أرض الميعاد

“أرض الميعاد التي كتبها الله لبني يعقوب”. تلك الأسطورة التي قامت على أساسها الدولة اليهودية ككيان دخيل في منطقة ممتدة من الخليج العربي شرقاً إليّ المحيط الأطلسي غربا يسكنها ويحكمها قوم بينهم رابط الدين واللغة والقومية المشتركة. فهل من قبيل المصادفة قيام تلك الدولة في تلك النقطة تحديداً؟ هل من قبيل المصادفة أن تحظى بدعم غير محدود أو مسبوق من الاستعمار القديم (بريطانيا العظمي وفرنسا) أو الحديث (الولايات المتحدة الأمريكية) لمجرد أن هناك وعداً إلهيا لفئة من البشر؟

 ومنذ متى كانت الدول التي لا تعرف إلا لغة المصالح تعترف بالوعود الإلهية، ثم هل فعلاً أرض فلسطين ملك لليهود؟

الحقيقة التاريخية المؤكدة أن الحكم اليهودي لفلسطين كدولة موحدة اقتصر على أجيال ثلاثة لا غير، بدأت مع النبي/الملك داوود سنه ١٠٠٠ ق.م واستمرت بعده وبلغت أوج عظمتها مع ابنه سليمان وانتهت من بعده الى التقسيم في عهد ابنه “رحبعام ابن سليمان” الذي حكم مملكة يهوذا الجنوبية وتشرذم النصف الشمالي حتى انتهى الأمر بغزو بابلي كان الشعب اليهودي على أثره أسرى وتم نقلهم إليّ بابل فيما سمي تاريخياً بالسبي البابلي في عهد نبوخذ نصر ٥٧٨ق. م، فماذا عما قبل وما بعد؟

لم يدخل الملك داود فلسطين وهي خاوية من سكانها، كما لم يدخلها بن غوريون بعده بقرابة الألف عام خاوية، دخلها داود وفيها اليبوسيين وهم قوم قدموا من شبه الجزيرة العربية وكان ملكهم “مالكي صادقي” هو باني مدينة القدس التاريخية، وتظهر رسائل تل العمارنة أول إشارة لوجود مدينه القدس وقاطنيها، فاذا كانت فلسطين قبل قدوم بني إسرائيل إليها في المبتدأ مأهولة باليبوسييين، كما أن قدومهم الثاني إليها وهي مأهولة وعامره بسكانها الفلسطينيين وفي المرتين كان دخولهم اليها على جثث أهلها.

الأرض المقدسة

 في الأصل فإن الأرض المقدسة عند اليهود مقدسه أيضاً عند المسيحيين، فهي أرض صلب وقيامة ابن الله عند المسيحيين، وهي مسري رسول الله ومهبط البراق وبداية المعراج إليّ السماوات العلى وأولى القبلتين وثالث الحرمين عند المسلمين، فما هو المميز عند اليهود إذا كان المعيار هو وعد الله؟

 نأتي إليّ نقطة أراها فارقة جداً في نظري هل اختار اليهود فعلاً أرض فلسطين للحياة عليها؟

 سنري بماذا سيجيب التاريخ:

 الحقيقة الأولي أن بني يعقوب اختاروا مصر للهجرة إليها في فترة حكم الهكسوس لمصر وكانوا لهم أعواناً ولم يخرجوا منها إلا بعد أن تحرر المصريين من حكم الهكسوس ودارت الدائرة علي بني يعقوب فاستعبدهم المصريون انتقاماً منهم على معاونتهم المحتلين.

 الحقيقة الثانية: عندما انتهي حكم البابليين أطلق قورش الكبير الفارسي اليهود فبقي العدد الأكبر منهم في بابل مستقراً كما استقروا بمصر سابقاً، وعاد أقلهم إليّ أرض الميعاد المزعومة التي ظلت تحت مظلة الفرس إليّ أن انتصر الإسكندر المقدوني وتحت الحكم الأفريقي صبغت المدينة المقدسة بالصبغة الهيلينية ديانة الحكام كما هي حركة التاريخ دائماً، ورث الرومان الحضارة الهيلينية بعد زوال ملك البطالمة عن مصر وبالتبعية فلسطين، وكان حكم الرومان عنيفاً فسحق محاوله بني يعقوب الثورة علي الحكم وهدموا الهيكل الثاني وانمحي أي اثر له، وذلك دحض لأكذوبة البحث عن بقايا الهيكل تحت المسجد الأقصى، ولا غرض بالطبع الي هدم الأقصى لطمس أهم مقدسات المسلمين في المدينة، طرد الرومان اليهود ومحوا كل أثر لهم في المدينة وظلت قروناً مدينة محرمة عليهم، حتي تسامحت الدولة الأموية مع اليهود وعاش اليهود مع المسلمين والمسيحيين بشكل طبيعي وإن ظل أغلبيتهم مفضلاً الاستقرار في الدول التي طالت أيديهم بها مُستقراً،…حتى كان المد القومي في أوربا وموجة العداء لليهود الدول الاستعمارية في صنع كيان فاصل بين ضلعي الزاوية المصري الشامي ومنع قيام دولة قوية في تلك المنطقة، والذي بلغ ذروته مع صعود نجم هتلر في ألمانيا وقيام الرايخ الثالث، واتهام اليهود بالتسبب في هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية  الأولى، وقيام النازي بإبادة اليهود مع غيرهم من الشعوب التي وقعت تحت سيطرته فيما عُرف ب”الحل النهائي”…هتلر كان بريطانيا بلا مستعمرات،  فبينما ضرب الإنجليز عصفورين بحجر(تخلصوا من اليهود وأقاموا حاجزاً مثالياً يمنع قيام دوله عظمي  في الشرق)لم يكن لدي هتلر مستعمرات ينفي فيها اليهود إليها اختياريا.

أكثر قداسة

سأختم الموضوع باختصار الكثير بما ملخصه، أرض الميعاد لم تكن يوماً أرضاً فارغة حين قرر اليهود القدوم إليها اضطرارا، وإذا كانت مقدسه عند اليهود فهي أكثر قداسة للمسلمين وأكثر قداسه للمسيحيين، وإذا كان هناك صاحب حق فهو من سكنها وبناها في المبتدأ وهو من يسكنها ويُطرد منها إجباراً الآن تحت سمع وبصر الجميع وإذا كان هناك من يسمع ويصم آذانه عمداً أو جهلاً يري فيصدق غير ما يراه فواجبنا أن نقول ما قاله التاريخ….. الأرض لأصحابها وهم حتماً ليسوا بنو يعقوب.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه