“أردوغان” ذو الأصابع التسعة

سنقسّم هذا المقال إلى 3 أقسام نتحدث فيها عن منهج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه الكثير من الأمور التركية الداخلية والخارجية على حد سواء، والتي يصفها الكثيرون حول العالم بأنها منهجية ثورة حقيقية تجاه العديد من القضايا التي تهم البشرية بشكل عام.

القسم الأول: الأصابع الخمسة

طالما رأينا أردوغان يتحدث عن الظلم الموجود في النظام العالمي، ويكاد هو الرئيس الوحيد حول العالم الذي يتكلم بهذه الجرأة في هذه النقطة، وأصبح الشعار الأبرز في هذا النضال الأردوغاني لتغيير النظام العالمي الجائر “العالم أكبر من خمس” مع خمسة أصابع مرفوعة تعلنها صراحة أنه لابد من التغيير.

خمسة أصابع، تعلنها صراحة أن العالم ليس عبدا لخمس دول، تتحكم بمصيره كيفما شاءت وفقا لمصالحها فقط، دون أن تعير أي اهتمام لمشاكل وهموم الدول الأخرى، وحتى دون أن تهتم بقضايا البشرية بشكل عام، نظام عالمي مادي قائم على الظلم والطمع.

مبادئ الثورة الأردوغانية هذه، التي تتخذ من الأصابع الخمسة المرفوعة شعارا لها، جسدها الرئيس أردوغان في خطابه الذي ألقاه الأسبوع الماضي في الجلسة الافتتاحية للدورة الـ 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

الإصبع الأول يؤكد أن مجلس الأمن بات يخدم مصالح أعضائه الخمسة الدائمين الذين يملكون حق النقض، ولا يتطلع لخدمة الملايين من البشر الذين يعانون في مختلف أنحاء العالم، بل على العكس يبقى متفرجا على الظلم والقهر والقتل.

ماذا فعل مجلس الأمن لأجل سوريا والعراق والبوسنة والصومال وميانمار وأفريقيا واليمن ومصر وفلسطين وشرقي آسيا وأمريكا الجنوبية؟ لم يفعل أي شيء إلا أنه عزز الظلم والقهر والقتل، ولذلك يجب تغيير هذا النظام فـ”العالم أكبر من خمس”.

الإصبع الثاني يشدد على ضرورة أن تعود الأمم المتحدة إلى المبادئ التي تأسست على أساسها لتكون ناطقة باسم طموحات العدالة والإنسانية، فضلا عن تطبيقها على أرض الواقع، فهذه المؤسسة ابتعدت مع مرور الزمن عن تلبية توقعات الإنسانية من السلام والرفاهية.. ولذلك يجب تغيير هذا النظام فـ”العالم أكبر من خمس”.

الإصبع الثالث ينادي بتحقيق العدالة المالية الاقتصادية في العالم، فالعالم اليوم يعاني من ظلم التخمة المسيطرة على ثروات الكوكب، لأن النظام العالمي بمجمله لا يطبق إلا معاني الظلم والقهر وعدم المحاسبة، وإلا لما كانت ممتلكات أغنى 62 شخصا في العالم اليوم، تعادل ممتلكات نصف سكان الكوكب أي 3.6 مليارات إنسان.

هناك مشكلة حقيقية في توزيع الثروات بشكل عادل، سببها النظام العالمي، ولذلك يجب تغيير هذا النظام فـ”العالم أكبر من خمس”.

الإصبع الرابع يصدح بمبادئ يفتقدها العالم اليوم بسبب الخلل الموجود في مؤسسة الأمم المتحدة عامة ومجلس الأمن خاصة، فدول عدة تعربد على سطح الكوكب وكأن بقية بني البشر لا قيمة لهم أو تابعين لها تبعية العبد لمعبوده، فتسعى هذه الدول لخلق الفوضى هنا وهناك دون محاسب أو رقيب، بل تتبجح هذه الدول في مجلس الأمن أنها تعمل على إحلال السلام والعدالة والديمقراطية في هذا البلد أو ذاك، وهي تعرف أنها تكذب وتعرف أن النظام العالمي الحالي عقيم عن السؤال والمحاسبة.. نظام عالمي ليس فيه عدالة وقانون ورحمة وأمل ولذلك يجب تغيير هذا النظام فـ”العالم أكبر من خمس”.

الإصبع الخامس يقف بقوة ليقول أن الخلل الموجود في النظام العالمي الحالي لا يؤدي فقط لحروب وقتل وظلم وسرقة ثروات وانعدام للرحمة والعدالة، بل يساعد على تعزيز التعسف في إلغاء الاتفاقيات التجارية الموقعة بين الدول، فتقوم الدول التي تعرف أنها لن تتلقى أي توبيخ أو محاسبة ـ لأن النظام العاملي معوج ـ بإلغاء الاتفاقيات التجارية وقت تشاء وكيفما تشاء بأساليب تؤدي للضرر بالشعوب، مستعلية على الدول والبشر بالعقوبات الاقتصادية التي تستخدمها كسلاح قذر.. نظام يؤدي للظلم في التجارية الدولية، ولذلك يجب تغيير هذا النظام فـ”العالم أكبر من خمس”.

القسم الثاني: الأصابع الأربعة

هي الخنصر والبنصر والوسطى والسبابة، أصابع تشكل شعار “رابعة” الذي لا يمكن حصر معانيه داخل حدود الجمهورية التركية فقط، فهو في مكان ما يدعم شعار الأصابع الخمسة “العالم أكبر من خمس”، ويؤكد أن الظلم الناتج عن الخلل الكبير في النظام العالمي يؤدي الى تفتت الدول وبزوغ النزعات العنصرية والقومية البغيضة بين الشعوب، فضلا عن أنه سبب رئيسي للانقلابات العسكرية هنا وهناك إلى جانب تغاضيه عن المجازر الفظيعة بحق الإنسانية.

أصابع أربعة مفهومها الأول شأن تركي داخلي، ولكنه يمكن أن يكون نبراسا لبقية الدول في الوحدة والتآخي.

الإصبع الأول ينادي بالأمة الواحدة فلا فرق في تركيا بين مواطن تركي أو كردي أو عربي أو شركسي أو بوسني أو روماني أو ألباني ولا تمييز طائفي بين مواطني الجمهورية التركية، فالكل يشكل معا شعب هذه الجمهورية الصاعدة اليوم.

الإصبع الثاني يشدد على أن لتركيا علما واحدا هو الهلال رمز للحرية والاستقلال والنجمة رمز لجميع الشهداء، وهما يشكلان رمزا للثوابت والقيم المحمية باللون الأحمر المتكون من دماء الشهداء العظماء.

الإصبع الثالث يحمي الوطن الواحد من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، نعم 783562 كلم² هي جغرافيا الجمهورية التركية، ومن يقصد تقسيم هذه الجغرافيا سيجد أمامه الشعب التركي ليلقنه دروسا في الوطنية والفداء.

الإصبع الرابع سبيقى مرفوعا دفاعا عن الدولة واحدة، نعم لا فنحن نعترف بوجود دويلة داخل الدولة التركية، ولا نعترف بالكيان الموازي الإرهابي أو أي كيان يحاول أن يفتت الدولة.

شعار “رابعة” التركي، وفضلا عن كونه يحمل معاني الأسس الأربعة للدولة في تركيا، إلا أنه لا يمكننا أن نتغافل أن هذا الشعار كان في وقت ما أيقونة عالمية للتعبير عن رفض الانقلابات على الأنظمة الديموقراطية المنتخبة من الشعوب، وخاصة في مصر بعد أن قام الانقلابيون بفض اعتصامي “رابعة العدوية” و”نهضة مصر” في آب/أغسطس عام 2013، إنقلابات ومجازر ما كانت لتحصل لو أن النظام العالمي عادل ومنصف، وبالتالي هنا تتكامل أصابع أردوغان الأربعة مع أصابعه الخمسة، لتشكل “رابعة” مع “العالم أكبر من خمس” طريقا منيرا لكل أحرار العالم.

القسم الثالث: الإصبع العاشر لم يحن وقته بعد

نعم الرئيس أردوغان يوصف بأنه صاحب مسيرة متكاملة ذات أهداف محددة، وبالتالي هناك إصبع عاشر له قيمته الكبرى أيضا، هو الإبهام الذي يتحضر أردوغان لرفعه معلنا وصول تركيا لأهدافها المرسومة حتى عام 2023.

وتتلخص هذه الأهداف التي تريد تركيا أن تحققها، بالرغم من ظلم وجور النظام العالمي وبالرغم من مساعي الكثيرين لزعزعة استقرارها وتقويض شعار “رابعة” التركية، أن الرئيس أردوغان يريد أن يصل ببلاده بحلول العام 2023 الذي يوافق الذكرى المئوية الأولى لإعلان الجمهورية كي تكون ضمن مجموعة أكبر 10 قوى اقتصادية على مستوى العالم، وقد وضع أردوغان لهذا الغرض رؤية سياسية واقتصادية تشمل عدة خطط، لبلوغ الناتج القومي 2 تريليون دولار في هذا التاريخ.

سيرفع أردوغان ـ ونحن معه وكل محب معه ـ إشارة التمام وإبهام الوصول للهدف عام 2023 إن شاء الله، لأن هذا التاريخ هو تاريخ الخلاص من قرن من القيود المجحفة ولأنه تاريخ تحقيق أكبر الإنجازات على الإطلاق.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه