“ألف شمس ساطعة” ملحمة أفغانية

 

ألف شمس ساطعة رواية للكاتب الأفغاني خالد الحسيني صاحب الرواية الشهيرة “عدّاء الطائرة الورقية”. تفوّقت هذه الرواية عن سابقتها فقد بيع منها 38 مليون نسخة حول العالم. تقع الرواية في 543 صفحة من القطع المتوسط. صُنِّفت هذه الرواية من قبل صحيفة الدايلي تلغراف بأنّها “ملحمة مثيرة”.

الملحمي والروائي في “ألف شمس ساطعة”:

قد لا نتفق مع تعريف الديلي تلغراف في كونها ملحمة فالملحمة عمل شعري قصصي يحكي بطولة شعب يقوده بطل خارق ينتصر فيه لقيم الحق والعدالة وتحفه الآلهة عن يمين وعن شمال إلى أن يصل إلى هدفه النّهائي، أمّا ألف شمس ساطعة فهي رواية مثيرة تنقل واقعاً سريالياً خلقته الحرب وأصبح فيه الخيال عاجزاً عن توصيفه، إنّ الواقع الأغرب من الخيال يتعدّد فيه القادة وتتباين القيم وتختلف التوجهات إلى درجة التّمزق التّام لبنية المجتمع وتنتهي الرواية بومضة ضوء لتمنح القارئ بعض الطمأنينة إلى أنّ الحبّ في النّهاية يمكن أن يغيّر الواقع ويضيء عتمة النّفوس.

يحكي في هذه الرواية قصة امرأتين أفغانيتين مختلفتين من حيث النّشأة والبيئة والعمر تجمعهما الظروف في بيت واحد وتجمعهما مشاعر كراهية متبادلة ما تلبث تلك المشاعر بحكم الظروف أن تتغيّر وتتبدل وتنقلب إلى مشاعر محبة واتفاق حدّ ارتكابهما جريمة مشتركة، تحمل إحداهما وزر الجريمة وتقبل أن تعدم مبعدة شريكتها عن العقاب لتتمكن من تربية أطفالها.

الملحمية في الرواية ليست في طولها وليست في أسطرتها لشخصية المرأة الأفغانية ولا في رصدها للحرب الأفغانية والتّبدلات الحاصلة في المجتمع الأفغاني خلال الحرب الروسية وحرب طالبان والتي طالت المجتمع والبيئة والمرأة والعادات والتّقاليد وبدّلت المفاهيم الأخلاقية وزرعت الكثير من الحقد والجهل والكراهية في النّفوس إلى درجة فاضت عن الحد وأغرقت في الوحل كلّ جميل في الحياة. وسط كلّ هذا تخرج المرأة الأفغانية لتنتصر لحربها الخاصة “الأمومة، حقّها في الحياة وبناء الوطن المدمر”.

حرص خالد الحسيني في روايته على رصد التّفاصيل الدّقيقة لحياة شخوصه وتسلّل بخفة إلى مشاعرهم وأحلامهم، وبرع في نقل تبدلات عواطفهم وتقلبات أمزجتهم بفعل الحدث الأكبر الحدث السياسي الخارجي الذي دمّر أفغانستان وأعادها إلى عصور ما قبل التّاريخ. نادراً ما يتمتع الروائيون الذكور بهذه الدقة في سبر أغوار المرأة ومعرفة مشاعرها والحكي عن تلك التفاصيل الدقيقة من التّبدلات العاطفية في مراحل عمرية مختلفة، سن الطفولة والمراهقة والشّباب والنّضج. الحسيني لم يلجأ إلى التّوثيق ولا الفذلكة اللغوية ولا التّنظير ولا تحميل شخصياته عبء الحديث في السّياسة والاقتصاد والحرب والوضع المتدهور.. كلّ ما فعله أنّه قدّم لنا أحداثاً في كلِّ لقطة منها أو مشهد فكرة يستخلصها القارئ وفي كلّ حوار بسيط يناسب الشّخصية يقدّم لنا رأيا سياسياً نستخلصه ببساطة. من هنا خرجت الرواية من الروائي إلى الملحمي؛ لأنّ الحسيني قدّم لنا حدثاً حاراً وطازجاً ومعقداً وبسيطاً في آن واحد وترك لنا إشارات في مفاصل الرواية لنتابع أحداثها بمتعة وتشوق ودهشة.

الأسطورة في عصرنا الحديث لا تحتاج أن يكون بطل العمل الملحمي نصف إله ولا أن يكون مثقفاً بارزاً ولا أن يبحث عن عشبة الخلود ومعنى الوجود والعدم. إنّه إنسان بسيط يسعى وراء حريته وكرامته. يريد العدل في الدنيا قبل الآخرة.. يريد أن يعيش بين بشر لم تحولهم أطماعهم إلى وحوش. هذه المطالب هي أسطورة مريم وليلى بطلتي”ألف شمس ساطعة” هذه الشموس التي تختبئ خلف جدران كابول المدينة التي حوّلتها الحرب إلى ركام، وحوّلت رجالها إلى وحوش خاضعين لتنظيمات إرهابية وأصبحت ساحة لتجارب الدول العظمى في مجال الحكم والأسلحة وتسيير قطعان البشر بأجهزة تحكم موجودة في روسيا وأمريكا.

الغرائبي في ألف شمس ساطعة:

لم يسعَ الحسيني إلى تقديم مشاهد غرائبية في روايته ليشد القارئ ويثير حماسه للقراءة بل كانت اللحظات المؤلمة هي التي تنخر قلب القارئ وتدفعه لمتابعة العمل. وقد كانت تلك اللحظات التي رصدها الحسيني من حياة المرأتين اللتين جعلهما القدر وظروف الحرب الأفغانية زوجتين لرجل واحد كثيرة، أشدها إيلاماً لحظات إعدام مريم. لقد خاطبها الملا الذي يحاكمها على جريمتها بقوله:

(إنني لأتعجب، لقد خلقنا الله مختلفين، أنتن معشر النساء ونحن معشر الرجال. عقولنا مختلفة. أنتن غير قادرات على التّفكير مثلنا. لقد أثبت الأطباء الغربيون بعلمهم هذا الأمر، لهذا لا نقبل الشهادة إلا من امرأتين، بينما يكفي رجل واحد). هنا قدّم الحسيني وجهاً حيادياً ونموذجياً في تفكيره، لكنّه أراد أيضاً أن يقول لنا إنّ بين هؤلاء بشر رحماء أخضعتهم القوانين بقسوة وذلك من خلال ما تحدّث به الملا الثاني إلى مريم، فقد خاطبها باحترام وإنسانية ولم يطلق كلامه رصاصاً على رأسها:

 (يراودني إحساس بأنّك لستِ امرأة شريرة يا “همشيرة”. لكنّك ارتكبت فعلاً شريراً، ويجب أن تدفعي ثمن فعلتك. الشّريعة ليست ملتبسة في هذا الأمر. تقول إنني يجب أن أرسلك إلى حيث سألحق بكِ سريعاً.).

لم تتخلَّ شخصيات الحسيني الرئيسة عن إنسانيتها على الرغم من الدّمار الذي لحق المنظومة الأخلاقية بعد قضائه على العمران والحضارة والبنية التحتية للبلاد. فكانت مريم مثالاً للتضحية مع أنّها عاشت حياتها وسط ظروف استثنائية قاسية كان بإمكانها أن ترسخ فيها الكراهية والرغبة في تدمير كلّ من حولها، لكنّ الحسّ الإنساني طغى على القسوة والحقد والكراهية وسجّل للرواية نجاحاً استثنائياً.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه