أفلام ما بعد الحكم العسكري

بعد وفاة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وانهيار دولته وإعلان وفاتها رسمياً يوم الخامس عشر من مايو/أيار 1971، فيما عُرف اصطلاحا بثورة التصحيح، بدا أن خلفه أنور السادات قرر الارتداد على سياسات سابقه جمال عبد الناصر والتبرؤ منها وفتح صفحه جديده مغايرة، ومع تلك الرغبة ظهرت مجموعة من الأفلام السينمائية تتحدث عن ممارسات النظام الناصري وأفاعيله ضد خصومه السياسيين فكانت أفلام أشهرها “الكرنك”، “إحنا بتوع الأتوبيس”، وأكثرها أهمية “البريء” للعظيم أحمد زكي والعبقري عاطف الطيب.

داخل المعتقلات

 تحدثت السينما عن أهوال داخل معتقلات وسجون النظام الناصري وما لاقاه المصريون طوال الخمسينيات والستينيات. تجسيد السينما لوقائع الضرب والتعذيب والاغتصاب كان مرعباً، فما بالنا بما حدث في الواقع؟

سرحت بخيالي متذكراً الأفلام الثلاثة، وورد علي خاطري شكل المستقبل في مرحلة ما بعد السيسي وحكمه، تري ماذا سيكون شكل الأفلام بعد تلك المرحلة المظلمة من تاريخ مصر الطويل؟ يحدثنا التاريخ حديثاً غير مكذوب عن ضرورة وحتمية نهاية من ينتهج نهج الحكم العسكري الحالي لمصر ولو بعد حين، وكلما كان الحاكم سريعاً في ارتكاب  الحماقات في حق نفسه والجرائم في حق الآخرين كلما كانت نهايته أسرع، تري كيف ستُصور السينما ما يحدث اليوم للمصريين؟ التأريخ الحقيقي للنظام الحالي يبدأ في أعقاب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك مجبراً تحت ضغط عنفوان وقوة ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتكليفه المجلس  الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد؛ عقاباً علي التجرؤ علي الثورة حكم المجلس للعسكري المصريين بالحديد والنار بمجرد بدأ تكليفه، فارتكب الآثام (سياسياً) بتأجيج نار الفتنة بين الناس، وشق المجتمع الثائر تمهيداً لوأد الثورة، وبدأ مسلسل الفتنة الطائفية بهدم الكنائس كما في أطفيح بعد شهور من الثورة.

المشايخ العملاء

 لدينا الآن شواهد علي عمالة بعض مشايخ السلفية للنظام العسكري والولاء المطلق لها أعقبه مذبحة مروعة للأقباط في ماسبيرو، ثم مذابح في حق الثوار عقب الاعتداء على أهالي الشهداء فيما عرف تاريخياً باشتباكات محمد محمود الأولي، ثم تعاقبت المذابح في مجلس الوزراء ومحمد محمود الثانية والعباسية الأولي والثانية، وبدأ فصل جديد حين قرر النظام العسكري الحكم من وراء ستار حتي يتم استيعاب الشارع الثائر وترك غيره يتلقى السهام بدلاً منه، ثم العودة من جديد استغلالا لغضب الناس علي الدو بلير المُختار، فكانت بداية الفصل الثالث من الرواية بمذبحة مروعة يشيب لهولها الولدان في رابعه والنهضة ورمسيس، وقبلهم في الحرس الجمهوري والمنصة، مستكملاً حتي كتابة هذه السطور حكمه بممارسة أبشع جرائم قتل معارضيه بدم بارد في الشوارع أو تصفيتهم في أماكن احتجازهم بعد الادعاء باشتباكهم مع الأمن لحظة القبض عليهم، البعض من ظهروا قتلي تم نشر أسمائهم في مواقع إخباريه مواليه للسلطة  كمقبوض عليهم، أو شاهدهم البعض داخل المعتقلات أحياء يرزقون قبل أن يُساقوا إلي الموت، وربما قضوا أثناء التحقيق معهم تحت التعذيب، ترى  أية نوعية من أفلام السينما قادرة علي تجسيد كل هذا الهول والرعب؟

بالتأكيد لا شيء يمكن أن يصف هذا الذي نعيشه وصفاً دقيقاً أو وافياً، حالات الاختفاء القسري، والحبس الاحتياطي لسنوات من دون محاكمة وحدها كفيلة بجعل الأعمال السينمائية فوق احتمال البشر، فما بالكم بكل هذا الهول الذي ذكرناه باختصار شديد جداً، إذ لا يتسع مقال لذكر كل ما أشاع الشيب في رؤوسنا طول السنوات الفائتة؟ اليقين أن أفلام ما بعد الحكم العسكري ستكون مرعبة وستكون أفلام ما بعد العهد الناصري بالمقارنة بها مجرد دعابة لطيفة.

فإلى ذلك اليوم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه