أحمد قناوي يكتب: محاولة للتنبؤ بما هو قادم في مصر

أحمد قناوي*
المتابع جيدًا للشأن المصري سيلاحظ متغيرا مهما في علاقات مصر الخارجية؛ فرؤية دولية للأحداث تشير إلى أن في مصر أمرًا غير طبيعي وصل إلى حد إصرار رئيس وزراء بريطانيا في سابقة نادرة على إحراج السيسي في مؤتمر صحفي، وكذلك بتكرار اتهام الإرهاب بالمسئولية عن تفجير طائرة الركاب الروسية، وهو اتهام يعني أمرين (الأول) فشل مقاومة الإرهاب على الطريقة المصرية (الثاني) أن الحديث عن أن مزيدًا من القمع يعني مزيدًا من الإرهاب صحيح في جملته.
 أما الرؤية الداخلية لكل ما حدث وما يحدث أن الأمر برمته مجرد مؤامرة، وما بين الأخيرة والاتهام الوارد على لسان رئيس وزراء بريطانيا تعيش مصر حالة شديدة من الضبابية التي لا يستطيع أحد الجزم بأن القادم متوقع أو يمكن توقع مسار أحداثه على نحو محدد.
روسيا – مصر  
كان يمكن أن يمر تصريح رئيس وزراء بريطانيا في سياق مختلف لولا أن روسيا – وهى التي تقول مصر الرسمية أن العلاقات معها وصلت إلى حدود تفاهمات استراتيجية – قررت اللحاق بالدول الغربية في سحب رعاياها من مدينة شرم الشيخ، ليصبح ما قاله رئيس وزراء بريطانيا مجرد إلقاء قذيفة فجرها الموقف الروسي وهو الموقف الذي بدا صادمًا للمسئولين المصريين وكأنه اصطفاف مع الدول الغربية في تحديد وتوحيد الرؤية العالمية للنظام الحاكم في مصر قد حدث، في التعامل مع نظام فشل في مكافحة الإرهاب، ونظام يعتمد على القمع وسيلة للبقاء وفي هذا فإن جانباً يمثل ضلعاً أساسياً كانت تعتمد عليه مصر قد انهار هو الآخر ، بل إن روسيا استبقت الدول الغربية في منع شركة مصر للطيران من تسيير رحلات الى روسيا ، مع تلميح في الصحافة الغربية أن هناك لوكيربي مصرية .
المؤامرة حديث استقطاب ليس إلا  
في التو واللحظة التي أعلن فيها بان كي مون سكرتير عام الأمم المتحدة عن قلقه بشأن إلقاء القبض على الصحفي والناشط الحقوقي حسام بهجت، تم الإفراج عن الأخير في سرعة قد تكون أقل من أمر النائب العام المصري بإطلاق سراح أحد المحبوسين في أي قضية لديه، هذه السرعة اللافتة للنظر والتي تعارضت مع تصريح في ذات اللحظات لوزارة الخارجية المصرية بأن بان كي مون يتدخل في شأن مصري صميم، أوضحت بجلاء أن الحديث عن مؤامرات خارجية انما يهدف فقط إلى تنشيط الاستقطاب العام دون أن يكون ذلك حقيقيًا، بل دون أن يكون ذلك منسجمًا في حده الأدنى مع نزعات كبرياء عام تم الترويج لها تعني استحضار الرفض لأي تدخل أجنبي في الشأن الخاص. ولعلنا هنا مثلاً نشير إلى أن مبارك وعلى مدار ثلاث سنوات كان يرفض كافة الطلبات التي تعلقت بطلب مماثل للإفراج عن الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد الذي كان محبوسًا في قضية تعلقت جنائيًا باتهام بالتزوير وتعلقت سياسيًا بكونه وصيف مبارك في أول وآخر انتخابات رئاسية أجراها نظامه وكان الدكتور نور منافسًا فيها.
وللمفارقة الغريبة أنه في ذات الأسبوع تم إلقاء القبض علي رجل الأعمال صلاح دياب، وتم تصويره بشكل مهين وهو أمر بدا مقصودًا وبرسالة قصد إرسالها لكل من يهمه الأمر في مصر، وعرض على النيابة العامة التي قررت حبسه خمسة عشر يومًا، لكن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أعرب عن متابعة الولايات المتحدة لعملية القبض على رجل الأعمال، وهو أمر أقل من القلق الذي أبداه بان كي مون على حبس الناشط حسام بهجت، في الصباح وبعد ساعات قليلة كان رجل الأعمال في بيته قبل مرور يوم واحد على قرار حبسه من النيابة العامة التي حددت حبسه بخمسة عشر يوما.
قاطرة الاقتصاد تسير عكس الاتجاه    
وارد أن يحدث كل ذلك في دول أخرى، فقد حدث مع الصين وإيران وغيرها، لكن الوضع المصري مختلف، مصر ليست الصين العظمي اقتصاديًا وعسكريًا، ومصر ليست إيران التي لديها نظام يتسم إلى حد كبير بالشعبية فضلاً عن امتلاكها مشروع عام مستقل في التنمية الاقتصادية والتطوير العسكري جعلها رغم الحصار قوة إقليمية معترف بها دوليًا بعد توقيع الاتفاق النووي الأخير، مصر في حالة تبعية شديدة وصلت إلى حد اعتمادها بشكل كبير على المساعدات التي تقدم أو التي كانت تقدم من دول إقليمية مثل السعودية والإمارات وغيرها من دول الخليج، ومن ثم فإن الاقتصاد المصري بنزع هذه المساعدات – وهو أمر بالفعل قد حدث بحدود كبيرة – ومع افتقاد مشروع عام تنموي، ومع تبعية الاقتصاد المصري في جملته للاقتصاد العالمي فإن الاعتماد على الاقتصاد المتراجع والمتدني لا يمكن أن يكون رهانًا بالإيجاب، بل يضحى رهانًا بالسلب، فإذا أضفنا إلى كل ذلك تراجع عائدات السياحة المصرية بعد واقعة الطائرة الروسية وارتفاع سعر الدولار في مقابل الجنيه المصري في نظام اقتصادي يتسم باختلال كبير في ميزان المدفوعات والقروض العامة والداخلية وارتفاع فاتورة الاستيراد بشكل فج عن فاتورة التصدير فإن الأمر على هذا الحال أقرب للكارثة.
يناير في الأفق 
تأتي الذكرى الرابعة لثورة يناير في مناخ عام يختلف إلى حد كبير عن العام السابق وما قبله، تراجع فعل الإخوان المسلمين في الشارع المصري ومن ثم أصبح استخدام ورقة الإخوان المسلمين كمدعاة للاستقطاب العام في جانب السلطة الحاكمة أقل أثرًا بكثير عما حدث في العاميين الماضيين، إضافةً إلى أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي شهدت إقبالا تراوح بين 5% و8% أثبتت تراجع شعبة النظام الحاكم بشكل حاد وسريع رغم نداءات السيسي صاحب نداء 3 – 7، مع وجود حالة قمع عام تتعلق بالحريات العامة كل ذلك دلل على أن جماهير ثورة يناير التي قوامها ملايين الشباب المصري كانت تمتلك رؤية واضحة في عدم التعاطي مع شعارات جماعة الإخوان المسلمين وعدم التعاطي كذلك مع الاصطفاف مع السلطة الحاكمة بعد 3 – 7 واحتفاظها بالاستقلال في المواقف العامة، ولذلك لم تشارك في الانتخابات الأخيرة لدرجة لم تستطع السلطة في تلك الحالة أن تنسب المقاطعة للإخوان المسلمين ولم تستطع الأخيرة نسبة نجاح تلك المقاطعة إليها، وبات أن هناك توافقا أن قطاع الشباب المحسوب تقليديًا على ثورة يناير هو صاحب الفضل الأول في هذه المقاطعة التي أظهرت انحسار التأييد للسيسي على نحو بدا مثيرًا وفاصلاً في الادعاء بشعبية النظام.
من هنا وفي هذا المناخ بدا على سبيل المثال تداول شعار (راجعين للميدان) بشكل أوسع كثيرًا عن دعوات مماثلة في ذات الذكرى العام الماضي، وبدت الاستجابة هذه المرة واسعة ومن ذات القطاع النشط شباب يناير، ولعل صدق هذه الدعوة هذه المرة يأتي من خلال مناخ عام ظهر أنه مواتيًا على نحو أفضل، فقد تبين فشل الحديث عن مشروعات كبرى، وتبين كذلك أن الحديث عن الإخوان المسلمين مجرد تكأة عامة للقمع بدليل أن خصوم الإخوان بل وشركاء 30 يونيو في السجون هم الآخرون، ثم تراجع الشعبية الحادة للنظام الذي أظهرته المقاطعة شبه الجماعية للانتخابات البرلمانية مع تراجع حاد في متوسط دخل الأفراد في ظل ارتفاع متلاحق للأسعار.
صعوبة التكهن  بالقادم
ومع كل ذلك يصعب توقع ما هو قادم، لكن المؤكد أن النظام الحالي  سيظل في خصومة مع شباب يناير وسيظل “الإخوان المسلمين” على ذات الخصومة لأسباب مختلفة، الفصيل الوحيد الأكثر تماسكًا ووضوحًا في الرؤية واستقلالية في الموقف هو هذا القطاع النشط من شباب ثورة يناير، لكن هؤلاء بلا برنامج عمل محدد وبلا رؤية تفصيلية وبلا قائد يجمع شتات هؤلاء الذين يشكلون أطياف واسعة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، كما لا يمكن توقع تعامل قوي ومؤسسات سيكون لها دور مؤثر في أية أحداث قادمة، كيف ستتعاطى مع ما يمكن أن يحدث؟ هل ستستمر في الدفاع؟ وإلى أي مدى يمكن أن تستمر؟ وما هو موقف القوى المختلفة؟ هل يمكن وجود حدود دنيا للاتفاق ؟ ربما يتفق الجميع هنا على أمور مفصلية مثل استبعاد شبح الحرب الأهلية على الإطلاق فهو نموذج غير مطروح مصريًا بالجغرافيا والتاريخ وزحام الناس وتجانسهم . كذلك الخوف على الدولة المصرية فهي مركزية منذ آلاف السنين وتضم قطاعات تعرف أنه في لحظات الخطر يمكن أن تتخذ خطوات مفصلية لم يكن أقلها تضحية المجلس العسكري بمبارك في ثورة يناير، هل ينتهي الأمر إلى مجرد حملة قمع جديدة تضم إلى زنازين السجون شبابا آخرين؟ هل يمكن اعتبار أحمد شفيق رجل الدولة القديمة حلاً في لحظة من اللحظات؟ هل يمكن أن يتنازل “الإخوان المسلمين” عن عودة مرسي وهو أمر مختلف عليه مع شباب يناير؟.
لا أحد يعلم !

____________________________

* كاتب مصري ومحام بالنقض 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه