ألمانيا وأزمة الخليج

المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل

لاشك أن كثيرا من دول العالم التي ترتبط بمصالح قوية مع دول الخليج لن تقف مكتوفة الأيدي، وربما تشهد الأيام القليلة القادمة المزيد من المساعي العالمية إلى جانب الكويت لحل الأزمة.

فجأة نشبت أزمه الخليج  بين قطر والسعودية والإمارات،  دون مقدمات أو معطيات  تشير إلي هذا المنحى الدرامي الخطير الذي فاجأ العالم بقطع العلاقات العلاقات الدبلوماسية،  وكيل الاتهامات لقطر التي نفتها جملة وتفصيلا .

 ارتبك المراقبون،  والمحللون السياسيين في فهم جملة القرارات التي تواصلت في فرض مقاطعة دولة قطر،  وحظر الطيران منها وإليها،  مما دفع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن يبدد  بعضا  من فضول الصحفيين في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الألماني زيغمار غابرييل  في برلين يوم الأربعاء (أمس)  بقوله:” إن قرار المقاطعة جاء نتيجة تراكمات مسبقة وليس وليد اللحظة”!

أما في المانيا التي ترتبط بعلاقات اقتصادية متميزة مع قطر، فكان هناك اهتمام كبير على كافة الأصعدة بما حدث، وكتبت معظم الصحف عن الأزمة العاجلة،  وحاولت البحث في ملابسات تلك القرارات،  وكشف أسباب ماحدث،  لكن وزير الخارجية  الألماني  زيغمار غابرييل كان مباشرا واكثر وضوحا عندما وصف الأمر في تصريح له ” بأن هناك على ما يبدو محاولات لعزل قطر، وتهديد وجودها بشكل مباشر”،  ثم تابع ذلك في مقابلة مع صحيفة “هاندلسبلات” محذرا من السياسة الترامبية على حد وصفه في منطقة الخليج، واعتبرها أمرا خطيرا في إشارة ضمنية لحدوث تلك القلاقل بعد زيارة ترامب للمنطقة.

من جهته لم يتأخر ترامب كثيرا عن إضافة مزيد من المصداقية على تصريحات الوزير الألماني،  إذ ذكر في تغريدة له يوم الثلاثاء واصفا الأزمة الخليجية”  بأنه ربما سيكون ذلك بداية نهاية رعب الإرهاب!!علي حد وصفه.

السياسة الألمانية

السياسة الألمانية بشكل عام ترفض حل المشكلات الدولية بدق طبول الحرب، والتسرع في قرارات خاطئة، وهي تدعو دائما إلى فض المنازعات الدولية بالحوار، ونتذكر في حرب العراق رفض المستشار الألماني آنذاك جيرهارد شرودر الانضمام إلى التحاف الدولي ضد العراق،  لهذا لا يبدو غريبا استمرار هذا النهج  في عهد المستشارة أنغيلا ميركل،  فقد دعي الوزير جابرييل في مؤتمره الصحفي مع نظيره السعودي الى ضرورة توحيد الجهود في منطقة الخليج لنزع فتيل التصعيد في المنطقة وحل الأزمة الحالية،.وأكد أن  ألمانيا تدعم محاولة الوساطة التي يقوم بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.

لم يفت جابرييل أيض  في تصريحاته علي هامش تلك الأزمة أنه انتقد صفقات الأسلحة الهائلة التي أبرمها ترامب مع دول الخليج، وقال:  إنها سوف تزيد من خطر الدخول في دوامة التسلح في المنطقة، واصفا تلك السياسة بالخاطئة تماما.

بشكل عام تبدو ألمانيا قلقة بشكل كبير من هذا التدهور في العلاقات الخليجية،  وعلي ما يبدو أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التدهور،  وساطة ألمانية متوقعة
فهي ربما ستلعب دورا في حث الأطراف على الجلوس حول مائدة المفاوضات من واقع ارتباطاتها الاستثمارية في المنطقة والتي تصل إلى مئة مليار دولار،  فهي تربطها فقط استثمارات مع قطر تتجاوز25 مليار دولار في  قطاعات مهمة  كصناعة السيارات، وتكنولوجيا المعلومات، والقطاع البنكي، وأبرز تلك الاستثمارات موجودة  بشركة فولكس فاجن، سيمنز،  ودويتشه بنك، فضلا عن المشروعات المشتركة بين الشركات الأخرى من الجانبين.

رغم أن هناك نحو 200 شركة ألمانية تعمل في السوق القطرية.إضافة،  إلى أن مشروعات مونديال كأس العالم لكرة القدم  2022 تستقطب العديد من الشركات الألمانية، فإن الدولة القطرية  تستثمر حاليا أكثر من 200 مليار دولار في تشييد الملاعب والفنادق والطرق وشبكة المواصلات العامة التي تعمل فيه الكثير من الشركات الألمانية،  ومع ذلك فإن هناك محادثات مستمرة بين الجانبين على زيادة حجم الاستثمارات  بينهما.

 هناك تعاون كبير بين قطر وألمانيا في مجال صناعة الطاقة الشمسية وتعتبر شركة “سولار وورلد ” الألمانية  أكبر شركة ألمانية عاملة في مجال الطاقة الشمسية  مثال على ذلك،  فهي تشترك مع قطر في إنتاج 3600 طن سنويا من مادة” البولي سيلكون “المستخدمة في صناعات الطاقة الشمسية ، وتبلغ حصة قطر في هذا المشروع العملاق 70% أما حصة الشركة فهي 29%ويمتلك بنك قطر للتنمية 1%.

هذه العلاقة الاقتصادية القوية دفعت  صحيفة “فرانكفورتر روندشاو” في تقرير لها عن الأزمة إلي التشكيك في إمكانية تركيع قطر، وتقول الصحيفة:  إن ذلك قد يأتي بمفعول عكسي تكون نتيجته توقيع اتفاقيات  أمنيه جديدة بين قطر وتركيا،  ومن ثم تقوية العلاقات مع روسيا والصين في نفس الوقت الذي سيزداد فيه التقارب القطري الإيراني،  وتؤكد الصحيفة أن متانة الاقتصاد القطري فد لا يتسبب في أي ضرر لها علي المدي الطويل،  فهي تتمتع باحتياطات رسمية تبلغ حوالي 400 مليار دولار،  وموانئها ضخمة،  وقد خضعت لعمليات توسيع مؤخرا،  كما أن إيران وتركيا قد عرضتا عليها تعويض نقص المواد الغذائية التي أوقفتها المملكة العربية السعودية.

جدير بالذكر أن أزمة العلاقات و تصعيد التوتر بين قطر وبعض الدول الخليجية الأخرى، قد ظهرت مباشرة بعد قمة الرياض الأمريكية العربية الإسلامية،  إذ ظهرت على موقع وكالة الأنباء القطرية تصريحات منسوبة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أثارت غضب الإمارت والسعودية، في وقت نفت فيه الوكالة صحة تلك التصريحات ، وأكدت أن موقعها تعرض لاختراق، وشكلت لجنة لإجراء تحقيق عاجل، إلا أن ذلك لم يثني تلك الدول الشقيقة عن قطع العلاقات والتصعيد معها .

لاشك أن كثيرا من دول العالم التي ترتبط بمصالح قوية مع دول الخليج لن تقف مكتوفة الأيدي،  وربما تشهد الأيام القليلة القادمة المزيد من المساعي العالمية إلى جانب الكويت لحل الأزمة وعودة الأمور إلى طبيعتها الأولى بين الأشقاء. 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه