ابن سلمان والإخوان.. العدو الوهمي

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يصوب فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نيرانه ضد الإخوان المسلمين، الرجل يريد صناعة عدو جديد يسهل الانتصار عليه، ويمكن المرور فوق جثته إلى قلب إسرائيل والعالم الغربي، وبعد أن فشل في حملته عاصفة الحزم التي ساق فيها بلاده إلى مهلكة اليمن، وغاص في أوحالها، ولم يجد أمامه من عدو سهل (من وجهة نظره) يصرف إليه معركته الجديدة التي قد تعوض خسارته الكبيرة في اليمن سوى الإخوان بعد أن ساعد أباه وعمه في الانقلاب عليهم إثر وصلوهم إلى السلطة في مصر عبر الصناديق التي أرعبت حكام المملكة، والتي فتحت أبواب ونوافذ الحرية أمام الشعب السعودي وغيره من الشعوب المستعبدة تحت حكم أسر لا تعرف معنى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة شأنها في ذلك شأن حكم العسكر.

وتناسى الأمير الشاب

“رمتني بدائها وانسلت” أصدق تعبير عن تصريحات محمد بن سلمان الأخيرة حول الإخوان الذين اتهمهم بـ”إفساد التعليم السعودي” !!! ، بعد أن سيطروا عليه طيلة الأعوام الثلاثين الماضية، وتعهد بالقضاء على هذه الظاهرة قريبا، وأنه سيتعقب من تبقى في الهيئات التعليمية منهم، وتناسى الأمير الشاب أن من سيطر على التعليم خلال السنوات المقصودة هو الفكر الوهابي البدوي المتشدد الذي يختلف مع الإخوان، والذي أخرج من يكفرون الإخوان، بل ويكفرون عموم المسلمين، ويقتلونهم مثل القاعدة وداعش، وحتى جهيمان العتيبي الذي اقتحم الحرم واعتصم به مع أنصاره أواخر العام 1979 (وهو العام الذي يشير له دوما ابن سلمان) كان ابنا أصيلا لذاك الفكر، فقد تتلمذ على يد مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز رائد الجماعة السلفية المحتسبة.

بدا الخلط واضحا بين الإخوان وغيرهم من جماعات التشدد الوهابي في حديث الأمير لقناة “cbs” الأمريكية والذي ذكر فيه أن السعوديين قبل العام 1979 كانوا يعيشون حياة “رائعة وطبيعية”، مثل بقية دول الخليج، وأن النساء كن يقدن السيارات، وكانت هناك دورا للسينما، قبل ظهور التشدد وغير المتسامح في المملكة الذي كان هو وأبناء جيله “ضحايا” له.

وزعم ابن سلمان أن “المدارس السعودية تعرضت لما وصفه بالغزو من عناصر الإخوان المسلمين، ولكن في القريب العاجل سيتم القضاء عليهم”وهذا ما رد عليه نائب المرشد العام للإخوان إبراهيم منير واصفا إياه بـ “نكران الجميل” حيث إن الإخوان ساعدوا المملكة العربية السعودية في مواجهة التغريب في الستينات والسبعينات.

لم يكن هذا التصريح الأول من بن سلمان ضد الإخوان، فمن الواضح كما قلنا إنه يريد بناء جزء من شرعية حكمه على مواجهة الإخوان، ولعلنا نتذكر تصريحه المثير للسخرية مطلع مايو/أيار 2017 حين ساله مذيع قناة إم بي سي عن موقفه تجاه الإعلام المصري الذي شن حملات ضد المملكة عقب توقف “الرز السعودي” فقال ابن سلمان قولته المشهورة “تقصد الإعلام الإخونجي” فقد ترك الرجل الحملات التي تشنها أذرع السيسي ضد مملكته، ووجه سهامه مباشرة نحو الإخوان، فتلك هي “الحيطة المايلة” التي يتوهم أن بمقدوره هدمها، وتحقيق انتصار عليها.

الرجل العصري

الأمير محمد بن سلمان صاحب مشروع (علمنة وتغريب) واسع للمجتمع السعودي، ويتحرك بهذه التغييرات (التي تستبعد أي تغيير سياسي) بسرعة جنونية، سعيا منه لتقديم نفسه للعالم الغربي باعتباره الرجل العصري الذي سمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، علما أنه لو كان سابقوه ساروا على فكر الإخوان لسمحوا بهذا الأمر منذ عقود، ومعه أيضا حقوق أخرى كثيرة للمرأة والرجل أيضا، لكنهم كانوا أوفياء للفكر الوهابي الصحراوي الذي حرم قيادة المرأة السعودية للسيارات، بينما كانت نساء وبنات الإخوان يقدن السيارات منذ عشرات السنين.

المشروع التغريبي الذي يقوده الأمير الشاب، يلهب حماس الدوائر الغربيه لدعمه، لكنه يلقى معارضة داخلية من الكثير من السعوديين الذين يعتبرون أن عزهم ومجدهم ومكانتهم الحقيقية في الحفاظ على القيم الإسلامية كسدنة لبيت الله الحرام، ويظن الأمير أن الفكر الإخواني يقف خلف هذه المعارضة، ولذا فقد سارع باعتقال العديد من رموز الفكر المعتدل في السعودية مثل المشايخ: سلمان العودة وعوض القرني وموسى الشريف وعلي العمري دون الاقتراب من أصحاب الفكر المتشدد الذين نشروا هذا التشدد عبر العالم، والذين انتجو حملة القنابل والمتفجرات التي لم تصب السعودية فقط بل أصابت غيرها من الدول والشعوب العربية والغربية.

البنا والسعودية

المتابع للعلاقات السعودية مع الإخوان يدرك ببساطة أن الخوف من رياح الديمقراطية هو الذي قلبها رأسا على عقب، إذ بدأت العلاقة ودية تماما منذ عهد مؤسس الإخوان الإمام حسن البنا الذي بادر للاعتراف بالمملكة السعودية في العام 1932  مخالفا بذلك الموقف الرسمي للملك فؤاد(تأسست جماعة الإخوان عام 1928)، والتقى الإمام البنا بالملك عبد العزيز في رحلته للحج عام 1936، وتوطدت العلاقات في بعثات الحج التالية للبنا وبعثات الإخوان، واحتضنت المملكة العديد من الإخوان الفارين من الحكم الناصري في الستينات نكاية في الرئيس عبد الناصر، ومن خرجوا من السجون منذ منتصف السبعينات، والذين ساهموا من ناحيتهم بدور كبير في نهضة المملكة العلمية والتعليمية والعمرانية، ولكن العلاقات تغيرت بسبب اختلاف المواقف إزاء الغزو العراقي للكويت ثم الغزو الأمريكي للعراق، ورغم أن العلاقات تحسنت بعض الشئ في عهد المرشد الراحل مهدي عاكف إلا أنها توترت بشدة عقب ثورة يناير إذ شعرت الأسرة الحاكمة في السعودية بخطورة الرياح الديمقراطية، ولم تفلح تطمينات الرئيس مرسي بعدم تصدير الثورة، وزيارته للملكة في أول زيارة خارجية له عقب فوزه، ولعبت المملكة  والإمارات الدور الرئيسي في دعم الثورة المضادة، وإسقاط الرئيس مرسي ودعم الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن.

ما يفعله الأمير محمد بن سلمان هو معركة في غير ميدان، فليس الإخوان هم أعداء المملكة التي تخوض منذ مارس/آذار 2015 حربا فعلية على حدودها الجنوبية مع الحوثيين في اليمن المدعومين من إيرن، والذين وصلت صواريخهم إلى قلب الرياض، وإذا كان الأمير محمد يعتبر أن معركته مع غلاة الوهابية فهو يعرف عناوينها جيدا، بدلا من التصويب على العنوان الخاطئ.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه