أحمد قناوي يكتب: هشام جنينة البديل المدني

سواء نجحت الحملة أو لم تنجح بالإطاحة بالمستشار هشام جنينة فإن الرجل جسَّد على أوضح ما تكون الصورة أنه مثالاً نادرًا للاستقلال الذي طالما حرص عليه قاضيًا وواصل الحفاظ عليه رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات، وهو أرفع جهاز رقابي مصري،

*أحمد قناوي

في صلاة الجنازة على المرحوم والمناضل الحقوقي أحمد سيف الإسلام حمد، دلف إلى المسجد مسرعًا المستشار هشام جنينة (رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات) ليصلي على روح طالما هاجمت حكم الاستبداد، ودفع سيف ثمن ذلك  بالقبض عليه وعلى أولاده. كان سيف الذي عين من قبل الدكتور محمد مرسي عضوًا بالمجلس القومي لحقوق الإنسان صادقًا مع نفسه حين قدم استقالته من المجلس في عهد الدكتور مرسي لأسباب كثيرة تتعلق بمعارضته لسياسات الإخوان، كان جنينة ممن دافعوا عن تحركات 30 يونيو وكان ممن أبدوا ملاحظات مالية على راتب رئيس الجمهورية محمد مرسي، كأن جنينة وهو يسرع ليصلي على جسد طاهر يجسد دون أن يدري أو يرغب حالة المناضل أحمد سيف الإسلام حمد باختلافه مع الجميع إلا الحقيقة.

أحمد سيف الإسلام حمد لم يستقيل ليكيل الاتهامات لمرسي والإخوان بل دافع دفاعًا صلبًا عن حقوقهم واعتبر رابعة مجزرة، وحين كان في غرفة العناية المركزة كان ابنه علاء في السجن وكذلك ابنته سناء، وقد حصلا على تصريح لزيارته للمرة الأخيرة قبل أن يُسمح لهما مرة أخرى بتلقي العزاء حين توفاه الله، وكان جنينة أيضًا الذي وضع ملاحظات مالية على سلطة الرئاسة في ذلك الوقت قد أعلن أنه ضد إقصاء الإخوان، وأنه وهو موظف في أجهزة الدولة انتقد بشدة محاولات جر القضاء المصري ليكون جهازًا ضالعًا في المواجهة بغير العدالة، وواجه بشدة وزير العدل أحمد الزند بمخالفات مالية لم يتراجع عنها بعد أن أصبح الأخير وزيرًا للعدل.

أنا المستهدف من هذا القانون
هشام
جنينة ليس قاضيًا بالمعنى الكلاسيكي، ففضلاً عن تمتعه بسيرة حسنة في أوساط القضاة فهو كذلك شخص يتسم بالصلابة ويمتلك حسًا سياسيًا لا يخفيه، فحين أصدر السيسي قانونًا يُجيز عزل رؤساء الهيئات الرقابية لم يتأخر جنينة في التعليق وقال حرفيًاأنا المستهدف من هذا القانون، وحين تحدث الإعلام المعني بتأديب كل من يخرج عن الطابور وتحدث عن كونه إخوانيًا بل على علاقة بحركة حماس المصنفة في الإعلام المصري بالإرهابية، خرج الرجل برصانة معروفة ليقول إن زوجته الفلسطينية محسوبة على السلطة الوطنية الفلسطينية والتي بينها وبين حماس ما بينها، وخرجت ابنتاه في حوار تلفزيوني وبدتا كنجمات السينما المصرية لتبددا أن جنينة عضوًا كما قيل في جماعة الإخوان المسلمين، وفاز جنينة بالجولة رغم  الحملة المتدنية للنيل منه ومن سمعته.

بقي الرجل كشوكة وكاستثناء خاص جدًا لرجال الدولة في مرحلة ما بعد 30 يونيو، وبالتالي تعاملت كل الأجهزة والإعلام معه بفكرة التربص، وجاء التقرير الذي صدر من الجهاز المركزي للمحاسبات عن سنوات أربع من عام 2012 حتى عام 2015 والذي حدد سعر فاتورة الفساد بـ 600 مليار جنيه مصري، ذريعة للتخلص من الرجل، رغم أن هذا التقرير أُعِد بناءً على طلب أحد الوزراء الذي كان يزمع المشاركة في مؤتمر خاص بالشفافية الدولية، ونشرت بعض الصحف مقتطفات منه وكونه يتناول سنوات أربع، غير أن صحيفة واحدة نشرت أن ذلك خاص بعام 2015، وترك المتربصون كل ذلك وتعاملوا مع ما نشرته الصحيفة الأخيرة.

وبدأت حملة لم تقتصر على الفضائيات كما كان سابقًا بل شاركت فيها تقريبًا كل الصحف الرسمية والمحسوبة عليها بمنشتات خبرية عريضة بالمطالبة ليس بعزل هشام جنينة فقط بل ومحاكمته، ووصل الأمر بنشر أخبار عن أن هشام جنينة يمكن أن يتعرض إلى عقوبة الإعدام، وسرعان ما تشكلت لجنة على عجل ردت على عجل على تقرير الجهاز المركزي ولم تتعرض لأرقام بقدر ما تعرضت لشخص المستشار هشام جنينة لتضع الأساس الورقي لعزله أو لمحاكمته إذا احتاجت الأمور لذلك.

وكعادته الصلبة تحدث هشام جنينة عن تهديدات تلقاها قائلاً بوضوح لست ممن أُرهب، سأرد على تقرير اللجنة  بعد 25 يناير ليشير إلى أن التقرير ليس له علاقة من قريب أو بعيد باقتراب ذكرى 25 يناير والتي جعلت السلطة تتصرف على نحو أقل ما يوصف به بالذعر الشديد من تلك المناسبة، وكان شأن هشام جنينة هو شأن العشرات من شباب الثورة التي ألقي القبض عليها بدعوى المشاركة في 25 يناير 2011 وخوفًا من مساهمتهم في ذكراها القادمة، لكن جنينة يحتاج إلى ترتيب آخر.
ودخل
مجلس النواب على خط الهجوم على هشام جنينة في حين أن المجلس كان ينبغي عليه أولاً قراءة التقرير والاستماع إلى هشام جنينة ثم تقييم الأمر، لكن مناخ الذعر العام جعل المجلس بأغلبية نوابه على خطى الفضائيات والمشاركة في حملة الهجوم وكأن جنينة أصبح قربانًا يتقرب به من يريد مجاملة للسلطة على حساب الحقيقة المجردة كنوع من رد الجميل وكإثبات وجود أن اختيارنا لم يكن مصادفة.

حملة بلاغات واسعة
تناغم
كل ذلك مع حملة بلاغات واسعة دائمًا معروف مصدرها ضد الرجل سواء في القاهرة أو عدد من محافظات مصر، وحوت تلك البلاغات اتهامات تنسجم مع حالة الإرهاب الرسمية لتكون جزءًا منها في مواجهة رجل اختار في ظل هذا المناخ المخيف أن يكون صادقًا حازمًا مستقلاً

سواء نجحت الحملة أو لم تنجح بالإطاحة بالمستشار هشام جنينة فإن الرجل جسَّد على أوضح ما تكون الصورة أنه مثالاً نادرًا للاستقلال الذي طالما حرص عليه قاضيًا وواصل الحفاظ عليه رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات، وهو أرفع جهاز رقابي مصري، وهو بهذا يقدم نفسه دون أن يدري واحدًا ممن يمكن عقد الآمال عليهم ونحن جميعًا نبحث عن بديل مدني مقبول يحظى بهذا القدر الكبير من الاستقلال والنزاهة والمصداقية.
______________
*كاتب مصري ومحام بالنقض

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه