أجازة من الكذب السياسي

(1)  لا حماس ولا عباس

 أعزائي القراء.. أيها الحائرون الباحثون عن الحقيقة، وعن مكان للعقل والمنطق في غابة العالم المعاصر

صباح الجنون… وبعد

أخطركم أيها الأبرياء الطيبون الذين تصدقون تصريحات حكامكم، وتنتظرون أملا يرجى من حليب الكلام، بأنني اليوم لا أنوى الكتابة في السياسة، فليست لدىّ رغبة فى الكذب هذا الصباح، لذلك أحذركم من قراءة هذا المقال الخرافي.. البعيد عن مانشيتات الصحف ومحتوى نشرات الأخبار وفقرات برامج “التوك شو”، إنه مقال فلسفي مشوش، مليء بالحيرة والشطط والصدمات، لايقدم إجابة على أسئلة الساعة، ولا يهتم بزيارة السيسي إلى نيويورك، ولا ببيان الإذعان الذي اصدرته حركة “حماس” لتحية الجهود الكريمة لجهاز المخابرات المصرية الذي يراودها عن شرفها ويقايضها على سمعتها.. فقط سأكتفي بمجموعة من التأملات المحرضة على الدهشة

(2) التأمل الأول: أنا أعرف إذن أنا لا أعرف

لقد استسهلنا إطلاق صفات التفخيم والألقاب التى توحى بالعلم والمعرفة من نوع: الخبير، العالم، العارف بالله، مع أن ذلك الشخص أول من يعرف بنقص معرفته حتى فى المجال الذى يبرع فيه، لذلك كان الأولى أن نستخدم ألقاباً أكثر صدقاً وملاءمة من نوع «المش خبير»، «غير العالم»، «الساعى إلى معرفة الله»، فالحقائق تتغير كل صباح، ومشاكل العالم تزداد فى كل المجالات، لا خبراء الاقتصاد انتصروا على الجوع والفقر، ولا كليات الطب نجحت فى القضاء على الأمراض، ولا وزارة الصحة لديها صحة، العالم كما هو فى جوهره، يقتل بنفس الدوافع التى حركت قابيل، ويخاف ويصارع لنفس الأسباب التى حركت سلفه البدائى.

(3) التأمل الثانى: اكشط برفق.. فليس كل ما يلمع ذهباً.

لا تنخدع بالشعارات التى تطاردك بها اللافتات المضيئة عن التطور والحضارة، فالحضارة التى يقصدونها ليست أكثر من «البدلة» التى اشتراها أحمد موسى من أرمانى عندما صار مذيعاً، أو لنقل التحسينات المظهرية التى طرأت على شيرين المغنية لزوم التصوير والنجومية.

يا أعزائى.. إن العالم المعاصر يدين بالفضل لبيير كاردان وكالفن كلاين أكثر مما يدين للأنبياء، ويقدر «إبداعات» بيوت الأزياء أكثر مما يقدر جهود الفلاسفة والعلماء، لذلك صار المظهر آخر أبهة، بينما الجوهر لايزال معطوباً، وبالبلدى كده فإن حضارتنا التى نتفشخر بها «من بره هلّا هلّا، ومن جوه يعلم الله».

(4) التأمل الثالث: تواضع.. فكّر بغيرك.

لا أنوى التطرف فى تأملاتى حتى لا أصل إلى نظرية جديدة فى «التكفير العلمانى»، وإسقاط مكانة العلم والمعرفة كلية، والادعاء بجاهلية الحضارة الحديثة، أنا فقط أستهدف خدش القشرة اللامعة الزائفة، ربما نفيق من الخديعة ونتعامل مع جوهر الحاجات الإنسانية فى كل المجالات، ومع الطبيعة أيضا، فأنا لا أوافق مثلا أن يهدر هذا «العالم العاقل» مليارات الدولارات على الحروب والتسليح و«كرنفالات بابا نويل»، وهناك 800 مليون جائع على وجه الأرض باعتراف المنظمة الدولية المظهرية التى أطالب بإغلاقها وتوفير ميزانيتها الضخمة لأى شىء مفيد للطبيعة والإنسان، لا أوافق على الحرق المنهجى للغابات، وأرى أن قطع شجرة مثل قتل إنسان، لكن مافيا المنتجعات وحيتان التوسع العمرانى يلتهمون «رئة الأرض»، ويضيئون أنوار «وول ستريت» بفائض القيمة والفوائد البنكية الباهظة، بينما السياسيون وحكام الدول وقادة الجيوش يمتنعون عن الإدانة، ويتركون الدفاع عن قلب الأرض لقلة من الناشطين وحماة البيئة.

(5) التأمل الرابع: فكّر فى العكس

بما أن دوام الحال من المحال، وبما أن العالم يتبدل رغماً عنك، حتى إنك تفقد عمرك ولا تستطيع أن تقول للشيخوخة: اختشى، فيجب أن تفهم بكل تواضع أن كل شىء يحمل نقيضه بداخله، فإذا كنت مبصرا فكّر فى الأعمى، وإذا كنت معافى فكّر فى المريض، وإذا كنت غنيا فكّر فى الفقير، وإذا كنت قويا فكّر فى الضعيف، وإذا كنت حاكما فكّر فى الشعب، وإذا كنت حيا فكّر فى الموت، أما إذا كنت ميتا فلا علاقة لى بك، لأنك لن تقرأ هذا المقال.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه