إسلاميو الجزائر .. أُُكلوا يوم أُُكل الثور الأبيض

شكلت مجموعة من الأحزاب الإسلامية في الجزائر ما أسمته تحالفا إستراتيجيا لمواجهة الاستحقاقات القادمة، على أن يعقبه اندماج كامل في حزب واحد. ويتعلق الأمر بكل من حركة البناء، وجبهة العدالة والتنمية، وحركة النهضة. فيما عادت حركة التغيير التي انسلخت أو تفرعت عن حركة مجتمع السلم إلى الأصل، بإعلان اندماجها مع الحزب الأم.
الأحزاب الإسلامية في الجزائر –المسموح لها بالنشاط– تكون بذلك قد اقتنعت بأن الشتات الذي تعيشه زادها تهميشا وكرس عزلتها وإقصاءها بعد ما جنته عليها السلطة في مختلف المواعيد الانتخابية التي نُظمت في السنوات الأخيرة.. ولعل الشعور بخطر الاندثار والزوال، هو الذي دفع الزعامات الاسلامية إلى وضع أقدامها على الأرض والاعتراف بأخطائها والتنازل بغية إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى لهذا التيار من إمكانيات الاستمرار، ونسبة التأييد الشعبي، وفرص الفوز ببعض المقاعد في الانتخابات القادمة.
يؤكد العائدون إلى بعضهم بعضا من بقايا التيار الإسلامي في الجزائر أن مبادرتهم إستراتيجية وليست آنية، أي أنها هدف وليست وسيلة لدخول المعترك الانتخابي، وإن كانوا يعترفون بأن اقتراب الانتخابات التشريعية المرتقبة شهر أبريل/ نيسان القادم  ساهمت في تسريع وتيرة الوحدة. وهذا يعني في آخر المطاف أن الانتخابات القادمة تمثل رهانا وتحديا في الوقت نفسه، يسعى عن طريقه، “المؤلفة قلوبهم” على الوحدة، إلى استدراك الوقت الضائع واسترجاع بريقهم الشعبي، في ظل ظروف ذاتية وأخرى سياسية واقتصادية واجتماعية لا تعمل لصالحهم، ومحيط إقليمي ودولي معاد.
إصلاح ذات البين 
مبادرة “إصلاح ذات البين” كانت سريعة و”جياشة” قفزت على كل الحقائق والأسباب التي أدت إلى الفرقة، ولم تتعرض إليها ولم تناقشها أو تبددها، إذ لا تزال قائمة قوية ومتجذرة، بل تبدو في بعض الأحيان هي المحرك الأساسي للمبادرة نفسها. وعلى رأس هذه الأسباب: نزعة حب الزعامة والمصلحة والتهافت على المنافع السياسية والاجتماعية، والسمعة والشهرة والمال، والتودد للسلطة والتذلل للمخابرات.
القفز على أسباب الفرقة، يعتبر أحد أكبر معوقات نجاح مبادرات الوحدة لأنه يحرم المبادرين من الرؤية الكلية لأسباب انكماش بقايا الإسلاميين وذهاب ريحهم في الجزائر، والتوصل إلى التشخيص الحقيقي لهذه الظاهرة المرضية. إن المآل الذي وصل إليه الإسلاميون في الجزائر لم يكن بسبب الفرقة والشتات فحسب وإن كانا “القشة” التي قصمت ظهر التيار.  
لقد بدأت نذر اندثار “بقايا الإسلاميين” عقب وقف المسار الديمقراطي وإلغاء الانتخابات التشريعية بعد دورها الأول الذي أفرز انتصارا كبيرا للجبهة الإسلامية للإنقاذ، بداية عام 92 جراء موقفهم – أي بقايا الإسلاميين – المرتبك والمتردد من “الانقلاب”، إذ يجمع المتابعون أن “إخوان الجزائر” خذلوا إخوانهم وزكوا الانقلاب سواء بالصمت أو التواطؤ، وساندوا السلطة – التي عرفت كيف تشق صفوفهم بالترغيب والترهيب– وأضفوا عليها الشرعية، ورافقوها في خياراتها وسياساتها. بل إن الكثير من المحللين يؤكدون أن “التيار الإسلامي” – باستثناء حركة عبدالله جاب الله – هو الذي أنقذ النظام من الانهيار في السنوات الأولى لعشرية الدماء والدموع والدمار.
هذا الموقف جنى منه الإسلاميون المقربون من النظام رضا السلطة فأغدقت عليهم ببعض المناصب والمكاسب، وأشركتهم في الحكومات المتعاقبة حتى طالهم غضب الجزائريين فنقموا منهم كما نقموا من النظام وأصبحوا ينظرون إليهم نظرتهم للسلطة إلى يومنا هذا سواء كانوا في الحكومة أو تحولوا إلى المعارضة. وهذا عامل مؤثر يلقي بظلاله على فرص نجاح مبادرات الوحدة هذه.
ولوج بعض إطارات وشخصيات التيار الاسلامي في الجزائر إلى الحكومة وبعض دواليب السلطة فتح أعينهم على الخيرات التي يتمتع بها المسؤولون فتورط بعضهم في قضايا فساد واختلاس حتى أصبح يشار إليهم بالبنان وترد أسماؤهم في ملفات الفساد الكبرى.. هذه التهم الخطيرة كانت ضربة موجعة أفقدت الإسلاميين جزءا كبيرا من قاعدتهم الشعبية، ومكنت السلطة من ابتزازهم كلما حاولوا معارضتها أو أن يناصبوها العداء فأصبحت تشن عليهم بين الفينة والأخرى حملات إعلامية مركزة لتشويههم أمام الرأي العام. وقد آتت هذه الحملات أكلها فانفض المناضلون من حولهم. 
فرص محدودة 
إن جنوح الإسلاميين إلى الوحدة في هذه الظروف الخاصة لا يبدو أنه سيحقق لهم مكاسب تذكر. فبالإضافة إلى التزوير الذي عادة ما تُرتب به السلطة نتائج الاستحقاقات الوطنية لتحجيم هذا التيار، ثمة عدة عوامل داخلية وخارجية تقوض فرص نجاح أية مبادرة وحدوية بين هذه التيارات مجتمعة أو في تكتلات وعلى رأسها يأس الجزائريين من إمكانيات حدوث التغيير وزهدهم في الانتخابات واستقالتهم التي تكاد تكون جماعية من السياسة. وحتى بقايا المتمسكين بالمشاركة السياسية فإنهم يتوجسون خيفة من اختيار التيار الإسلامي خوفا من تكرار ما حدث عقب وقف المسار الانتخابي من اقتتال وتناحر خلّف مئات الآلاف من الضحايا بين قتيل ومفقود، ومليارات الدولارات من الخسائر الاقتصادية…وغيرها من المآسي الاجتماعية والآلام والجراح التي لم تندمل بعد.. وتلك مخاوف تتعاظم كلما التفت الجزائريون إلى ما يحدث في دول ما يسمى ثورات الربيع العربي من تقتيل واعتقال ومطاردة يقترفها الانقلابيون وقوى الثورة المضادة.
وعموما فإن دم التيار الإسلامي على اختلاف تصنيفاته ومشاربه أصبح مهدورا دوليا وهذا ما يشجع الأنظمة الفاسدة على المضي قدما في تصفيته والتنكيل به بأبشع الطرق دون أن يثير ذلك أي احتجاج فعلي على الجاني، أو تعاطف صادق مع الضحايا. ولا يقبل به إلا ديكورا سياسيا يوهم بوجود تعددية شكلية تغطي على أحادية مقيتة..
إسلاميو الجزائر اليوم ذهبت ريحهم عندما رضوا أن يؤدوا دور الغطاء لقرارات سياسية ظالمة مقابل مآرب ومكاسب، وأُكلوا يوم أُكل الثور الأبيض ولن ينفعهم اليوم أنهم في الوحدة مشتركون. لأن وحدة اليوم لا تجبّ ما قبلها من خذلان وطعنات وتنابز بالألقاب، ولا تعيد لهم شعبيتهم ولا حماس مناضليهم، فلم يعودوا مصدر قلق للسلطة وهذا ما يفسر مرور مبادرات الوحدة دون أن تلفت الانتباه أو تثير الاهتمام لا من لدن السلطة ولا من لدن الشارع.  

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه