70 عاما من الفشل العربي المشترك!

أما أن تكون نتيجة كل هذه الصرخات وكل هذا المناشدات: أن تتوج جامعتكم عامها السبعين بقمة يرأسها “جنرال” وصل للسلطة بانقلاب عسكري فهذا ما لا أستطيع أن أفهمه إلا أنه تتويج جديد لكوارث عربية جديدة

د. طارق الزمر

لا أكون مبالغا إذا قلت أن قمم الجامعة العربية هي أهم مظاهر التآمر على الذاكرة العربية بمعنى أن المخطط الرئيسي الذى نجحت فيه هذه القمم هو أن تنسينا قراراتها السابقة، وتبدأ كل مرة وكأننا نبدأ من جديد ومن نقطة الصفر دائما .

فتجدهم يتسابقون بالطائرات لمكان القمة ويسارعون في الأحضان والقبلات، ويبدأون بحماس شديد وكأنهم لا يتذكرون شيئا من الفشل المتكرر في نفس المجالات بل أن وزير الخارجية المصري صرح بشجاعة يحسد عليها: بأنه من غير المناسب أن نتذكر الماضي!!.

ونظرا لأن العام هو العام السبعين لتأسيس الجامعة العربية، فقد تعاقبت أجيال عليها دون أن ترى إنجازا ملموسا، فمنهم من دخل قبره وهو يحلم بإنجاز واحد للجامعة العربية دون أن يناله ومنهم من لا يزال حيا لا يريحه سوى طريقة إخراج القمم التي ينسى بعضها بعضا بشكل منهجي ومخطط، وإلا فمن كان يحتفظ بقدر ولو بسيط من الذاكرة الإنسانية فإنه سيصاب بالعديد من الأمراض أو قد ينتحر فيلحق بمن دخل قبره دون أن يمسك شيئا في يده من تلك الوعود والقرارات التي أغرقت الصحف والمجلات بل والكتب والمجلدات.

لا يمكن أن أتصور أن النظام العربي هو نظام ناجح وقد أصبحنا اليوم بعد كل هذه الجهود والتصريحات والمخططات في مجال الأمن القومي.. إذا بنا -بدون مفاضلة- أسوأ منطقة في العالم يتعرض أمنها القومي للاختراق من هنا ومن هناك فضلا عن النهب والاستغفال من هنالك.. والعجيب أن الكلام اليوم عن الأمن القومي العربي وكأننا مازلنا في أربعينيات القرن الماضي نبدأ من جديد فى وضع أسس الأمن القومي العربي ونتحدث عن نفس الخصوم ونفس الآليات برغم أن الحال صار أسوأ بكثير من أوضاع العرب حينها.

لا يمكن أن أتصور أن نظامنا العربي قد نجح، ونحن قد فشلنا فى كل مجالات التنمية وأصبحت الفجوة التكنولوجية بين وبين العالم المتقدم تقاس بالقرون والفجوة الغذائية تضعنا في مقدمة مناطق العالم المستوردة للغذاء فضلا عن انكشاف أمننا القومي الذى ترتب على ذلك أما عن معدلات الفقر والبطالة فحدث ولا حرج.

لا يمكن أن أتصور أننا قد نجحنا وما زلنا في القمة الأخيرة نتمنى أن نحقق أساسيات التكامل الاقتصادي بعد أن هرمنا من كثرة الاستماع لوعودكم بهذا التكامل على مدى عقود طويلة.

لقد كانت أكبر لطمة على وجه النظام العربي، وأكبر صدمة منى بها هي صدمة “الربيع العربي” حيث خرجت الملايين في مدن وشوارع  العرب في وقت واحد تصرخ من الألم ومن ضياع كل أمل في الاصلاح.. ليس أمامها إلا أن تصرخ في وجه هذا النظام الذى تيبس، ولم يقبل أي دعوة للإصلاح، بل إنه قد أصيب بالصمم فلم يعد يقدر على مجرد سماع أنات ضحاياه وصراخات المعذبين من بشاعة مظالمه.

خرجت الملايين العربية تقول لكم: أين وعودكم بهزيمة إسرائيل؟ بل أين قوتكم اليوم مقارنة بقوة إسرائيل؟ بل أين موقفكم الموحد من إسرائيل؟ بل أين أنتم وأين ملياراتكم والشعب الفلسطيني يعيش في العراء وقد دمرت إسرائيل منازلهم فوق رؤوسهم وأنتم شهود؟ لم يطالبكم أحد ولن يطالبكم بمحاربة إسرائيل حتى لا ترعبونا بهذه الحجة لكننا فقط نقول لكم: لقد تضاعفت الفجوة بيننا وبين إسرائيل في عهدكم في كل المجالات.. فهل هذا هو ما وعدتمونا؟ أجيبونا نصفق لكم؟!.

خرجت الملايين تصرخ في وجهكم: أين طعامنا الواجب لنا في حقكم لقد صرنا أكبر مستورد للطعام في العالم في عز ملككم؟.

خرجت الملايين تنكر عليكم: أين التعليم الذى وعدتم بها أبناءنا وقد تفشت الأمية في مجتمعاتنا بعلمكم؟.. وأين علاج أبنائنا الذى قد يداوى شيئا من آثار الفقر على أبدانهم في صحتكم؟.. وأين السكن الذى يوارى سوءات مجتمعاتنا أم أن عشش الصفيح هي غاية جهدكم؟.

خرجت الملايين تناشدكم: لا تعطونا شيئا من سلطتكم علينا فقد كرهنا كل سلطة؟ ولا أن تشركونا معكم في الحكم فنحن لسنا من مقامكم ولا مقاسكم ؟ لكنا فقط نستسمحكم أن تكفوا سلطتكم عن ظهورنا.. وأن تكمموا وحوشكم عنا فقد شبعت من لحمنا.. وأن تكفوا السلاح عن وجهنا كما كففتموه عن إسرائيل.. إننا نرجوكم أن تخففوا حمولة براميلكم المتفجرة فيكفيها أن تقتل المئات من شبابنا وأن تدفن العشرات من أطفالنا ونسائنا ليس شرطا أن نموت جميعا من قصفكم فمن تحكمون بعدنا؟!

أما أن تكون نتيجة كل هذه الصرخات وكل هذا المناشدات: أن تتوج جامعتكم عامها السبعين بقمة يرأسها “جنرال” وصل للسلطة بانقلاب عسكري أهان فيه الملايين التي انتخبت غيره بشفافية كاملة وأمعن في قتل الشباب والنساء والأطفال بل وحرق جثثهم ولايزال يقتل المتظاهرين في الشوارع ويعذب الألاف في السجون والمعتقلات فهذا ما لا أستطيع أن أفهمه إلا أنه تتويج جديد لكوارث عربية جديدة.
فهل فهمتكم؟

_______________

*كاتب وسياسي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه