أفلتوا من “المستريح” فالتقطهم “المضمون”

عبده مغربي*

تتسابق وسائل الإعلام إلي كشف المزيد من المعلومات عن “المستريح” نجم توظيف الأموال في مصر الأن. و”المستريح” هذا شاب عمره 47 عاماً، وفي قرية صغيرة من قري محافظة قنا تسمي “دندرة” بأقصى الصعيد

 بدأ الشاب نشاطه في توظيف الأموال، 10% شهرياً علي أي مبلغ تودعه لدي أحمد مصطفي الشهير بالمستريح، أي 120% سنوي.

 ذاع صيت الشاب وأقبلت عليه الأموال من قريته والقري المجاورة، ثم المراكز المجاورة، ثم المحافظات المجاورة، ووصلت رغبة الناس في إعطائه ما لديهم من اموال حد الجنون، حتي باتوا يبحثون عن وسطاء يتدخلون لدي “المستريح” لكي يوافق علي قبول أموالهم لإستثمارها معه، بل ووصل الحد بالبعض من “الصعايدة” أنهم قدموا أراضيهم رهناً لدي البنوك، للحصول علي قروض يعيدون استثمارها مع “المستريح”، ويستفيدون من الفارق بين ما هو مستحق من فوائد لهذه البنوك علي الأموال التي اقترضوها بضمان أراضيهم، والفوائد التي سيحصلون عليها من “المستريح” الذي أعطوه هذه الأموال بدون ضمانات .
قبل شهرين جمعتني جلسة مع قيادة امنية بمحافظة قنا، وهو صديق وتربطني به صلة قرابة بعيدة، سألته: كيف يرتاح ضمير رجال الأمن وهم يشاهدون البسطاء يسقطون في براثن عملية نصب منظمة يقوم بها “المستريح” ويتزايد يوماً بعد يوم عدد الضحايا الذين ساقهم الطمع والجهل إلي الوقوع في فخ هذا “النصاب”؟
 فكانت إجابته صادمة : ” وكيف لا يرتاح ضمير  رجال الأمن وهم أنفسهم يتسابقون إلي أن يسلموا أموالهم للمستريح”
وأضاف: ” أكثر من نصف قضاة المحاكم  في محافظات قنا وسوهاج والبحر الأحمر، ومعظم القيادات الأمنية فيها، إضافة إلي كبار المحامين، جمعوا تحويشة العمر وقدموها لـ”المستريح”. وأخبرني أن شعبية “المستريح” في المحافظة كفيلة بأن توصله إلي قبة البرلمان، إن فكر أن يخوض غمار الإنتخابات القادمة.
وحسب المعلومات التي أخبرتني بها القيادة الأمنية فإن أكثر من 2 مليار جنيه سلمها “الصعايدة” لـ”المستريح”، وحكي لي وقتها أنه قبل ثلاثة أشهر حينما خاف مستشار كبير في محكمة قنا علي أمواله عند المستريح، بعد أن انتشرت شائعة غيابه وإغلاق هاتفه.

 ذهب القاضي إلي مكتب “المستريح” في القاهرة، وطلب أمواله، فاتصل المكتب بـ” المستريح” فكان رده علي الفور :” اعطوها له  إضافة إلي فائدة الشهر المستحقة”. وكان قد تبقي علي موعد إستحقاق فائدته أكثر من نصف الشهر.

  أمام هذا الموقف لم يجد هذا المستشار  رداً سوي أن طلب إعادة المبلغ مجدداً إلي الموظف، والذي  بدوره عاود الإتصال بـ”المستريح” لكن”المستريح” رفض قبوله، وأصر علي الموظف ان يرفض قبول المبلغ مجدداً،  وراح المستشار يقدم سيلاً من الإعتذارات لـ”المستريح”  وقال له :” لم يكن لدي رغبة في إسترجاع  فلوسي، لكن إشاعة بأنك أغلقت هاتفك أثارت الرعب في نفسي وهذه تحويشة العمر” ..
 لكن “المستريح” أصر علي رفض التعامل مجدداً، ما حدا بالمستشار أن يطلب وساطة من أحد أقارب “المستريح” حتي وافق علي قبول المبلغ  من جديد، وانتشرت هذه القصة  في أوساط القضاة وكبار الضباط وزعامات “محافظة قنا” مثل حكايات “ألف ليلة وليلة” وراح الكل يضيف ويحكي عن “المستريح” وفوائد الإستثمار مع “المستريح” ويحصلون هم بذكاء منقطع النظير علي الفرق بين الفائدين .. فائدة البنك وفائدة المستريح.

 وتوالي الإقبال علي البنوك بطلبات “الصعايدة” رهن أراضيهم للحصول علي قروض  بضمانها، حتي أن من لم يملك أرضاً قام برهن بيته.
في الفترة التي  توقف فيها “المستريح” عن قبول أموال من “الصعايدة” ظهر شخص آخر  بنفس المحافظة “قنا”، أطلق علي نفسه لقب “المضمون” وبدأ يمارس نفس النشاط، والمضمون شاب جديد من مركز نجع حمادي يستخدم نفس طريقة “المستريح” في جمع الأموال، وفي نسبة الفائدة المستحقة، هرولت له بقية الأموال التي لم تعرف طريقها إلي “المستريح”.
سألت أحد الأصدقاء في مدينة نجع حمادي، عن”المضمون” وهل هو حقيقة أم  أنه الإبداع الشعبي أبي إلا أن يرسم شخصيات وهمية لنشر المزيد من الفكاهة، بعد أن تم القبض علي “المستريح”، فأكد لي صحة المعلومات، بل وأخبرني أنه يفكر في إيداع مبلغاً لديه. فسألته، ألم تتعظ مما كان مع “المستريح”؟
 فقال لي : “علي بال ما يقبضوا عليه أكون جمعت  ضعف فلوسي  منه”. وأضاف : ” المستريح بقاله 4 سنوات شغال كويس، ما وقعشي إلا بعد الصحفيين ما كتبوا عليه، وأن المضمون لسه مفيش جرايد كتبت عنه، كمان هو شغال ع الضيق، وطريقته غير طريقة المستريح، بيوزع الفائدة 30% كل 3 شهور”.
أنا وغيري ممن ينتمون لمحافظات الصعيد في مصر، لا نقلق كثيرا من انتشار السخرية والنكتة علي “الصعايدة”  بل وأحياناً، نحن أنفسنا نطلقها علي أنفسنا، وفي هذا الموقف تحضرني “طرفة” قديمة، كان “محمدين” ماراً علي صديقة”حسنين” فأخبره أن القطار  بالأمس عدي علي رأس “هريدي”، فقال له “محمدين” في تأثر شديد: ” تااااااني

_______________

*كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه