إغلاق المساجد والمواجهة التركية – الأوربية

كنا سعداء بتشتت المسلمين ، ولانريد أن يأتى رجل يلم شملهم ويجمعهم من جديد، لانريد أردوغان.

قرار إغلاق سبعة مساجد في النمسا، أحدها تابع لمنظمة مدنية تمثل الجالية التركية رسميا في البلاد، وطرد عشرات من الأئمة العاملين فيها وأسرهم، أثار ردود فعل غاضبة من جانب المسؤولين الأتراك، الذين اعتبروا القرار انعكاسا لموجة معاداة الإسلام، والعنصرية المتفشية في المجتمعات الأوربية، مؤكدين أن القرار يستهدفهم على وجه الخصوص.

 “علي أرباش” رئيس الشؤون الدينية وصف القرار بالخطأ الفادح لمخالفته للحقوق والحريات الدينية والمدنية للأقليات، داعيًا النمسا إلى التراجع عنه كونه لا يلائم أوربا التي تدعى المدنية، وتتفاخر بدعم الحقوق الانسانية، وحرية المعتقد، معربا عن اعتقاده أن إصدار بيان أو تصريح بالتخلى عن إغلاق المساجد سيكون أمرًا مناسبًا وتصحيحًا للقرار الخاطئ الذي صدر، مشيرا إلى حجم الحريات الدينية التى يتمتع بها المسيحيون واليهود في ممارسة طقوسهم الدينية من دون تدخل يذكر من جانب الحكومة التركية.

على الصعيد السياسى أعلن المتحدث بإسم الرئاسة التركية إبراهيم كالان أن مايحدث في النمسا ماهو إلا انتهاك لمبادئ القانون الدولي، وحقوق الأقليات، وهدم لقيم التعايش المشترك، وذلك في محاولة تستهدف الجاليات الإسلامية سعيا وراء تحقيق مكاسب سياسية رخيصة.

  مكافحة الإسلام السياسي

فيما أعرب وزير الخارجية التركى عن انزعاجه الشديد من تصريحات مستشار النمسا، التي أعلن فيها أن بلاده لن تمنح إقامات لأئمة مساجد تابعين للاتحاد الإسلامى التركى كانت أنقرة أرسلتهم في وقت سابق، وذلك ضمن ما أسماه بـ ” مكافحة الإسلام السياسي ” والتمويل الأجنبي للمساجد، واعتبر “تشاوش أوغلو” أن تلك التصريحات مؤشر خطير على المدى الذي وصلت إليه العنصرية ومعاداة الإسلام في أوربا، محذرا من أن مثل هذه السياسات من شأنها الدفع بأوربا لحافة الهاوية.

أما وزير الاتحاد الأوربى وكبير المفاوضين الأتراك عمر شليك فكتب على صفحته بـ” تويتر ” إن سياسات معاداة الإسلام تحمل في ثناياها بذور الفاشية ومعاداة السامية، داعيا من أسماهم بأصدقاء الديمقراطية في أوربا للحذر من أعداء الأسلام الذين يسعون لهدم القيم الأوربية وتسميم مجتمعاتهم باسم العنصرية.

   حرب الهلال والصليب

الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أعلن أن قرار اغلاق المساجد في النمسا يقود العالم إلى حرب بين الهلال والصليب، مطالبا الغرب بوضع حد لسلوكيات السياسيين به، وإلا فإن الامور ستأخذ منحى مختلفا، مشيرًا إلى أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدى تجاه قيام النمسا بطرد رجال الدين الإسلامي، ومحذرًا من خطورة هذه الخطوة.

مستشار النمسا سباستيان برر قرار إغلاق المساجد السبع، بأنه جاء تطبيقا لقانون الإسلام الذي صدر عام 1990 ويفرض حظرًا على تمويل المنظمات والمؤسسات الإسلامية الناشطة في البلاد من الخارج، كما ينص على ضرورة حصول جميع الأئمة العاملين في النمسا على تصاريح محلية لممارسة عملهم بمشروعية.

كما يقضى بأن تكون مشاركة الأطفال أثناء زيارتهم للمؤسسات الدينية والمساجد هدفها إقامة الشعائر والفعاليات الدينية فقط، وذلك بهدف تنظيم التعايش بين أتباع الديانات المختلفة على أراضي الدولة، وهو ما تتهم الأئمة الأتراك بخرق بنوده وعدم الالتزام به من خلال تلقيهم أموال من تركيا، وإشراك الاطفال في احتفال أقيم خلال أبريل / نيسان الماضى وهم يرتدون زيا عسكريا إحياءً لذكرى معركة حصلت خلال الحرب العالمية الأولى، مشددا على أنه لامكان في بلاده لما أسماه المجتمعات الموازية والإسلام السياسي والتطرف.

الهدف إحراج تركيا

وبغض النظر عن المبررات التى ساقها مستشار النمسا ، فإن قرار إغلاق المساجد على يبدو موجه ضد تركيا تحديدا فى وقت تستعد فيه لإجراء أهم انتخابات رئاسية وبرلمانية تُجرى في تاريخها ، وذلك بهدف إحراج مسؤوليها أمام ناخبيهم والانتقاص من حجم شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد أن بدأت استطلاعات الرأى العام تشير إلى تصاعد حظوظه في الفوز على الصعيدين الرئاسي والبرلماني، الأمر الذى يسبب إزعاجا لأوربا التى أصبحت تعلن صراحة  عداءها لأردوغان وحزبه من دون خجل ولا وجل، وإلا لماذا صمتت النمسا ومستشارها على عدم تطبيق القانون ولم تتخذ قرار إغلاق المساجد في أبريل الماضى حينما تم إشراك الاطفال في تمثيل المعركة بالزى العسكرى كما يقولون؟ ولماذا تزامن إعلان القرار مع توقيت إجراء الانتخابات التركية؟

مستشار النمسا كان قد أعلن في شهر أبريل / نيسان الماضى أن حكومة بلاده ستحظر على السياسيين الأتراك تنظيم حملات انتخابية على الأراضى النمساوية، وأضاف سباستيان كورتيس الذي تعارض بلاده انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربى “مظاهر الحملات الانتخابية التركية غير مرغوب فيها وبالتالى لن نسمح بها بعد الآن”.

     أوروبا والكيل بمكيالين

موقف النمسا وعداءها الظاهر للرئيس التركى وحزبه ليس الوحيد فى أوربا ، حيث قامت ألمانيا هى الاخرى بمنع الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية تحديدا، بينما سمحت لأحزاب فى المعارضة أقل أهمية من العدالة والتنمية بعقد عدد من اللقاءات الانتخابية والمؤتمرات الجماهيرية، وهو نفس النهج الذى سارت عليه عواصم أوربية عدة، مادفع نواب حزب العدالة والتنمية إلى التصريح بأن أوربا تكن لحزبهم العداء وترغب فى التخلص منه، وأنها تكيل بمكيالين لانها لاتتحمل رؤية تركيا قوية، خارجة عن سيطرتها، لذلك تسعى لإيجاد حكومات ضعيفة فيها تسهل السيطرة عليها وتوجيهها كيفما تشاء وقتما تشاء .

العداء الذي تكنه أوربا لأردوغان وحزبه فضح أسبابه الكاتب اليونانى تيروني سيرا الذي كتب مقالا في صحفية “كورنث” مطالبا علنا بالتخلص من الرئيس التركي الذي بات يشكل تهديدا وخطرا حقيقيا على أوربا، مضيفًا: “كنا سعداء بتشتت المسلمين، ولا نريد أن يأتي رجل يلم شملهم ويجمعهم من جديد. لانريد أردوغان”. ليفضح الإعلام الغربي نفسه بنفسه، ويعلن سبب كراهية أوربا وساساتها لشخص أردوغان، ورغبتهم في التخلص منه.

 إنها تلك الصحوة الإسلامية التي توهجت في عهده، وحجم التطور الذي يحدث لتركيا على يديه، والنقلة النوعية التى قام بها على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية سياسيًا واقتصاديًا وتعليميًا وصحيًا، وتبنيه لقضايا أمته الإسلامية، وتصديه للمؤامرات التي تحاك ضدها، كلها أمور جعلت أوربا تستعيد صورة تركيا القوية التي تخشاها، ولذلك كان السعى من أجل عرقلة الرجل وحزبه، وإدخالهم في معارك جانبية ربما تلهيهم عن خططهم التنموية، وتعرقل تقدم بلادهم، وتحد من مساندتهم للإسلام والمسلمين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه