ابتسام تريسي تكتب: الحرب بالوكالة

أصبحت سوريا ساحة لصراعات دولية وإقليمية تحكمها المصالح الخاصة والرغبة في السيطرة على أكبر حصة من الثروات الطبيعية لتقوية نفوذها عالمياً. يتبع

ابتسام تريسي*

أصبحت سوريا ساحة لصراعات دولية وإقليمية تحكمها المصالح الخاصة والرغبة في السيطرة على أكبر حصة من الثروات الطبيعية لتقوية نفوذها عالمياً.

الجارة تركيا ليست الدولة الأولى التي تتدخل في الشأن السوري سعياً وراء مصالحها الكبرى في المنطقة، لكنّها ولزمن طويل من عمر الثورة السورية وقفت موقف الجار المحسن والصديق بإيواء النازحين إليها، والتصريحات والتهديدات التي لم تتجاوز الخطب في المناسبات، ولم تتحوّل إلى فعل يثبت أنّها تقف مع الشعب السوري، وتسعى لتخليصه من حكم نظامه الديكتاتوري ورئيسه القاتل.

بقيت تركيا تراقب داعش، ولم تشارك في التحالف الدولي ضدّ تنظيم الدولة، وكأنّ مجازر التنظيم في سوريا لا تعنيها مع أنّها تغنّت طويلاً بضرورة وجود منطقة آمنة في الشمال، ومنذ بداية الثورة السورية والسوريون يحلمون بأنّ تركيا ستعمل على إنشاء منطقة عازلة تحميهم من طيران الأسد، يلجأ إليها النازحون من كلِّ أنحاء سوريا.. لكنّ تركيا لم تتحرك سوى بالكلام والتلويح للسعودية بضرورة إنشاء منطقة عازلة!

ومن الواضح أن لتركيا دوراً داعماً لوجود داعش ولو كانت لا تريد لهذا التنظيم أن يتمدد لكانت على الأقل منعت عناصره من المرور عبر معابرها إلى الأراضي السورية منذ بداية ظهور التنظيم. فهل كان لمقتل 30 مواطناً تركياً في مفخخة داعشية بمدينة “سورج” دوراً في انتباه تركيا للخطر وانضمامها أخيراً للتحالف الذي يدّعي أنّه يحارب التنظيم بطلعات طيران معظم القتلى فيها من المدنيين؟

بعد حادثة “سورج” صرّح أردوغان بأنّ تنظيم داعش خطر على تركيا والمنطقة! وصرح داوود أوغلو أنّ محاربة داعش ستكون لها الأولوية في الأجندة التركية !

على ما يبدو رضخت تركيا أخيراً للضغوطات الأمريكية والإيرانية بشأن التدخل في محاربة داعش في سوريا، وليس التفجير في سورج سوى الوخزة التي أصابت الحصان التركي من سوط راعي البقر الأمريكي، لأنّ هناك أسباب قوية بالتأكيد جعلت تركيا تغيّر موقفها وتسمح للتحالف باستخدام قاعدة “إنجرليك” وبالوقت نفسه تغض الطرف عما يحصل في “مصر” في قضية الإخوان المسلمين.

 الحرب مع الأكراد
وسكوت تركيا طيلة تلك المدّة عن جرائم تنظيم الدولة كان بسبب الحرب مع الأكراد، فقد قامت داعش بحربها مع الأكراد بحمل عبء الحرب عن كاهل تركيا، فكانت حرباً بالوكالة المستفيد الأكبر منها الحكومة التركية والنظام السوري.

وقد بدأت المشكلة الكردية في سوريا منذ عام 1962 حين اتخذت الحكومة السورية قراراً بتعداد الأكراد في سوريا بسبب شكّها بتسلّل أعداد كبيرة من أكراد تركيا واستقرارهم في القامشلي. نتيجة التعداد تبيّن أنّ عدد الأكراد 100 ألف ، جرّدت الحكومة خمسة عشر ألفاً منهم من الجنسية السورية، وجرَّ ذلك الكثير من الاحتجاجات والحوادث التي طالب فيها الأكراد بحقوقهم كمواطنين سوريين.

وبمجيء الثورة السورية انقلبت الموازين، وانسلخ جزء من الأكراد من النسيج السوري على الرغم من سعي بشّار الأسد لاستمالتهم بإصدار مرسوم رئاسي في 7 أبريل/نيسان 2011 (لا يخفى عليكم دلالة التاريخ فالنّظام السوري يحتفل كلّ عام بعيد ميلاد حزب البعث في السابع من نيسان وتيمناً بذلك العيد تصدر المراسيم وخاصة مراسيم العفو!) وبحسب المرسوم سويت أوضاع عشرات الآلاف من الأكراد _ خلال أيام_ كي يقفوا مع النظام في حربه ضدّ الشعب السوري.

ولم يخيّب الأكراد ظنّ النظام السوري، لكنّ حربهم إلى جانبه جاءت على صورة مختلفة لم تكن ضمن توقعاته… على الرغم من أن سوريا هي الدولة الوحيدة التي عاملت الأكراد على أنّهم من النسيج السكاني السوري، ولم تقم بمحاربتهم وقتلهم وملاحقتهم كما فعل نظام صدام حسين في حلبجة وكما فعلت إيران وتركيا؛ إلا أنّ بعض  الأحزاب الكردية استغلت فرصة الحرب في سوريا وقامت بقتل العرب السنة في عدة قرى وتهجير معظمهم والسيطرة على قراهم بحجة محاربة داعش.

لم يعجب ذلك الجارة تركيا بطبيعة الحال، فسيطرة الأكراد على منطقة كبيرة من الشمال السوري تعني أن تقوم دولة كردية مستقلة ذات “سيادة” تقلق الأتراك وتطالبهم في المحافل الدولية بما تعتبره حقّاً لها في أراضيهم التي لم تستطع طيلة هذه السنوات من حرب العصابات في الجبال الحصول على شبر منها.

اللعبة التي خسرها النّظام السّوري ربحها الأتراك، فقد نقل أردوغان حربه مع الأكراد إلى الأراضي السورية.. ووجد هناك من يقوم بتلك الحرب بالنيابة عنه. “لكنّ الحلو لا يكتمل مادامت أمريكا تسرق العسل!”.
ولم تكتفِ تركيا بمحاولة القضاء على الدولة الكردية “المحتملة الحدوث” على الأراضي السورية؛ بل قامت أيضاً بنقل التركمانستان إلى قرى حلب، وهم يحملون أوراقاً تثبت ملكية أجدادهم لتلك الأراضي، وهذا يذكّرنا باستيلاء تركيا على اللواء، وكيف رحّلت السكان العرب، وأتت بسكّان من الأناضول معهم أيضاً أوراقاً تثبت ملكيتهم للأراضي في اسكندرون وانطاكية، وكلّ القرى والمدن التي أُطلق عليها فيما بعد (مقاطعة هاتاي).
اللعبة التي أتقنتها تركيا في السابق تنفذها الآن. لكنّها لن تربح هذه القضية أيضاً فكما اضطرت للرضوخ أخيراً للطلب الأمريكي في المشاركة بضرب داعش، سيأتي من يخرج رعاياها من ريف حلب من دون أن يملك أوراقاً تثبت ملكيته لتلك الأراضي، لأنّه يملك الحق.. والباطل له جولة.

________________________

*روائية سورية 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه