«نطة السيسي»!

سليم عزوز*

بدت «الزفة» التي نصبت لعبد الفتاح السيسي، تجمع بين «حفل الطهور»، عندما كان يوم ختان الفتى عرساً، وبين حشد أولياء الأمور أمام اللجان، في أيام امتحانات الثانوية العامة! في «حفل الطهور» يجتمع الأهل والخلان، احتفالاً بهذا الحدث، ليصبح «المختون» هو النجم، الذي يلتف حوله «الجمع الكريم»، فيحتفون به، ولا يغادرون إلا وقد دفعوا «النقوط»، وأطلقوا الزغاريد. أما في امتحانات الثانوية العامة، فإن أولياء الأمور يصطحبون أبناءهم إلى لجان الامتحانات، وهم في حالة من القلق والترقب، ويكون الخروج منها لحظة تبيض فيها وجوه وتسود وجوه. وهكذا بدا القوم في انتظارهم أمام المستشارية الألمانية، وفي وقوفهم أمام مطار برلين!
«أماني الخياط»، وحدها من اكتشفت خصلة في المحتفى به، تتمثل في قدرته على «النط» برشاقة. ويمكن استدعاء أغنية العندليب هنا بتصرف لتصبح: «يا أبو نطة جنان». فقد بدت «الخياط» معجبة «بنطة الرئيس السيسي»، في هبوطه من الطائرة، وهي «نطة» لفتت انتباهي، لأنها مبالغ فيها، ولم يكن أحد قد اتهم سيادته في صحته، ولم يكن قادماً لألمانيا، منافساً في المسابقة العالمية «لنط الحبل»!
«النطة» مفردة عامية، تعني القفز، وقد كان السيسي يقفز من «سلالم الطائرة» قفزاً، على نحو لفت انتباه «أماني الخياط» فأشادت بـ «النطة» في برنامجها التلفزيوني، وقالت: «نطة الرئيس السيسي أثبتت أنه رشيق وعنده حيوية»، وأثبتت «الخياط» بذلك أنها تتميز بالألمعية، وبقي أن يجري الاحتفاء بهذه «النطة»، كما تم الاحتفال بركوب سيادته «الدراجة»، فتناقش برامج «التوك شو» فوائد النطة في ذوبان جلطة القلب وفي توسيع الشعب الهوائية.
حضور المشجعين إلى ألمانيا، جعل إعلامه ينظر له على أنه البطل العالمي «محمد علي كلاي»، جاء ليخوض التصفيات النهائية في المصارعة، مع بطلة ألمانيا «ميركل»، ومن ثم فقد أعلن مذيعه المختار «أحمد موسى»، «الهارب من العدالة»، أن السيسي «حكاية»، فقد «لاعب ميركل وأحرز فيها خمسة أهداف». ويبدو أنها كانت مباراة كرة قدم قاصرة على ضربات الجزاء وليس جولة في الملاكمة!
«أحمد موسى»، صدر ضده حكم واجب النفاذ بالسجن، لكن الحكم لم ينفذ، وسافر إلى ألمانيا في صحبة خليله السيسي، ليكون بجواره في محنته، ويسجل برنامجه على قناة «صدى البلد» من هناك، فإذا بنا أمام فضيحة دولية بامتياز. وفي الواقع كنا أمام سلسلة من الفضائح، التي أساءت للشعب المصري كله، إن لم تكن قد أسأت للجنس البشري برمته!

الفيفا الصحفية
منذ متى ورؤساء الدول، يصطحبون معهم مشجعين في زياراتهم للخارج؟ ومنذ متى كان التصرف مع الرؤساء على أنهم في رحلة امتحان؟ ومنذ متى كانت شرعية الرؤساء تكتسب بالمهرجانات، ومن خلال حفلات «ليالي التلفزيون»!.
لقد كان ما جرى خرقاً لتقاليد الزيارات المتعارف عليها، وقد ألحت علي منذ فترة فكرة مقال عن دور السيسي في انتهاك القيم والتقاليد المصرية، ولم أكن أتصور أن يأتي يوم وينتهك القيم والأعراف الدولية، وأدخل في القاموس الدولي تقاليد جديدة، ولم يتوقف الأمر عند حد استدعاء قيم مباريات كرة القدم في المسابقات العالمية في الخارج، إذ يصطحب المنتخب معه مشجعيه بحسب أهمية المباراة، فقد وصل الحال إلى حد اختراق قيم المؤتمرات الصحفية، على نحو صرنا معه بحاجة إلى تنظيم على مستوى «الفيفا» في مجال الصحافة، لضبط قواعد السلوك، والمحاسبة على الخروج على قيم مهنة الصحافة وقواعد ممارساتها! فـ «حفل الطهور» إنتقل من الشارع، إلى دار المستشارية الألمانية في ألمانيا، وهبط الأداء إلى مستوى الفضيحة، عندما وقف مراسل التلفزيون المصري ليشيد بدور السيسي وجولاته الخارجية خدمة للوطن، وهو ما كان مثار هجوم من «محمد شردي» مقدم برنامج «90 دقيقة» على قناة «المحور»، وأحد الحاضرين، فقال: إن المراسل «أحرج مصر كلها»!
وكانت ثالثة الأثافي في هذا التصفيق الحار الذي قوبلت به إجابات السيسي من قبل الصحفيين المصاحبين له ضمن فرقته الموسيقية، ومن أولياء أمورهم، وكنت أظن أنه لم يحضر من أولياء الأمور في هذه الزيارة سوى صاحب قناة «سي بي سي»، الذي تحول إلى مقاول أنفار، وهناك تلميحات من الفنانات في مداخلتهن التلفزيونية بأنه من أستأجر الطائرة التي حملت مشجعي المنتخب القومي إلى ألمانيا!
لكن فوجئت بوجود «ولي أمر» آخر هو رجل الأعمال «محمد أبو العينين» الشهير بحمادة، ضمن حضور المؤتمر الصحفي، والمذكور فضلاً عن كونه أحد رجال الأعمال المقربين من دولة المخلوع مبارك وعضو في حزبه الحاكم، فهو صاحب قناة «صدى البلد»، ولم يسبق له أن اشتغل بالإعلام لا كاتباً ولا قارئاً، ولا مذيعاً ولا مشاهداً، لكنه جاء مشجعاً في «فرح العمدة»، وحضر المؤتمر الصحفي بين السيسي وميركل، وكما قالت الشحرورة: «الغاوي ينقط بطاقيته»!

فضيحة التصفيق
موقع «دير شبيغل» الألمانية، وصف تصفيق الصحفيين المصريين أثناء المؤتمر بأنه يحدث لأول مرة في دار المستشارية من قبل صحفيين، وهو ما أصاب «ميركل» بالذهول من جراء التصرف، على حد وصف الصحيفة. وصحيفة «فرانكفورتر» الألمانية أيضاً، وصفت الإعلاميين المصريين بالمصفقين المستأجرين!
بطبيعة الحال فإن هذا كان وصفاً للخروج على قيم وتقاليد المؤتمرات الصحافية، ولم تنتبه الصحيفتان، إلى ما أثاره زميلنا «أحمد عطوان» في برنامجه على قناة «مصر الآن» من أن أحد الصحفيين الحاضرين، وهو موفد جريدة «المصري اليوم»، ومندوبها في رئاسة الجمهورية، قام بالإعتداء على «فجر العادلي» نجمة هذا المؤتمر، وأذاع «عطوان» لقطات من عملية الإعتداء، وتدخل الأمن الألماني لحمايتها من «الشبيح»، وهي التي هتفت في وجه السيسي: «يسقط .. يسقط حكم العسكر»!
وقد حاولت هذه الصحفية المتدربة، والطالبة في كلية الطب في إحدى الجامعات الألمانية، أن تطرح سؤالها، فحيل بينها وبين ذلك، فهتفت بسقوط حكم العسكر، ورفعت «شار رابعة» في وجه السيسي لتذكره بجريمته، بقتل المئات في مذبحة ستظل تؤرق الضمير الإنساني لعقود طويلة.
لولا «فجر العادلي»، التي كانت سبباً في أن تنهي «ميركل» المؤتمر بشكل مفاجئ ودون شكر الصحافيين، كما هي العادة، وبالضرب على ظهر السيسي وكأنها تقول له تعالي بلا فضائح، لشاهدنا «فرح العمدة» على أصوله، ولتجاوز الأمر التصفيق الذي أثار الصحافة الألمانية، فقد يتطور الأمر ليصعد أحد المشاركين في الحفل الكريم، إلى المنصة، ويضع حفنة من أوراق البنكنوت على رأس «ميركل» كما يحدث مع الراقصات في الأفراح الشعبية، وربما تمت دعوتها لوصلة من الرقص بهذه المناسبة التاريخية، التي تلتقي فيها برئيس تحت التمرين!
أحد الصحفيين، طلب من «ميركل» ما هو أكثر إثارة من «الوصلة» بأن دعاها بعد أن التقت السيسي أن تدافع عنه وأن توضح الصورة خارجياً، ظناً منه أن اللقاء الذي تم بينها وبين صاحبه قبل المؤتمر الصحافي كان الشيطان ثالثهما، وربما ظن أنها «وقعت في غرامه» وصارت حبلى بنجمه، ليطلب منها أن تتحول إلى موظفة للعلاقات العامة في «بلاط السيسي»!.

الكباريه
ولم يكن أداء الصحافيين، الذين تصرفوا كما لو كانوا في «كباريه» بالتصفيق لمطربهم الصاعد، هو فقط ما مثل خروجاً على الأعراف والتقاليد، فقد شاركهم عبد الفتاح السيسي ذلك، بتقديمه الشكر في «مؤتمر صحافي» للجماهير التي جاءت من ألمانيا ومن أوروبا ومن مصر لتحتفل به، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ المؤتمرات الصحافية العالمية، وإن كان يليق بفرح العمدة عندما يمسك أحد «الصيتة» ومحيي الأفراح، بالميكروفون ويعلن أن أهل العريس «يمسون» على أهل العروسة وعلى المعازيم، ورقصني يا جدع!
ومن الواضح أن اللقاء لم يكن غرامياً على النحو الذي ظنه الصحافي الطالب من «ميركل» أن توضح الصورة، فمن الواضح أن السيسي تعرض خلاله لعملية «تكدير» بالمفهوم العسكري منها وكادت أن تقول له «تسعة استعد»، وهو تمرين الزحف على البطن!
ولهذا خرج السيسي يتحدث كما لو كان في امتحان شفهي يتحدد على أثره مستقبله، فقال وهو يتصبب عرقاً إن الجميع قد دعوا في 3 يوليو/تموز، دون أن يقول لنا بأي صفة دعا إلا أن يكون عسكري متمرد، أطاح بالمسار الديمقراطي، وكيف وجه الدعوة لمن تم سجنهم بعد ذلك بتهم الخيانة والتخابر والقتل، مع أن الأفعال التي يحاكمون عليها كانت سابقة على هذه الدعوة الكريمة. ولم يسأله أحد وهو في حماية الزفة المنصوبة، وهل فشل الرئيس المنتخب معناه أن يصبح هو الرئيس؟!
لقد كانت زيارة فاشلة بكل المقاييس، يكفي أنها كانت مناسبة لفتح ملف الإنقلاب عبر الإعلام الألماني، وقد هزم الإنقلاب إعلامياً وباعترافه، فوزير الصناعة «فخري عبد النور» قال في البث المشترك من ألمانيا لقنوات الثورة المضادة إنه يعترف بفشل السياسة الإعلامية في مقابل نجاح الإخوان. وكلام قريب من هذا قاله إبراهيم عيسى في برنامجه عبر «أون تي في». وأحمد موسي صاح عبر الأثير بأن الإعلام الألماني منحاز، فالإخوان دفعوا للإعلاميين الألمان، وخيري رمضان في برنامجه «ممكن» على قناة «سي بي سي» قال إن 90 % من الصحافة الألمانية تهاجم «الرئيس».
من المعروف من الإخوان بالضرورة أنهم فشلة في مجال الإعلام، وفشلهم هو أحد أسباب خسارتهم للحكم. وفي الحالة الألمانية لم ينجحوا فما جرى أن الآخرين فشلوا.
لا بأس إن كانت زيارة فاشلة، فقد نجح السيسي بـ «نطته» في أن يلفت انتباه «أماني الخياط». يا لها من «نطة تاريخية» مفعمة بالنشاط والحيوية، وتذكرنا «بنطة» نجم الملاعب قديما «بيبو»، ولا أظن أن «ميركل» يمكن أن تنافسه في مجال «النط»!
والذي يؤكد أن الإعلام الألماني منحاز ويعد خلايا إخوانية نائمة استيقظت مع الزيارة، أنه لم يشر لـ «نطة» السيسي، مع أنها «نطة» غير مسبوقة في تاريخ «النطات»، الذي بدأ «بنطة» فرعون موسى، وكانت هي «النطة».. حيث هلك ومن معه، لكن السيسي لا يزال على قيد الحياة بعد «نطته»!
فمن ينافسه على «النط»؟

_________________

*صحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه