إرهاب أخوة المنهج

من قال في بداية الثورة السورية”أنا إنسان ولست حيوانا والناس كلّها مثلي” عاد منذ أيام وأطلق عبارته الثانية “أنا مسلم ولست كافراً والناس كلّها مثلي”.. يتبع.

ابتسام تريسي*

محمد عبد الوهاب !  لا ليس الملحن والمطرب الشهير إنما ذلك الرجل السوري البسيط الذي أطلق في بداية الثورة السورية أشهرَ عبارة على مدى سنوات الثورة عندما قال “أنا إنسان ولست حيوانا والناس كلّها مثلي” عاد منذ أيام وأطلق عبارته الثانية، والتي تمثل في جانب منها إحدى المؤشرات على انحراف الثورة: “أنا مسلم ولست كافراً والناس كلّها مثلي”. هذا الرجل الحر لا يعيش في مناطق داعش ولا يوجه خطابه لعناصر داعش ولو كان يعيش بينهم لاعتبرنا الأمر عادياً، فتنظيم الدولة يعتبر كلّ ماعداه كافراً، إنه يعيش في أكناف أصحاب نظرية (أخوة المنهج) من الكتائب الإسلامية الأخرى كجبهة النصرة أو جند الأقصى، الكتائب التي امتلأت سجونها بالمعتقلين ممن يخالفونها الرؤية أو الوسيلة في مقاومة النظام، أو ممن قلّ دينهم فارتكبوا الآثام التي تستحق التعزير أو إقامة الحد، أو حتى قطع الرأس.
في بداية الثورة كان النشطاء المدنيون هدفاً مباشراً للنظام، وعمل على تصفيتهم جسدياً، معتبراً إياهم الخطر الأول عليه، ولهذا اقتلع حنجرة القاشوش وقتل غياث مطر واعتقل مئات الآلاف منهم في الوقت الذي كان يتسامح قليلاً مع حملة السلاح، بل كانت سيارات أجهزة المخابرات أيام المظاهرات السلمية ترمي بالأسلحة في الشوارع كي يلتقطها الناس، ضمن حملة العنف التي قادها النظام ليجبر الثائرين على التسلح كي يستطيع إقناع العالم أنه يحارب قوى متطرفة إرهابية. وعندما بدأت بعض المناطق تتحرر من قبضة النظام بدأت كتائب أخوة المنهج، بتحقيق ما عجز عنه النظام وكانت البداية أن شهدت سراقب أول حالة تمزيق لعلم الثورة من قبل أحرار الشام الذي استقبل أوائل المهاجرين الجهاديين، لتتالى الانحرافات وبتسارع كبير خاصة عقب دخول تنظيم الدولة الذي استكمل ما عجز عنه النظام فاختطف الكثير من الإعلاميين والنشطاء المدنيين ليس أولهم (عبيدة بطل، وعبود حداد) اللذان اعتقلتهما داعش، وليس آخرهم (وثاب عزو) الذي اعتقلته جبهة النصرة.
لقد تقاطعت مصالح الفصائل الإسلامية مع مصالح النظام في أكثر من مكان وزمان إلى درجة جعلت من هذا المواطن الحر ( محمد عبد الوهاب ) يصرخ في وجوههم ( أنا مسلم ولست كافراً. ردوا المظالم يا جبهة النصرة وكفى ظلماً). ويشكل هذا الصوت امتداداً للصوت السوري المخنوق والذي نسمع أنينه كثيراً، تارة في لافتات “كفرنبل” وتارة على (حيطان سراقب) وتارة في مظاهرات “مارع وحلب” في الشمال أو”دوما وسقبا” في الجنوب، مظاهرات ليست ضدّ النظام وإنّما ضدّ الاستبداد الديني لهذه الفصائل التي استبدلت راية الثورة براية مصالحها الخاصة المتسترة بالعبارة الخالدة ( لا إله إلا الله ) ومع أنّها جميعاً تحتكم لقرآن واحد وشهادة واحدة إلا أنّها ترفض التوحد تحت راية واحدة ولن تستطيع التوحد بالمطلق؛ لأنّها تأتمر بجهات داعمة مختلفة المصالح، لذلك لا تملك إلا أن تحارب النظام عندما يسمح الداعمون بذلك، وتحارب أعداءها المحتملين في الداخل، وأعداؤها هؤلاء هم أصحاب فكرة الدولة المدنية، ولهذا هاجمت جبهة النصرة المجلس المحلي في كفرنبل ولهذا مازالت “رزان زيتونة” وأصحابها يقبعون في معتقلات الجبهة الإسلامية في الغوطة، ولا تنسى هذه الفصائل ـ كي تكرس ذاتها كقوة عسكرية من جهة وإدارية من جهة أخرى ـ أن تقيم الحد هنا أو تقتل هناك.
قبل أشهر اعتُقلت في سراقب امرأة تجاوزت سن الثمانين أمضت حياتها ممرضة، ثمّ قابلة قانونية، وفي آخر عمرها امتهنت العلاج بالقرآن وكتابة “الأحجبة”. والدها كان إمام الجامع الذي انطلقت منه أول مظاهرة ضدّ النظام؛ ولأنّها مقعدة وتحتاج لمن يعيلها فقد اعتقلت معها أختها التي تقارب السبعين من العمر، أما عن سبب الاعتقال فقد كانت التهمة أنّها تعمل بالسحر اعتقلها (جند الأقصى) بالتواطؤ مع جبهة النصرة وعلى مرأى من الناس جميعاً، وقبل أيام قُتلت الأختان ولم يعرف مكان دفنهما وتمت عليهما صلاة الغائب.
 من جهتي أرى أن هناك سبباً آخر للاعتقال يتناسب تماماً وعقلية قضاة الهيئات الشرعية المُشكّلة في المناطق المحرّرة، قد يكون السبب الحقيقي أقرب إلى الضحك والسخرية، إنّها لطرفة سمجة أن يكون اسم المرأة ( سجاح ) ترى هل ظنّ قاتلها نفسه لحظة قتلها أنّه يقتل مدعية النبوة قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة؟ ربما.
أستذكر هنا مقولة تنسب للغزالي مفادها أنّه لا أخطر على الإسلام من مسلم غبي، والغباء هنا ينحصر في أمور كثيرة أهمها تلك الأحكام المتسرعة من قبل شرعيي هذه الفصائل في كثير من القضايا التي صنعت فجوة عميقة بينها وبين الشعب السوري الذي يدّعون نصرته، كذلك في محاولاتهم الحثيثة لتطبيق الشرع كما لو أنّهم مُكّنوا على رقاب البشر متجاهلين فقه الواقع ومتمثلين فقه التمكين، فكلّ فصيل احتل قرية ظنّ نفسه خليفة الله على الأرض، مُغفلاً وجود النظام وما يمتلك من قوة، ومغفلاً مواقف القوى العالمية والإقليمية من دولة الخلافة هذه، والأهم من كلّ تلك القوى قوة الشعب المُعطّلة بفعل براميل العصابات الأسدية، هذه القوة التي رغم كلّ عوامل القهر المحلي والعالمي لها عبّرت عن نفسها في أكثر من مظاهرة، وفي اليوم الذي تتوقف فيه براميل المجرم بشار، ستنتفض هذه القوة في وجه الجميع، ساعتها سيدرك أخوة المنهج أي منقلب سينقلبون.

___________________

*أديبة سورية 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه