45/70 نصرٌ أم هزيمة؟!

 

(1)

فاز الزمالك على الأهلي في المباراة الختامية للدوري العام، بينما حصل الأهلي على درع المسابقة، فما نتيجة الموسم للزمالك في نظرك: نصرٌ أم هزيمة؟

(2)

انتهت انتخابات الرئاسة المصرية باكتساح المرشح عبد الفتاح السيسي لمرشح مغمور تم تصنيعه بطريقة هزلية لتمثيل دور المنافس في سباق ملفق بوضوح، لكن المحرج والفاضح للمهزلة أن عدد الناخبين الذين تعمدوا إبطال أصواتهم زاد على عدد الأصوات التي تم منحها للمرشح الهزلي، وسخر العالم من العملية الانتخابية برمتها، واعتبرها بعض المراقبين خسارة سياسية وإعلامية كبيرة اختبأت في ثياب النصر، وكثر النقاش عن النتيجة العملية لانتخابات السيسي في 2018: نصرٌ أم هزيمة؟

(3)

عبرت جماهير ليفربول عن سعادتها بعد خسارة الفريق الخطرة أمام روما (2/4)، وقال لاعب ليفربول الشهير إن نتيجة المبارة غير مهمة، المهم أن فريق صعد إلى النهائي بمجموع نتيجتي المباراتين، كلام اللاعب يعني أن فريقه الذي خسر المباراة الثانية هو الفائز، لأنه ببساطة يستطيع أن يواصل طريقه لتحقيق الهدف، بينما أكد لاعب شهير من فريق روما أن فريقه لعب مبارة كبيرة وخرج فائزاً بشرف وأسعد جماهيره بعد أن تمكن من تحويل الخسارة إلى فوز كبير، موضحاً أن البطولات ليست كل شيء، فالأهم هو صورة الفريق وإسعاد الجماهير والدفاع عن مكانة الفريق، وكل مباراة مهمة في تحقيق هذه المكانة لأن التاريخ تكتبه مسيرة طويلة من الأرقام لا مباراة واحدة، فكيف تنظرون أنتم لنتيجة روما: نصرٌ أم هزيمة؟

(4)

الأسئلة الحائرة عن النصر والهزيمة كثيرة في الرياضة وفي الحياة كلها، لعل أشهرها في الرياضة واقعة المباراة النهائية لمسابقة الجودو في دورة الألعاب الأوليمبية بلوس أنجلوس صيف 1984، حيث فوجيء المتابعون في الملعب وعلى شاشات الدنيا ببطل العالم الياباني “ياسوهيرو ياماشيتا” يدخل إلى البساط وهو يعرج بوضوح نتيجة إصابته بقطع في رباط الركبة اليمنى، بينما ينتظره اللاعب المصري القوي محمد رشوان (حصان الأوليمبياد الجامح)، وفي لمحة خاطفة تمكن اللاعب المصاب من الفوز بالميدالية الذهبية، لأن خصمه الشريف امتنع عن استغلال الإصابة، وعندما سئل في المؤتمر الصحفي: لماذا أهدرت النصر المضمون ولم تلعب على القدم المصابة للياباني؟ تحدث عن “الأخلاق” التي نسيها العالم البراغماتي، في اليوم التالي أصدرت اليونسكو بياناً أشادت فيه بتصرف اللاعب الشريف ومنحته ميدالية للروح الرياضية، وانهمرت عليه جوائز اللعب النظيف، وأحسن خلق رياضي، وكرمته اليابان وصار محبوبا للجماهير هناك، حتى أن بعض اليابانيين أعلنوا إسلامهم بعد سماع حديث رشوان في المؤتمر الصحفي الذي قال فيه إن دينه يمنعه من إيذاء خصمه في منافسة رياضية، لأن أية ضربة قوية في القدم المصابة كانت ستؤدي بلا شك للقضاء على مستقبل ياماشيتا الرياضي، وبسبب هذه المباراة وهذا التصريح تزوج رشوان من فتاة يابانية أحبته، وأنجبت له “الثلاثة ع”: علي وعمر وعلياء، وعاشوا قي “تبات ونبات”، لكن نتيجة المباراة ظلت محل خلاف وتراشق بين العرب: نصرٌ أم هزيمة؟

(5)

في العاشر من رمضان قبل 45 سنة عبر الجيش المصري قناة السويس، وسيطر على خط بارليف المنيع، وخاض أعظم معركة عسكرية في تاريخه الحديث، لأنها (كما شاع) حطمت خرافة “تفوق الجيش الصهيوني الذي لا يقهر”، حيث ارتفع العلم المصري على الضفة الشرقية للقناة، وبدأت مهمة تحرير سيناء التي اكتملت بالمفاوضات وليس بالدبابات وحدها، لكن بعد كل هذه السنوات من النصر، مازالت سيناء تحت التهديد، ومازال القادة يتحدثون عن حرب أخرى لتحرير سيناء، والأغرب أن العلم المصري الذي رفعناه على الضفة الشرقية قابله علم صهيوني في قلب القاهرة، بل إن العدو احتفل بالعيد الـ70 لتأسيس دولته على أرضنا رغما عن الجيوش التي كانت تحاربه، وأقام احتفاله فوق تراب أول ثكنة عسكرية للجيش المصري الحديث على نيل مصر المطل على ميدان الثورة الكبير، وهذه المفارقة بين النكبة والحفلة، بين النصر والهزيمة، تدفعني لتكرار السؤال المحير في الذكرى المزدوجة (45/70) عن الذي كان، وعن الذي صار، فالذي كان في العاشر من رمضان نعرفه ونفخر به، لكن هل الحرب لقطة فوتوغرافية منفصلة عن مستقبلها وعن سياق التاريخ؟ وهل يمكن للاعب أن يحسب مكسبه بنتيجة مباراة واحدة فقط؟ أم ينبغي أن يحسب بمجموع المباريات؟ باختصار مخل وموجع مازال السؤال يتجدد في ذكرى العاشر من رمضان: نصرٌ أم هزيمة؟

(6)

ليس كل نصر عظيماً، وليست كل هزيمة خطيئة، فهناك انتصارات حقيرة، أسوأها فى ذاكرتى انتصار هند بنت عتبة على سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، فقد دفعها الحقد إلى شق بطنه واستخراج كبده ومضغه بفمها، ومن الانتصارات الحقيرة أيضا انتصار الرجل الأبيض على السكان الأصليين فى الأرض الجديدة المسماة حاليا أمريكا، وانتصارات الصهاينة “المؤقتة” التي تدوس في طريقها كل القيم الإنسانية، وانتصارات “القوة الغاشمة” التي يتوهمها السيسي ضد شعب لا يحمل ضده سلاحاً، إذ يمضي في الداخل مزهواً وهو يقتل ويخطف ويسجن ويفقر ويرهب، بينما يمضي في الخارج خنوعاً يطأطيء الرأس للأعداء، هذه الانتصارات الخسيسة للسيسي وأمريكا والصهاينة تذكرنى بحكاية القائد اليونانى القديم بيروس الذى اعتمد على “القوة الغاشمة” فى تأسيس مملكة هلستينية قوية عام 297 ق. م، ودفعه غروره للتوسع والطغيان على الممالك الصغيرة من حوله، وبعد 17 عاما سعى لمواجهة الرومان، واستطاع بعد معركة دامية أن ينتصر، لكنه شعر بالهلع من منظر الجثث والأشلاء وحجم الخسائر فى صفوف جيشه، فقال قولته الشهيرة «لقد انتصرنا، لكن انتصاراً آخر كهذا وننقرض»، والعبرة أن بيروس لم يمت في حرب ولم يحقق انتصارات من أي نوع، لأنه اكتفى بالغطرسة على شعبه فى الداخل حتى احتقن منه الناس، فحانت نهايته بصورة مهينة وهزلية فى أحد شوارع عاصمته (أرغوس)، فقد رشقته امرأة بحجرٍ أصاب رأسه فسقط ميتاً تحت أقدام العامة، وهكذا ينتهي الطغاة ببساطة في لحظة، لكن سؤال النصر والهزيمة يظل معلقاً يحتاج منا إلى إجابة، حتى لا نتوهم أن الهزيمة نصر، وحتى لا نهدر انتصاراتنا ونجعلها مدخلاً للهزائم، فنظل ضائعين نتشكك في أمجادنا التي نسمع عنها ولم نراها، ونسأل حائرين عما إذا كان تاريخنا: نصر أم هزيمة؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه