة، سرعان ما ستختفي لتحل محلها روايات الحرب والنزوح المؤلمة.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه