“أمة ذات عوز والسيسي “زعلان

بأسلوبه الحصري والقصري، قال الجنرال عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب السادس بجامعة القاهرة “إحنا دخلونا، فى أمة ذات عوز. أمة الفقر! وأما آجى أخرج بيكم منها، يقول لك هاشتاج ارحل يا سيسى” واستطرد بقوله “عايز أخرجكم من العوز، وأخليكم أمة ذات شأن، تعملوا هاشتاج ارحل ياسيسي! أزعل ولا ما ازعلش؟ ورد على نفسه: “في دي أزعل”.

ليست المرة الأولى التي يُذكر فيها المصريين بفقرهم، ولكنها المرة الأولى التي يكف فيها السيسي عن توجيه الشكر للمصريين على صبرهم معه وتحملهم لاجراءاته الاقتصادية، ورفع أسعار السلع وتقليص الدعم. وهي المرة الأولى أيضًا التي يقر فيها الجنرال برفض المصريين لوجوده في السلطة، وعبر عن ذلك بغضبه لمطالبتهم له بالرحيل عن الحكم، واطلاقهم هاشتاج “#ارحل_يا_سيسي”

لم يُسم الجنرال السيسي مَن اتهمهم بإدخال الأمة المصرية في العوز والفقر، وأحالهم إلى مجهول ليخوف به ومنه المصريين، ويتخذه شماعة لتعليق فشله العريض، وعلى كل المستويات، السياسية، والاقتصادية، والأمنية.

أمة منهوبة

لست مضطرًا لنفي الفقر عن مصر، ولا التذكير بخيرات الأمة، ومكانتها الجغرافية العبقرية، وامكاناتها الزراعية، والصناعية، والسياحية، والمعدنية، ولكني أكتفي بالإشارة لأعظم كنوزها، وهي طاقتها البشرية، وعقول أبنائها الذكية، وسواعد شبابها الفتية، والتي يعتبرها السيسي التحدي الذي يقلل فرص مصر للانطلاق للأمام والتنمية، وفق وصفه.

ولو يعلم السيسي، ومن سبقه من الرؤساء العساكر، قيمة الإنسان المصري، ما اضطروه للهجرة، ولا حرموا الأمة من عُشر أبنائها، وليس شريف الصفتي، العالم المصري الذي وصفه تليفزيون سي إن إن، بمخلص اليابان من كارثة إشعاع فوكوشيما، إلا واحد منهم، وليس أحمد زويل بأفضلهم، ولا فاروق الباز بأنجبهم، والكثير منهم مثل أبو تريكة ومحمد صلاح.

ولكي أذكِر بشهادة كاثرين آشتون، نائب رئيس المفوضية العليا للاتحاد الأوربي، فى فبراير/شباط من العام ٢٠١٢، وهي تقول فيها، “إن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوربية، وإن ما تمت سرقته وإهداره من أموال وأرصدة طبيعية خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة من حكم مبارك، يكفي لظهور ملايين الأثرياء فى مصر”. ولم يكن مبارك إلا أحد الرؤساء العساكر.

وأذكِر بانتقاد عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق لولى عهد أبو ظبي، السيسي في تدوينة له في 2016، يقول فيها، “في مصر 141 منجم ذهب، و191 حقل نفط، وعاشر أكبر احتياطى غاز، وثلثا آثار العالم، وأكبر بحيرة صناعية.. إلخ، لا يوجد نقص موارد، بل سوء إدارة في مصر”. ومن يدير مصر الآن هو أحد الرؤساء العساكر.

السجادة الحمراء

في فبراير/شباط 2016، ظهر الجنرال السيسي وهو يفتتح مشروع اسكان اجتماعي لمحدودي الدخل بمدينة 6 أكتوبر ويسير بموكب سيارات فارهة على سجادة حمراء تفترش عرض الطريق وطوله، في مشهد امبراطوري اسطوري، يصدم مشاعر المصريين الفقراء، ويتنافى مع الطبيعة الجادة للقادة المصلحين، والعسكريين الصادقين.

انتقدت الصحافة العالمية المشهد الذي لا يليق برئيس دولة يضرب الفقر 50% من أبنائه، وعلق المحامي جمال عيد على المشهد بقوله، إن طول السجادة يصل إلى 4000 متر، وعرضها 8 أمتار، ومساحتها 32000 متر مربع، وتكلفة المتر 50 جنيها، باجمالي 1.6 مليون جنيه.

حصرت صحيفة ديلي ميل البريطانية أزمة الأمة المصرية في رئيسها، ووصفت المشهد بأنه لحظة مثيرة للجدل، وقالت إن الرئيس يفرش سجادة حمراء في الطريق، بطول 4 كيلو مترات، ويسير عليها بسيارته، ثم يطالب الشعب بشد الأحزمة؟! وأضافت الصحيفة “إن السيسي، الذي رهن شرعيته وقت مجيئه للحكم بانعاش الاقتصاد، تحدث خلال اللقاء عن ضرورة تخفيض الدعم، وقال إن الدولة تنفق نحو 40 مليون جنيه استرليني يوميا لتوفير المياه النظيفة للمواطنين بينما لا يتحمل المستهلكون إلا جزءا صغيرا جدا من التكلفة، وإن الدولة غير قادرة على الاستمرار بهذه الطريقة!

وقبل انعقاد مؤتمر الشباب الأخير بأربعة أيام، كتب الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة تدوينه له على منصة تويتر وقال، “كنت في الجامعة اليوم بعد غياب 10 أيام، الحركة داخل الحرم صعبة جدًا بسبب مؤتمر اسأل الرئيس. ثلاثة أطقم تعمل بهمة كبيرة، طقم لتهذيب الأشجار، وآخر للرصف، وثالث لنصب خيام وبناء قاعات خشبية مكيفة. سألت خبير عن التكلفة فقال 30 مليون جنيه على الأقل”. فهل بهذا البذخ والبهرجة تيخرج الأمة من الفقر، أم تدخل فيه؟

عيب العساكر

قبل اسبوع من مؤتمر الشباب، وفي افتتاح مشروع محطات كهرباء قال الجنرال السيسي “أنا بافكركم يا مصريين. فيه موضوعات موجودة في مصر مش مظبطة من زمان لظروف مصر، مش عيب حكام!” فهل يعني السيسي أن الفقر هو قدر مصر، وليس نتاج سياسات حكام معيبة وفاشلة!

وإذا كان الفقر قدر مصر، فماذا تسمي تبديد السيسي 64 مليار جنيه، توازي أكثر من 8 مليارات دولار في حينه، في حفر تفريعة قناة السويس؟ هذا بخلاف 4.8 مليار دولار عبارة عن فوائد قروض المبلغ الأصلي لمدة 5 سنوات، وماذا تُسمي إنفاق 30 مليون دولار على حفل افتتاحها، أليس هذا إفقارا للأمة؟

صرح السيسي، بأن نفقات حفر القناة الجديدة تم استردادها، بعد أقل من أسبوعين من افتتاح التفريعة الجديدة في أغسطس/آب 2015، فقال في ندوة للقوات المسلحة، إذا كان على الـ 20 مليار اللي إحنا دفعناهم، إحنا جبناهم تاني

وبعد 3 سنوات، كشف السيسي عن الهدف الحقيقي من حفر القناة، فقال في مؤتمر الشباب الأخير، “كان الهدف الأمل. هما قتلوا الأمل في قلوبنا. كان لازم نقول لأ. احنا قادرين، زي قناة السويس. يقولك طيب الفلوس اللي خدتوها. اللي اتكلفت به القناة. خلال السنتين اللي فاتوا دول تقريبًا احنا جبنا المبلغ اللي تم به الحفر.. كانت نسبة الزيادة في الدخل خلال الثلاث سنين ما بعد القناة بين اثنين.. ثلاثة في المئة، لغاية خمسة. ستة في المئة، بقيمة 600 مليون دولار. في حدود 14 مليار جنيه، وذكر الفريق مهاب مميش بأن تكلفة حفر القناة كان 20 مليار جنيه مصري، ورد السيسي قائلًا “بالظبط كدة”.

وبلغة الأرقام فإن 600 مليون دولار تساوي 10.8 مليار جنيه مصري، الدولار يقابل 18 جنيها، وليست 14 مليار جنيه، كما يزعم الجنرال. كما أن 600 مليون دولار لا تمثل 6% من ايرادات القناة إلا إذا وصلت هذه الإيرادات إلى 10 مليار دولار، وهو ما لم يحدث في تاريخها. ولم يكشف السيسي حتى الآن، عن مصير بقية مبلغ الـ 64 مليار جنيه، وهي 44 مليار جنيه. وهل إحياء الأمل ورفع الروح المعنوية للمصريين مبرر قانوني أو أخلاقي لحفر التفريعة الجديدة؟

شراء الشرعية

عقد السيسي صفقات أسلحة بقيمة 26 مليار دولار وأغرق مصر في الديون من أجل شراء شرعية دولية لحكمه المغتصب، ومن أجل كسب ود الحكام والتغاضي عن انتهاكات حقوق الانسان المصري، منها غواصتان من ألمانيا بقيمة مليار دولار، وعدد 24 طائرة “رافال” وفرقاطة وحاملتي طائرات ميسترال من فرنسا، مقابل 8 مليار دولار، وقد فشلت في بيعها منذ العام 2004، واعتبرها وزير الدفاع الفرنسي “صفقة استثنائية لصناعاتهم الدفاعية”، ومنظومة صواريخ ومقاتلات بقيمة 10 مليارات دوﻻر لنفس الغرض، أليس هذا إفقارا للأمة؟

يشتري السيسي القمح الروسي المصاب بالإرغوت المسرطن، وبأسعار أعلى من أسعار القمح المحلي، والذي يتعمد شرائه من الفلاحين المصريين بأسعار تقل عن السعر العالمي، ما أفقرهم وزهدهم في زراعته، ويحارب زراعة الأرز المصري، وأصدر قانونا يقضي بسجن وتغريم الفلاحين، وأصدر قرارا آخر باستيراد الأرز من الهند، أليس هذا إفقارا للأمة ؟

مفاعل الضبعة

في نوفمبر 2015، عقد السيسي اتفاقية مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بناء 4 مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء بطاقة اجمالية قدرها 4800 ميجاوات، بتكلفة 29 مليار دولار، تتضمن قرضا روسيا قيمته 25 مليار دولار، ومدته 22 عاما، وبفائدة 3%، وهو القرض الأكبر والأسوأ في تاريخ مصر، مع رفض العرض الصيني الأقل في السعر، وإهدار بدائل أصبحت أرخص وأكثر جدوى وأمنًا، مثل الطاقة الشمسية، وبالرغم من بناء إثيوبيا سد النهضة لانتاج 6000 ميغاوات من الكهرباء وبتكلفة 5 مليار دولار فقط، أليس هذا إفقار للأمة وعيب حكام؟

قهر الرجال

قهر الجنرال السيسي رجالات مصر، وشبابها ونساءها، ورموزها، وأعلامها، لا سيما رموز ثورة يناير، الذين شاركوا في الثورة بعزة وكرامة، ورفعوا رؤوسهم، ورأس كل مصري. ولا تسأل عن رموز الثورة، المستشار محمود الخضيري، والدكتور محمد البلتاجي، وصفوت حجازي، وعصام سلطان، فالجميع يعرف مكانهم، ومن أسكت صوتهم، ولكن اسأل عن الدكتور يحى القزاز، ومحمد غنيم، ومحمد البرادعي، وممدوح حمزة، أين هم الآن، ومن قهرهم، وأسكت صوتهم الوطني؟

علق الدكتور نور فرحات، أستاذ القانون، على هاشتاج “ارحل يا سيسي”، على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي في نقاط قال فيها، “المشكلة يا ريس إن فيه ناس كتير (وبتفهم) مش مقتنعة إن سياساتك ستخرج مصر من أزماتها، بل علي يقين أنها ستزيد الأزمات، وستغرق مصر في الديون”.

وأضاف، “لا تحزن يا ريسنا من الهاشتاج، أنت قبل كده قلت لو قولتولي ارحل لن ابقي دقيقة واحدة، ورغم كده احنا مش عايزينك تمشي، احنا اللي حنمشي”، وفي النقطة الأخيرة قال على خوفٍ من فرعون وجنده، “لو سمحت يا ريس أعطنا الأمان فلم تعد هناك قدرة علي احتمال اليد القوية الباطشة لأجهزتك، والسلام عليكم”

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه